
حين تشتبك الفلسفة مع العصر، وتُلامس بأسئلتها العميقة نبض التحولات المتسارعة، يبرز صوت الفيلسوف بوصفه مرآة تُحاور الحاضر وتستقرئ المستقبل. وفي زمنٍ بات فيه الذكاء الاصطناعي يُنافس العقل الإنساني على التفكير والتأمل، تزداد الحاجة إلى خطاب فلسفي متزن يعيد ترتيب الأسئلة، ويمنح القيم موقعها من المعادلة التقنية. في هذا الحوار مع الدكتور «الزواوي بغورة» الفيلسوف الجزائري، وأستاذ الفلسفة المعاصرة بقسم الفلسفة بجامعة الكويت، يُضيء لنا حول علاقة الفلسفة بالذكاء الاصطناعي، وبالسينما، وبهموم الإنسان اليومية. في محاولة لفهم أعمق… كيف تواجه الفلسفة التحديات الكبرى؟ وكيف يمكنها أن تبقى صوت الضمير الإنساني في زمن الخوارزميات الذكية؟ •بداية دكتور كيف ترى موقع الفلسفة اليوم في عالم يسوده التسارع التقني والذكاء الاصطناعي؟ • نعم في الواقع هذه إحدى التحديات الكبرى بالنسبة للفلسفة، وهذا التحدي يعود إلى طبيعة الذكاء الاصطناعي الذي ليس مجرد تقنية بين التقنيات، ولكنه تقنية نوعية لأنه يماثل النشاط البشري، لذا أصبحت الفلسفة اليوم تناقش هذه القضية، حيث استحدث فيها مجال يسمى فلسفة الذهن وفلسفة العقل، ونناقش من خلالها عدة جوانب، منها ما هو متعلق بمسألة الوعي، بمعنى هل الذكاء الاصطناعي قادر على أن يمتلك وعياً؟ النقطة الأخرى هي مسألة الأحاسيس والمشاعر، فالفلسفة تناقش دائماً صلة الذكاء الاصطناعي بذكاء البشر، فهذه التقنية لا شك بأنها تتيح العديد من الفرص الكبيرة والمهمة، لكن في ذات الوقت تطرح علينا أسئلة كبرى ربما تكون مقلقة، ومنها السؤال الكبير حول هل الذكاء الاصطناعي ممكن أن يصنع له وعي خاص مستقل عن الوعي البشري؟ وهناك غيرها من الأسئلة مثلاً في مجال “الترجمة الفلسفية” نتساءل كيف نضمن أن الترجمة أصيلة، وكيف نفرق هل قام بها الإنسان؟ أم هي ترجمة آلية؟ بطبيعة الحال الخبراء يستطيعون التمييز، لكن لا يمكننا أن ننكر بأن الترجمة الآلية أصبحت تفرض نفسها، فلا بد من أن يكون هناك ميثاق أخلاقي لاستعمال الذكاء الاصطناعي ليس فقط في مجال الترجمة ولكن في مختلف النواحي الأخرى، فبدون وجود مثل هذا الميثاق، والذي يجب أن يخضع لشفافية كبير، فإن المخاوف بلا شك قائمة، لأنه كيف يمكن أن نميز بين الحقيقي والوهمي؟ هذه الأسئلة ليست خاصة بالفلسفة فقط، وإنما خاصة بكل إنسان عصري. •كتبت كثيراً عن الفلسفة الغربية المعاصرة، برأيك دكتور هل ترى بأن الفلسفة اليوم انفصلت عن هموم الإنسان اليومية؟ •جيد، في الواقع هذا القول بأن الفلسفة انفصلت عن هموم الإنسان اليومية، فيه نظر، لسببين لأننا في الفلسفة لدينا قسم كامل يسمى الفلسفة العملية وهو يناقش المسائل السياسية والمسائل الأخلاقية والمسائل الاقتصادية والمسائل الحقوقية، وبالتالي هذه المسائل لها صلة مباشرة بالحياة اليومية، وفي وقتنا الحالي تطورت الفلسفة نحو الاهتمام بالحياة اليومية، وبشكل خاص بالحياة العملية، وبعضهم ذهب إلى ضرورة تأسيس عيادات فلسفية، وهناك جهود في هذا الصدد، وأنا أهتم كثيراً بمجال يسمى الفلسفة الاجتماعية، وأناقش فيه مختلف المشكلات التي تطرحها مجتمعاتنا المعاصرة، البعض يذهب إلى أن الفلسفة ليست إلا التشخيص للواقع سواء شئنا ذلك أم لم نشأ. •ماذا عن السينما الفلسفية، وعلاقة السينما بالفلسفة؟ •نعم، أشكرك على هذا السؤال لأنه بالفعل علاقة الفلسفة بالفن قديمة، ومنذ أرسطو تم الحديث عن هذه العلاقة، التي تعتبر قديمة وتعززت مع الوقت، وفي عصرنا هذا فتح باب الفنون الجديدة، فالسينما هي من الفنون الجديدة، ولدينا فيلسوف يعتبر من كبار المعاصرين، وهو جيل دولوز ، خصص عدد من الدراسات والمؤلفات عن فكرة الصورة والحركة في السينما ، واليوم توجد أبحاث على مستوى الماجستير والدكتوراه حول الفلسفة والسينما. •كيف ترى واقع الحركة الفلسفية والاهتمام بالفلسفة في المملكة اليوم؟ •يجب أن أوضح بأن ثمة آمال كبيرة على مستوى الوطن العربي معقودة حول ما يجري في المملكة العربية السعودية من حراك ثقافي كبير، والمتابعون للشأن الفلسفي يقرون بأن هناك مقروئية كبيرة في المملكة لكتب الفلسفة، حتى قبل تأسيس جمعية الفلسفة السعودية، والدليل على ذلك ما نلاحظه في معرض الرياض الدولي للكتاب، وأنا من تجربتي الخاصة أعمالي مقروءة في المملكة بشكل واسع، وبالتالي أقول لك بكل اطمئنان، ثمة حركة فلسفية ناشئة وواعدة في المملكة. ونتمنى أن تترسخ أكثر في المؤسسات ذات العلاقة، وخاصة في المؤسسات التعليمية.