الرياض وواشنطن..

شراكة استراتيجية تتجدد.

في عالم يزداد اضطرابًا وتبدلًا في موازين القوى الدولية، تبرز المملكة العربية السعودية كواحدة من أهم القوى الإقليمية الصاعدة بثقة وثبات. فبفضل قيادتها الحكيمة، ورؤيتها الطموحة المتمثلة في “رؤية 2030” استطاعت المملكة أن تنتقل من مرحلة الاعتماد التقليدي على النفط إلى بناء اقتصاد متنوع ومكانة سياسية متقدمة على الساحتين العربية والدولية. شكلت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال المدة 13-14 مايو 2025 محطة محورية أكدت على الدور المتنامي الذي تلعبه السعودية في تشكيل المستقبل السياسي والاقتصادي للمنطقة والعالم أجمع. وإن ما شهدته الرياض من توقيع اتفاقيات كبرى، وحضور دبلوماسي رفيع، يعكس ليس فقط ثقلها الاستراتيجي، بل أيضًا الثقة العالمية المتزايدة في قدرتها على قيادة التغيير، وبناء تحالفات مؤثرة في مسار العلاقات الدولية. لقد أكدت الزيارة عمق الشراكة التاريخية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أتت في ظل تحولات إقليمية وعالمية، وتطورات متسارعة في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية، لتُسجل علامة فارقة في مسار العلاقة الثنائية بين البلدين. فمنذ اللقاء الشهير بين الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - والرئيس فرانكلين روزفلت في 14 فبراير 1945م، أرست المملكة والولايات المتحدة أسس تحالف تاريخي بُني على الثقة والمصالح المشتركة. ذلك اللقاء الذي عقد على متن الطراد الأمريكي “يو إس إس كوينسي” في البحيرات المرة في قناة السويس، وشكل حجر الأساس لعلاقات ممتدة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وكان الملك عبد العزيز ببعد نظره، وبحسه السياسي العميق قد تنبّه إلى حجم التأثير الأمريكي المستقبلي، ليؤسس رؤية استراتيجية تحفظ مصالح المملكة، وتقيم شراكة مع القوة العالمية الصاعدة حينها. واليوم، وبعد مرور نحو (80) عامًا على ذلك اللقاء التاريخي، تأتي زيارة الرئيس ترامب لتؤكد أن هذا التحالف لا يزال يحتفظ بحيويته وفعاليته، بل ويزداد ثقةً وعمقًا واتساعًا. أبرز ما ميز زيارة الرئيس ترامب هو إعلان اتفاقيات استثمارية ودفاعية غير مسبوقة. فقد أبرمت المملكة والولايات المتحدة صفقة تسليحية تُعد الأكبر في التاريخ، حيث بلغت قيمتها نحو (142) مليار دولار. وشملت الصفقة تحديثات استراتيجية في منظومات الدفاع الجوي والقدرات الفضائية، بالإضافة إلى تعزيز القوات البحرية والبرية، والأمن السيبراني، وتطوير أنظمة الاتصالات والاستخبارات. أما الجانب الاقتصادي من الزيارة لم يكن أقل شأنًا. إذ أعلنت المملكة عن التزامها بضخ استثمارات ضخمة في الاقتصاد الأمريكي بلغت قيمتها (600) مليار دولار، توزعت على عدة قطاعات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، والطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا المتقدمة. وقد جاءت الزيارة في وقت تشهد فيه المملكة تحولات عميقة ضمن “رؤية السعودية2030” فتقدمها في مجالات حقوق المرأة، والتنمية المستدامة، والطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، جعل منها شريكًا عالميًا لا غنى عنه. وقد أعرب الرئيس ترامب عن إعجابه بهذه الإصلاحات، مؤكدًا أن السعودية باتت تمثل نموذجًا إقليميًا يحتذى به في التطوير الاقتصادي والانفتاح العالمي، وهو ما يدفع بالعلاقات الثنائية نحو آفاق أوسع. إن استقبال المملكة لفخامة الرئيس دونالد ترامب، وتوقيعها اتفاقيات استثمارية واستراتيجية غير مسبوقة، يعكس مكانة المملكة المتنامية كقوة إقليمية ذات ثقل عالمي. فقد أصبحت بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان لاعبًا محوريًا في تحديد اتجاهات الاقتصاد العالمي، وقطبًا رئيسيًا في إدارة قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي. فلم تعد المملكة مزودًا رئيسيًا للطاقة فحسب، بل أصبحت مركزًا تقنيًا واستثماريًا وسوقًا ناشئة للابتكار والمشروعات العابرة للقارات. وهذا التغيير لم يكن ليتحقق لولا رؤية سياسية واعية، تقود البلاد بثبات نحو الريادة العالمية. وها هي المملكة العربية السعودية تواصل صعودها كقوة إقليمية ذات تأثير عالمي، بثقة ووعي ورؤية سياسية طموحة. ويُعد تحالفها الاستراتيجي المتجدد مع الولايات المتحدة ركيزة أساسية في بناء توازنات جديدة ترسم ملامح المستقبل للمنطقة والعالم. وكما قال أبو الطيب المتنبي: “ إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ ... فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ “ فإن المملكة تصعد اليوم بسرعة تسبق الصوت نحو النجومية.