
إن إحدى التعاريف الهامة للإدارة: “عملية تتألف من التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة لتحقيق أهداف محددة باستخدام الموارد بكفاءة”، وهذا حسب تعريف كوينتز (Koontz). كما يعرف كوينتز القيادة بأنها: “التأثير في الآخرين لتوجيه جهودهم نحو تحقيق الأهداف المشتركة”. تختلف حاجة الشركات أو المنظمات المختلفة تجاه وجود مدير أو قائد، وذلك حسب مجال عملها وطبيعته وأهدافه. لذا، الشركات التي تسعى للريادة في مجالها والابتكار في عملها لن تحقق ذلك إذا قامت بتعيين مدير لا قائد! فإن الإدارة قلّما تصعب على إنسان، لأن النزعة إلى السلطة فطرية، وكما قال فريدريش نيتشه (Friedrich Nietzsche): “إرادة القوة ليست فقط دافعًا، بل هي جوهر الحياة”. بينما يرى جان جاك روسو (Jean-Jacques Rousseau) أن الإنسان في طبيعته يميل للتعاون والانسجام، وأن نزعة السلطة جاءت نتيجة تحولات اجتماعية وثقافية. أما ألفرد أدلر (Alfred Adler)، مؤسس علم النفس الفردي، فقد اعتبر أن النزعة إلى السلطة موجودة في النفس البشرية، لكنها ليست مطلقة أو شريرة بطبيعتها، وقد تظهر كدافع طبيعي لتنظيم الحياة وتحقيق الإنجاز. إذن، من وجهة نظر نفسية، فإن السلطة تتحول إلى تسلّط واستغلال ومركزٍ للتعالي وممارسة الفوقية حينما تصبح حياة الفرد خالية إلا من هذا المركز. عندما يكون مستميتًا للاعتراف به مجتمعيًا، عندما لا يوازن بين دوره في الأسرة وتواجده في الحياة الاجتماعية، أو يهمل إشباع حاجاته العاطفية والصحية، أو لم يكن على اتصال مع ذاته من خلال هوايات أو ممارسات مختلفة تعبّر عن شخصيته، فإنه -دون وعي- يعيش معظم صراعاته من خلال هذا الكرسي. وعندما ينحصر دوره في الحياة حول نطاق عمله، قد يسعى لتحقيق حاجاته النفسية من خلال هذا المركز، وقد يدفعه ذلك ليكون أكثر تسلّطًا، كون هذه المساحة هي مساحته لإثبات أو لتحقيق الذات! وعندما نعيد النظر إلى تعريف كوينتز للإدارة، فإن الأمر لا يتطلب الكثير “تخطيط وتوجيه وإشراف…” يمكن أن يقوم بها أي شخص بخبرات معينة بعد تدريب محدد، مثلها مثل أي من المهام الإجرائية. لكن عندما عرّف القيادة، فهو حدّد أداة هذا العمل، وهي *التأثير في الآخرين* لتوجيه جهودهم، وذلك في إطار الأهداف المشتركة. وهؤلاء الآخرون بسمات شخصية مختلفة، وبخلفيات ثقافية أو معرفية متنوعة، إذن فإن المكانة هنا مشروطة بتوافر سمات شخصية معينة لدى القائد، وقيم عليا، وتوجّه إيجابي نحو الذات والآخرين! إن السعي للسلطة في ديننا الإسلامي مشروط بعدة مفاهيم أو قيم تكمله، مثل: العدل، الإخلاص، الأمانة، التواضع، الإحسان وبذل الجود، فإن العمل بكافة صوره هو بوابة للعبادة إذ ما حسنت النوايا وجددت، كيف بمن وُّلِّي على أشخاص آخرين؟ وكما جاء في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:( انكم ستحرصون الإمارة وإنها ستكون ندامة يوم القيامة...) وهذا يؤكد أن دوافع السلطة كثيرة ومتعددة لكنها في الميزان الإلهي تكليف لا تشريف فيما لا مجال فيه للهوى. وفي نظرية هوفستد الثقافية والتي أجريت على ٤٠ دولة ثم توسعت لاحقا لتشمل أكثر من ٨٠ دولة وما زالت تستخدم لفهم الاختلافات الثقافية بين الشعوب من حيث: سلوك الموظفين في بيئات العمل، أساليب القيادة المتبعة، العلاقة بين المدير والموظف. بدأت النظرية بأربعة أبعاد في الثمانيات ثم أضيف لها بعد خامس في التسعينات ثم أضيف إليها البعد السادس في بداية الألفين. وأولى هذه الأبعاد هو مسافة السلطة (PDI) وهو البعد الذي يقيس مدى ميل أفراد المجتمع لوجود تفاوت في السلطة والنفوذ، سوا في مؤسسات العمل أو في العلاقات الاجتماعية. وقد تم تضمين السعودية حسب موقع هوفستد بنسبة ٩٥٪ تسبقها ماليزيا ١٠٠٪ وتلحقهما كل من الصين وروسيا والهند، وذلك في نطاق مسافة السلطة المرتفعة والذي يشير إلى أن الموظفين يعتمدون على أوامر المدير، اتخاذ القرارات مركزي، انعدام أو قلة المبادرة من الموظفين للإدارة. أما في بيئات منخفضة السلطة مثل ألمانيا، بريطانيا، السويد، هولندا... فإن البيئة محفزة للإبداع والمشاركة؟ ينظر للمدير كزميل قائد وموّجِه يثق الموظفون بتوجيهاته لا كسلطة متعالية، بيئة أكثر شفافية من حيث التواصل. أما فرنسا فقد حققت نسبة ٦٥٪ فهي تصنف متوسطة إلى مرتفعة حيث تميل إلى المركزية في القرار مع المرونة في العلاقات. وبالطبع هناك سمات اجتماعية مشتركة بين أصحاب المسافة العالية للسلطة وأخرى متفق عليها بين أصحاب المسافة المنخفضة. فإن المجتمعات ذات السلطة المرتفعة تشترك بخصائص مشتركة منها: يتوقع من المدير أن يمارس سلطته ويظهر حزمه، ينفذ الموظف الأوامر ويتجنب مواجهة المدير أو نقده، التعليم قائم على التلقين والمعلم هو المحور ذو السلطة، الوالدان يتخذان القرارات عن أبنائهم ولا يتوقعون الاعتراض، يولي الكبير وصاحب المنصب بالاحترام؛ وقد رُصدت هذه السمات ضمن نتائج الدراسة. كما تؤكد دراسة الدكتورة سوزان القرشي، المنشورة في مجلة جامعة الملك سعود للعلوم الإدارية عام 2013، أن نظرية هوفستد لا تُستخدم فقط لمقارنة الثقافات بين الدول، بل يمكن تطبيقها داخل الدولة الواحدة، كما في الفروقات الثقافية بين موظفي القطاع العام والخاص في السعودية. وقد كشفت الدراسة أن القطاع الخاص يتميز بمسافة سلطة أعلى مقارنة بالقطاع العام، مما يشير إلى وجود هياكل أكثر هرمية وعلاقات سلطة أوضح. لذا، هل يمكن تطبيقها داخل القطاع الواحد بين الشركات المختلفة؟ حيث يتم تكيف أسلوب الإدارة بما يتناسب مع أهداف ورؤية الشركة، وما تتطلع إليه من موظفيها، وما تسعى لتشكيله في بيئات عملها. وهل السعودية، بعد التحولات التي شهدتها أثناء تحقيق رؤية 2030، ما زالت تحمل نفس الخصائص (ثقافيًا ومجتمعيًا) فيما تم ذكره مثل سلطة المعلم وغيرها؟ والسؤال الذي يجب أن يسأله صاحب كل شركة: هل نحن بحاجة إلى مدير أم قائد؟ هل نحن بحاجة إلى موظفين بمسافة سلطة عالية أم منخفضة؟ وذلك بناء على ما يخدم ويحقق أهداف الشركة، وعلى ذلك تُبنى خطة التطوير.