في ديوان «وصحوتُ .. للأحلامِ رائحة» للشاعرة حوراء الهميلي ..

مزيج بين السرد والشعر .

يمتزجُ الوجداني بالفلسفي والجمالي بالوجودي في ديوانِ (وصحوتُ .. للأحلامِ رائحة) للشاعرةِ حوراء الهميلي؛ إذ تحضرُ العائلة ممثَّلة بالأبِ والأم والأبناءِ والزوج، كما تحضرُ الصديقات وأزواجهن في تداخُلٍ بين الرغبات والواقع المر، كذلك تحضرُ التساؤلات عن الحياة والعيش وممارسةِ الوجود، لتنطلق منها ناحيةَ الغيبِ وتأثيره في إدارة الأحداثِ والتفاصيل، معتمدة أُسلوب الحكي السردي، الذي سيغدو الإطارَ الفني للقصائد. تتعالقُ القصيدة بالقصة، ليصبحَ السرد عنصراً أساسيًّا من عناصر بناءِ الخطاب، مستفيداً من آلياته وإمكانياته وخصوصاً أسلوبي الاستفهامِ والتعجُّب الدالين على التأمُّل والتفكير؛ الأمر الذي يشيرُ إلى أن الديوان يتجاوزُ التعبير الوجداني إلى النظرِ الفلسفي وتكوينِ رؤية للوجود. العنوانُ يتشاكل مع الوجداني والفلسفي في آنٍ بتركيبته المعتمِدة على الحذف، فثمَّة أشياء مسكوتٌ عنها قبل الواو “وصحوتُ ..”؛ تدلُّ على الغياب وعدم الحضورِ الذهني والاستعداد البدني، والمعنى لا يكتملُ إلا بالتركيب اللاحق المتمثِّل بالنتيجة والهدف “للأحلامِ رائحة”؛ لكونه يدلُّ على الصدمة من حجمِ المتغيِّرات وسرعتها، وهذا ما دفع إلى استحضارِ “الحنجرة”؛ بغرض التعبيرِ عن الذات وتساؤلاتها ومعاناتها (قصيدة: سلم موسيقي في حنجرة صامتة..!): “حنجرتي آلةٌ ثقبتها السنينُ لينسلَّ منها الصدى؟ ـ لا أظن ولكنني إذ أفكِّر أحسبُ أن الثقوب تنفِّس عنها حرارة جمرِ السؤال!” ليتكشَّف المزيد في مقطعٍ لاحق: “أشذِّب أغصان صوتي في كل ليلٍ؛ لأني وعدتُ الرياح بأن أتهيَّأ حتى أرافقها للبلادِ البعيدة شاعَ هناك: البلادُ صحت ذات يومٍ وقد فقدت فجأةً صوتها!” يغدو للصوت أهميةٌ بالغة بما أن البلادَ فقدت صوتها، إذ ثمَّة غياب للآخر وحضورٌ للذات، التي ستتجاوزُ معاناتها وتبدأ برواية أحداثِ حياتها، سواء أكَانت وجدانيًّة عاطفيًّة أم فلسفيًّة وجوديًّة، حيث الخطاب يتشكَّل من امتزاجها جميعاً، إذ يبدأُ من الوجداني ليصلَ إلى الوجودي، مستخدماً أسلوب الحكايةِ السردية، كما في قصيدةِ (موعد على ذمة البحر..!)، التي تبدأُ بـ: “تقولُ المراكب للبحر: هل مرَّ من عندنا عاشقان مساءَ الخميس؟” ليأتي الختامُ مزدحماً بالأسئلة: “وأما الفتى شامخٌ كالوهاد فهل صارع الخوفَ وسط الكهوف؟ وهل ساوم الموتَ يوم انبعاثِ الخليقة؟ يا للتناقُضِ بين البياض وبينَ الحياة صموتٌ وفي عقله صخبٌ ليس يهدأ” كذلكَ قصيدة (بياض لا أخطى رائحته...!) استخدمت أسلوب الحكايةِ السردية من أجل إيصالِ خطابها، حيث تبتدئ بمشهدٍ خيالي يطفو بالروحِ لتكون أقربَ إلى “الله”، إذ ثمَّة كارثة قد حلَّت: “رأيتُ ملائكة مسرعةً تسعفُ عائلة عائدة من مكَّة بعد العمرة والعائلةُ استوفت كلَّ شروط الأحيَاء وآن لها أن ترجعَ للأعلى” يتصاعدُ المشهد ويتمُّ إدماج الذات داخلَ القصيدة، حيث الحادث مروِّع ولا يمكن استيعابُ تفاصيله؛ وهو السببُ الذي برَّر اللجوء إلى المشاركةِ الوجدانية، مع الاحتفاظِ بالتساؤلات الوجوديَّة والفلسفيَّة: “بين الغيمةِ والغيمة ثمة متَّسع للحلم أرواح تعرجُ قربي وتحييني هل أنهَت كل رسائلها في الأرض؟ أم أن هُنالك في الجنات ممراً خُصِّص للحلم المتخلِّف عن سيِّده؟ كم شخصاً منتعلاً حلماً أكبر من مقياسِ حذائه؟ هل فُتِّشت الأرواح مليًّا قبل القبض؟ هل تحمل آمالاً فائضة عن حاجتها؟ هل دُرِّبت الأرواح على الأحلامِ بما قد يتناسبُ والأجساد؟! من قبل تنزُّلها في الدنيا في هيئة جسمٍ بشري؟” التساؤلاتُ لا تنتهي لأنها تتَّصل بالوجود وكيفيَّة ممارسته، كما تتجاوز إلى العالمِ الآخر وما يحدثُ للأرواح فيه؛ ما يدفع الحدثَ إلى النمو وعدم التوقُّف رغم رحيلِ جميع الأشخاصِ المصابين، إذ تظلُّ الذات بمفردها تطرحُ الأسئلة، وتحاول البحثَ عن إجابات “عليَّ بأن أُنهي أعمالي في الدنيا”، قبل أن تنتقلَ إلى رسم صورة أُخرى وممارسةٍ مختلفة: “أتخيَّل نفسي سيِّدة الأعمالِ الأولى في الشرقِ الأوسط”، تطرحُ من خلالها أسئلةً أعمق: “وعلى الأرض الإنسانُ يقاتله الإنسان على حفنةِ رملٍ أو شربةِ ماء! ما بالُ الأرض يضيقُ بها الناس؟” التساؤلاتُ الفلسفيَّة تبلغُ عتبة اليأسِ من الوجود، إذ تأتي على شكل تناقُضٍ حياتي يتمثَّل في صراع الإنسانِ مع الإنسان على “حفنةِ رملٍ”، بينما الأراضي ممتدَّة ويمكن لكل أحدٍ أن ينال نصيبه منها، ومع الصراعِ يأتي الخوف ليسيطرَ على الأرواح ويدفعها للبحثِ عن إجابة: “في الأعلى يبدو الكوكب متَّسِعاً للناس جميعاً واسعةٌ أرض اللهِ فهاجرْ يا ابن بَني جِلدي وتحرَّر من خوفك” تتصاعدُ نبرة الخطاب وتزدحمُ بالأسئلة مع تصاعدِ النمو السردي داخلَ القصيدة، التي تنتقل من الطرحِ الوجداني العاطفي في ابتداءِ الحكاية وتكوينها، إلى سبرِ أعماقها ومساءَلتها في منتصفها، وصولاً إلى تقديم إجاباتٍ ممكنة أو محتملةٍ في ختامها؛ ما يدلُّ على تداخُل الحياة وتمازجها، حيث لا ينفصلُ الوجداني عن الفلسفي ولا الوجودي عن الجمالي، وهو ما استثمرته الشاعرةُ في ديوانها، فمزجت بين الشعرِ والسرد محاولةً استكشاف آفاقِ وإمكانات كلٍّ منهما.