في رواية غصون لعلي الأمير..

أبعاد الزمان والمكان.

«تتمنى أحياناً أنْ تجد من يخدعك ، حتى تعبرك الفواجع دون أن تبصرها، بل ربما تمنيت لو كنت قد خلقت بلا حس أو شعور ، تماماً كالجاهلي الذي تمنى لو أن الفتى حجرٌ « ص ٤٨ رواية ( غصون ) هي رواية المكان والمجتمع والحب والسياسة والبراءة , التي تعمد كاتبها أن يجعل لها مسار الزمن لا يخدم التاريخ , بل التاريخ يخدم ما يريد أن يبثه من براءة العواطف في بيئة المكان (جيزان) , حتى يغفر المتلقي كل ما سيواجهه في التابو , الذي كتبت به الرواية دون أن يحمّل الشخصيات إثماً هي أبعد ما تكون عنه , بدءًا من ( راشد) المحمل بالأسئلة التي خلق بها طفلاً , كعدم خوفه من الله , ويقينه بأن الله لا يخيف , وأن الجن هي من تقبض الأرواح , والنجوم وأثرها على الإنسان والزرع والملائكة ,وحتى مغامراته العاطفية. وكذا شخصية (مثنى) و (غصون) و (حُسْن), الخط الزمني هنا قد يأخذك إلى أحداث سياسية, كان لها دور بارز , هذا للمهتم بالزمن في الرواية ، لكن الرواية تجنبت كثيرا العمق السياسي , وما فتئت تسرده وتذكر المتلقي به , وكأنه عارض خفيف وسريع كسرعة تغيير الشخصية لمحطة الراديو, وهي تعلن ذلك دون أن تتعمق الرواية في بيانه , أو تجعل له أثرا ذا ميول أو توجهات تتكفل بتغيير أو تطور أي شخصية داخل العمل , فهي ترد كأخبار , تأتي في أثناء البحث عن أغنية لأم كلثوم أو نجاة أو محمد عبده . الزمن بالنسبة للرواية فقط يريد أن يقول كل هذه الأرواح مارست براءتها , قبل أن تتلوث بالمد الصحوي , وحتى النهاية والرواية لا زالت تلعن كل ما يفضح طهر القرى , حتى لو كان نورا من فعل الإنسان كالكهرباء . هذا على مستوى الزمن أما الحدث , فناقش الكثير من الظواهر الاجتماعية , لكنه في الرواية سبر القلوب وبنى الغرام والقى بالخيبات على العادات الاجتماعية للبيئة القروية ، وكأنه هنا يتهم العادات كتكافؤ النسب وغيره , مما هو كفيل بصنع الإنسان لتعاسته , أكثر مما هو جدير بحرصه على خلق عادات تتكفل بسعادته , يلمس ذلك المتلقي في تلك العبارات التي أسميها مرايا لفصول الحدث في الرواية منها : «التيه في حرائق الأيام النائية»، «حتى الموت كان يبحث له عن مكان آمن»، «ليلة اشتعال الفزع»، «برعمان واقتادهما النهر من قلبيهما»، «الموت هو تجربتنا المؤجلة»، «بكل ذنوب العاشقين قتلوها». أما على مستوى اللغة , فالكاتب شاعر , لم يستطع أن يبعد سرده عن الشعرية , وما اقتبسته في أول ورقتي , إنما هو واحد من أولى ما تسرب من نغم , والكثير في سطور الرواية ملموس بعذوبته , غير أن علي الأمير أختار إلى جانب شعريته أن يجرب القارئ لسانه باللهجة الجيزانية , في المسميات وبعض الجمل اللطيفة , حتى إذا ما علقت في ذهنه البيئة وإنسان ذلك المكان , واطمأن لما يحقق متعته , أصابك في النص بالخيبة المغايرة لتوقعك , وألبسك خيبة الشخصية التي تقاسمت مع (راشد) البطولة في النص (غصون) , التي إغتالت فرحتها بقص شعرها قبل زواجها من غير الحبيب , وغادرت جيزان تاركة خلفها قلبها وراشد الذي تشبثت بذِكْرِه, ولتحرسه من النسيان أسمت ابنها باسمه (راشد). **ملاحظة : ما قرأته انطباع وليس ورقة نقد .