قراطيس التسالي

قبل أن يأتي أحد إلى الحديقة ، وقبل أن تشرق الشمس ، وقبل أن تسبقني العصافير إلى فتات الخبز وبقايا عشاء الأمس ، قبل تلك التفاصيل اتجهت إلى الحديقة لأستعيد ذكريات الليل ، كنا في غاية السعادة نتناول الكعك الفاخر الطازج الذي صنعناه في البيت من أجل هذه الأمسية ، ومعه القهوة التي باتت تتضوع رائحتها حول أنوف الزائرين والزائرات للحديقة ، ومعنا صغار يتسلون على مابداخل قراطيس التسالي من البطاطس المقرمشة الحارة والباردة ، كان الجو لطيفًا يتخلله قطرات من الرذاذ بعد مطر غزير انسكب على الحديقة وعلى رؤوس الصغار والكبار في يوم رائع. مضى الليل مثل عُمرٍ جميلٍ يشبهُ الربيع ، لا نعرف لم تركنا بقايا الكعك والقراطيس ومفارش سفرة الطعام على الحديقة مثل بعض الذين يعبثون بالمكان ويتركون مخلفاتهم وراءهم . لم تكن المسافة بعيدة بين البيت والحديقة ، ومازال بقايا الطعام على أرض الأمسية الجميلة في ذاكرتي ولكن النعاس أرغمني على الذهاب إلى السرير على الرغم من حالة التأنيب . مضى النوم هانئًا وسريعًا دون أحلام ، وحضرت الشمس باردة بعد المطر ومازال في ذاكرتي قراطيس التسالي التي أتخيلها أمامي وكأنها تتجول دون رقيب على عشب الحديقة الأخضر ؛ بينما القطط السود والبيض تطاردها وسط نسمات الهواء . رجعت إلى الحديقة بعد وصول عمال النظافة الذين يحضرون لجمع البقايا والمخلفات ، ومخلفاتنا بطبيعة الحال معها . تمكنت من أن أسبقهم لجمع قراطيس ذكريات المساء ورفات رقائق التسالي من القراطيس وعيون العمال ذوي البشرة الداكنة تنظر نحوي باستغراب وبهمس وضحك . لم يكن يدرك هؤلاء أنني لا أريد لتلك البقايا أن تسكن في براميل عفنة ، أو ترمى في حاويات تنهشها الهوام . اخترت بعناية فائقة أكياسًا فاخرة أجمع فيها بقايا ليلتنا الفاخرة كي تخلد فيها قراطيس التسالي وفتات الكعك التي مرت على شفاهنا البريئة .