العربية في آسيا..

لغة الحرير .

يأتي اليوم العالمي للغة العربية، الذي أقرّته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، والذي يصادف اليوم الخميس، مناسبةً لرصد واقع اللغة العربية خارج نطاقها الجغرافي التقليدي، والتوقف عند مسارات حضورها التعليمي والثقافي في عدد من بلدان آسيا. فالعربية، التي تُعد إحدى اللغات الرسمية في الأمم المتحدة منذ عام 1973، لم تكن حكرًا على محيطها العربي، بل انتقلت تاريخيًا عبر التجارة والدين والمعرفة، لتصبح جزءًا من المشهد اللغوي في مجتمعات آسيوية متعددة. في الصين، ارتبط دخول اللغة العربية بطريق الحرير، وأسهم ذلك في نشوء تقاليد تعليمية وثقافية استمرت قرونًا، ما زالت آثارها حاضرة في المؤسسات الدينية والتعليمية. وفي طاجيكستان وأوزباكستان، يظهر تأثير العربية بوضوح في الأسماء والتراكيب والمصطلحات، نتيجة تفاعل لغوي طويل مع الثقافة الإسلامية، انعكس على البنية اللغوية والاجتماعية في المنطقة. أما في الهند، فقد برزت العربية لغةً للعلوم الشرعية والأدبية، وأسهم مئات العلماء والشعراء في تأليفها وترجمتها ونظم الشعر بها، ما جعلها إحدى اللغات العلمية المؤثرة في تاريخ شبه القارة. يتناول هذا الملف واقع تعليم اللغة العربية في هذه البلدان، ويستعرض أشكال حضورها وتأثيرها، إلى جانب التحديات التي تواجهها اليوم، وآفاقها المستقبلية في ظل التحولات التعليمية والثقافية المتسارعة. قراءة توثيقية تسعى إلى فهم موقع العربية في آسيا، باعتبارها لغة معرفة وتواصل، لا مجرد إرث تاريخي. ------ قصة اللغة العربية داخل السور العظيم .. طريق الحرير ينسج رحلة ألف عام من العربية في الصين . أ.د جين تشونغ جيه ( Jin Zhongjie)* كان التبادل الصيني العربي قد ضرب جذوره إلى أعماق بعيدة و كان طريق الحرير البري و طريق التوابل البحري الذان شقهما أهل الصين و العرب قد أصبحا أهم الجسور التي تربطهما بالعالم . فإن التعاون الصيني العربي الذي يبقى دائما مع مرور الزمن في شتى المجالات كان يلعب دورا كبيرا في دفع مسيرة الحضارة العالمية إلى الأمام . و منذ دخول العهد إلى عتبة القرن الجديد و لا سيما توقيع الجانبين عام 2004 على الاتفاقية بشأن إقامة منتدى التعاون الصيني العربي وإطلاق المنتدى الصيني العربي للتجارة و الاقتصاد عام 2010 وتدشين “ معرض الصين و الدول العربية “ عام 2013 فإن هذه الأعمال ذات الأهمية الاستراتيجية قد جعلت علاقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين و الدول العربية عميقة أكبر ومفاهيم التعاون الصيني العربي متوفرة أكثر و مجالات التعاون بينهما متزايدا أوسع .وفي تاريخ العلاقات الثنائية الصينية العربية التي لم يحدث أي انقطاع على الأطلاق منذ أكثر من ألفي سنة أصبح التعاون الصيني العربي في التربية والتعليم موضوعا رئيسيا . فلا ريب فيه أن مجالات التعاون التربوي و التعليمي وتعليم اللغتين الصينية و العربية لغير الناطقين بهما بين الجانبين الصيني العربي تشكل العروة الوثقى التي ينبغي الاستمساك بها من أجل تعميق و تعزيز التعاون والتبادل بين الصين والدول العربية ، ذلك لأنها تبرهن بشكل عميق على الأعمال الملموسة في التعاون التربوي والتعليمي بين الجانبين من جهة و يرسي أساس التعاون الثنائي في شتي المجالات من حيث العقول و يقوم بإعداد و إسهام موارد الكفاءة اللغوية التي يحتاج إليها الجانبان من جهة أخرى . فإن الكاتب يحاول تمشيط تعليم اللغة العربية في الصين و تعليم اللغة الصينية في الدول العربية على نحو كلي انطلاقا من ناحية التعليم اللغوي ثم يقوم بمقارنة بسيطة بينهما و ذلك من أجل الوصول إلى غايته التي تتمثل في إلقاء حجر في مياه الأفكار الراكد . تعليم اللغة العربية في الصين اللغة العربية من أقدم اللغات الأجنبية تعليما في الصين فإن تعليم اللغة العربية الذي ابتدأ من عصري تانغ و سون الملكيتين بتاريخه لأكثر من ألف سنة على المستوى الشعبي كان يمر بالمراحل الخمس على نحو رئيسي . 1 - في عصر أسرتي تانغ و سون الملكيتين في عصرأسرتي تانغ و سون الملكيتين كانت الدفعة الأولى من المسلمين العرب وصلوا إلى بلاد الصين بعد مسيرة طويلة شاقة تتخلل فيها جبال شاهقة و محيطات واسعة امتثالا لقول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم “ أطلبوا العلم و لو في الصين “ قاصدين لأداء واجباتهم الدبلوماسية ( كان مبعوث الخليفة قد وصل إلى الصين في عام 651 م ) و لممارسة تجارتهم مما سجل صفحة تاريخية في التبادل الصيني العربي . فإن الإسلام و حضارته قد دخلت إلى الصين مع ازدهار التجارة الصينية العربية و وصول مبعوثي الخليفة الإسلامية إلى الصين . ونظرا لأن اللغة العربية كأداة تستخدم في الدعوة الإسلامية و نشر الحضارة الإسلامية فإن الذين يمارسون التجارة أو يعملون في السلك الدبلوماسي في الصين يتوجب عليهم القيام بتعليم اللغة العربية والدعوة الإسلامية و ينشرون الحضارة الإسلامية في “ أحياء سكنية للمسلمين “ ( فان فانغ ) فأصبح إداركهم الواعي و مبادرتهم التعليمية مصدرا لإعداد الأكفاء في اللغة العربية لبلاد الصين . تعد تلك الفترة المرحلة الأولى لتعليم اللغة العربية في الصين و هي تتميز بخصوصية التعليم اللغوي ذي النمط العربي على أيدي العرب ---- أسلاف المسلمين الصينيين . 2 - في عصر أسرة يوان الملكية كان تعليم اللغة العربية في ذلك العصر يستمر بشكل غير رسمي في حدود “ أحياء سكنية للمسلمين “ حيث أن عددا كبيرا من العرب و الفرس هاجروا إلى بلاد الصين و استقروا فيها نتيجة غزوة المنغوليين لغربي آسيا مما جعل حكومة أسرة يوان الملكية تنفذ سياسة الانفتاح على الخارج . و من أجل مواجهة التبادلات الدولية المتزايدة و تعزيز الإدارة المالية كانت حكومة يوان تعير اهتمامها بإعداد الأكفاء المتخصصين بمن فيهم المترجمون الذين يتقنون اللغات الأجنبية و الإداريين في المجالات المالية والضريبية و في عام 1289 م أنشئ في بكين المعهد الوطني لأبناء هوي المسلمين الذي كان يعتبر أول المدارس الحكومية للغات الأجنبية في تاريخ الصين و ذلك من أجل تعليم اللغة العربية و اللغة الفارسية و المحاسبة الدولية و غيرها من المقررات. كان المعهد الوطني لأبناء هوي المسلمين بصفته المدرسة الحكومية على المستوى الوطني تلقى اهتماما بالغا من الحكومة المركزية من أعلاها ( الامبراطور) إلى أسفلها ( الوزراء ) لقبول أبناء كبار الشخصيات قاصدا لإعداد المترجمين الرفيعي المستوى للجهات المعنية حينذاك و تعد تلك الفترة المرحلة الثانية لتعليم اللغة العربية في الصين و التي تتميز بخصوصيتها المتمثلة في دخول تعليم اللغة العربية إلى المدارس الحكومية بعد أن كان في “ أحياء سكنية للمسلمين “ بصورة شعبية . 3 - في عصر أسرتي مينغ و تشينغ الملكيتين كان المسلمون المغتربون العرب في الصين بعد مسيرة تطورهم لمئات سنين قد اختلطوا في المجتمع الصيني بشكل تدريجي في عصر أستي يوان و مينغ الملكيتين حتى أصبحت هوياتهم تحولت من صفتهم المغتربين إلى المسلمين الصينيين مما يشكل قومية هوي المسلمة قومية جديدة تعتمد على الثقافة الصينية والثقافة الإسلامية و بذلك يتم تشكيل هيكل ثنائي لثقافة قومية هوي . فإن عصر أسرتي يوان و مينغ الملكيتين يعد فترة تتحول و تتطور فيها ثقافة قومية هوي المسلمة فكان أسلوب التعليم المسجدي الذي أنشأه العلامة الشيخ هو دنغ تشو ( 1522- 1579 م) الذي عاش بمنطقة شانشي في عصر أسرة مينغ الملكية يجمع بين الأسلوب التعليمي في المدارس الخاصة التقليدية الصينية و بين الأسلوب التعليمي في التربية الإسلامية العربية ثم ينمو مع تطور المسيرة التاريخية استجابة لحاجة استمرارية قومية هوي و ثقافتها . كانت هذه المبادرة التعليمية و الثقافية التي يسعى إليها الدارسون في حلقات التعليم المسجدي في تعليم وتعلم اللغة العربية و الكتب الإسلامية تعتبر المرحلة الثالثة لتعليم اللغة العربية في الصين و من هنا قد تم تحقيق توطين تعليم اللغة العربية كما قد تحول النمط التعليمي من أسلوبه العربي إلى أسلوبه الصيني الذي يتميز بالتعليم المزدوج للغتين الصينية و العربية مما أرسى أساسا متينا لإنشاء تخصص اللغة العربية و إعداد الكفاءة في اللغة العربية في الجامعات و المعاهد الصينية في العصر الحديث . 4 - في العصر الحديث قد شهد التعليم المسجدي تطورا كبيرا و استمر مئات سنين منذ عصر أسرتي مينغ وتشينغ الملكيتين ثم طرأ عليه تغير كبير في نهاية مينغ و بداية تشينغ نتيجة آثار حركات التيارات والثقافات الجديدة فبدأ بعض الشخصيات البارزة من أبناء قومية هوي يفكرون و يتأملون ليصلوا إلى إيجاد سبيل التربية و التعليم الجديد في نقل الثقافة القومية . في عام 1907 م أبدع العلامة الإمام المشهور وانغ كوان ( 1848- 1919 م) في بكين أسلوب التعليم الحديث ذي خصائص قومية هوي وقام بتحويل النظام المسجدي إلى نظام التعليم المدرسي الحديث في تعليم اللغة العربية حتى أنشأ مدرسة قومية هوي للتربية والتعليم . ثم في عام 1925 م أنشأ العلامة الأمام المشهور ما سونغ تينغ ( 1895-1992م ) وغيره مدرسة تشينغدا للمعلمين وفي عام 1938 م أنشأ العلامة الأمام المشهورهو سونغ شان ( 1800-1955م ) وغيره المدرسة الصينية العربية للتربية والتعليم بووتشونغ - نينغشيا ،،، و كانت هذه المدارس الحديثة تطبق نظام التربية والتعليم الحديث نسبيا على أساس التعليم التقليدي الذي أتخذ في المساجد و وضعت المقررات المعقولة بما فيها اللغة العربية و ما يتعلق بها من العلوم و المعلومات . و تعد هذه الفترة المرحلة الرابعة لتعليم اللغة العربية في الصين بخصوصية الاندماج بين الأسلوب المسجدي التقليدي و الأسلوب المدرسي الجديد ، الأمر الذي حسن النمط التعليمي و الآلية التربوية للغة العربية حتى يتطور تعليم اللغة العربية في الصين تطورا جديدا في إطار التعليم المدرسي . في عام 1946م أنشأ العلامة الأستاذ جي شيان لين ( 1911- 2009 م ) و الأستاذ محمد مكين ( 1906- 1978م ) تخصص اللغة العربية و آدبها في قسم اللغات الشرقية و آدابها لكلية الآداب بجامعة بكين حتى أصبحا أول من قام بتعليم اللغة العربية في الجامعات و المعاهد العليا الصينية في العصرالحديث . 5 - في عصر الصين الجديدة بعد تأسس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 م شهد العالم تغيرات كبيرة في العلاقات السياسية و الدبلوماسية وأقامت الصين علاقات دبلوماسية مع 22 دولة عربية بشكل تدريجي فأنشئ تخصص اللغة العربية بعد جامعة بكين بصورة متعاقبة في بعض الجامعات الصينية بما فيها جامعة الاقتصاد و التجارة الخارجية وجامعة الدراسات الأجنبية ببكين و جامعة الدراسات الأجنبية بشانغهاي و جامعة جيش التحرير للغات الأجنبية و جامعة الدراسات الدولية ببكين وجامعة الألسن و الثقافات ببكين . منذ تطبيق سياسة الانفتاح على الخارج عام 1978م و خاصة بعد دخول العهد إلى القرن الواحد و العشرين شهدت الصين تطورا سريعا في مجال التعليم العالي فأقامت علاقة الشراكة التعاونية الاستراتيجية الشاملة مع الدول العربية إضافة إلى التبادل العميق و التعاون العملي بينهما في شتى المجالات مما يجعل تعليم اللغة العربية يلقى اهتماما وعناية في طول الصين و عرضها كما يجعل تخصص اللغة العربية و حجمه يتطور بشكل غير مسبوق . حتى الوقت الحاضر قد أنشئ تخصص اللغة العربية في أكثر من 40 مؤسسة تعليمية بما فيها الجامعات و المعاهد المهنية و المدارس المهنية إلى جانب 10 معاهد للعلوم الإسلامية فإنها قد أعدت للدولة عددا كبيرا من الأكفاء المتخصصين الرفيعي المستوى في مجالات العلوم الإنسانية و الدبلوماسية و الاقتصاد و التجارة و الترجمة و البحوث العلمة و التربية والتعليم . تعتبر هذه الفترة المرحلة الخامسة لتعليم اللغة العربية في الصين حيث أصبح تعليم اللغة العربية جزءا لا يتجزء من التعليم الوطني في الجامعات والمعاهد بدلا تعليمه في المساجد والجهات غير الرسمية نحو ألف سنة فضلا عن تشكيل النظام و النمط و الآلية المتكاملة نسبية في تعليم اللغة العربية و خاصة إنشاء تخصص اللغة العربية على مختلف الدرجات العلمية التي تشمل الليسانس و الماجستير و الدكتوراة وما بعد الدكتوراه منذ ثمانينات القرن العشرين . *جين تشونغ جيه ( Jin Zhongjie) ، الأستاذ الدكتور الأكاديمي بقسم اللغة العربية ومركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة تشونغشان بمدينة قوانتشو- الصين. ------ رحلة اللغة العربية في أوزبكستان.. من المخطوطات إلى الهواتف الذكية. إبراهيم عثمانوف* إن اللغة العربية ليست غريبة على الشعب الأوزبكي، بل بينهما أواصر قوية امتدت عبر تاريخ طويل، حتى إن كثيراً من الألفاظ الأوزبكية مستقاة من اللغة العربية. وتشير الأبحاث إلى أن نسبة الكلمات العربية في اللغة الأوزبكية تراوح بين 20 و 30% ، وليس ذلك وليد الحاضر فقط، بل هو ما وصل إلينا من الآباء والأجداد الذين تركوا لنا تراثاً خالداً، وكنزاً عظيماً من العلوم والمعارف العربية والإسلامية، والتاريخ حافل بذكر هؤلاء الأعلام البارزين الذين أنجبتهم أرض أوزبكستان، من أمثال: الإمام البخاري، والترمذي، والزمخشري، وابن سينا، وأبي ليث السمرقندي، والإمام الماتريدي، وجميعاً نفخر بهم. من هذا المنطلق، فإن أهمية تعلم اللغة العربية في أوزبكستان تأتي من أهمية دراسة المخطوطات المكتوبة باللغة العربية؛ الموجودة في مكتبات أوزبكستان، والتي تنتظر من يقوم ببحثها ودراستها وكشف ما فيها من كنوز علمية ثمينة. ومنذ الفتوحات الإسلامية لبلاد ما وراء النهر تولدت الرغبة في تعلم العربية، إذ الدين الإسلامي كان عاملاً عظيم الأهمية في دفع كثير من الناس لتعلم العربية، ولازال يدفعهم لينتهجوا منهج أسلافهم. وقد شهدت السنوات الماضية زيادة كبيرة في الإقبال على تعلم اللغة العربية في أوزبكستان لأٍسباب متنوعة، ومنها: الاهتمام لدى الشعب بالإسلام، وبالتراث الإسلامي الذي انتعش بعد الاستقلال. ويحظى اليوم تعليم اللغة العربية باهتمام خاص في أوزبكستان، حيث يتم تدريسها في المدارس الإعدادية، والثانوية، والمعاهد، والجامعات. وكما ذكرنا، فإن تعليم اللغة العربية في أوزبكستان له تاريخ طويل. ويمكن أن نلاحظ ثلاث طرائق مختلفة لتعليم اللغة العربية في أوزبكستان. ونشأت كل طريقة وفقا لمتطلبات المجتمع؛ الطريقة الأولى: توصف بالدينية، ولها تاريخ عريق كما لها تقاليد لاتزال تتبع في المدارس الدينية المعاصرة. وهذه الطريقة تتميز بأنها تركز في دراسة النصوص العربية الكلاسيكية، التي توفرها المخطوطات القديمة في مكتبات أوزبكستان. وإذا نظرنا إلى المنهج الدراسي للمعاهد الدينية (مثلاً: المعهد الإسلامي للإمام البخاري بطشقند)، سنرى أن تدريس اللغة العربية يعتمد على الكتب الدراسية الكلاسيكية خلال أربع سنوات، مثل: “الدروس النحوية” لحفني أفندي ناصف، ومحمد أفندي دياب، و”شرح الكافية لملا جامي” لعبد الرحمن الجامي (وهو شاعر فارسي مشهور عاش في القرن 15م) وكتاب “ألفية ابن مالك”. وبجانب هذا تدرس العلوم الدينية باللغة العربية؛ ففي التفسير كتاب (روائع البيان)، والعقيدة (“العقيدة الطحاوية”، و”العقيدة النسفية”)، وفي الحديث (“منهل الحديث”)، وفي الفقه (“الهداية” لبرهان الدين المرغناني)، وأصول الفقه (أصول الشاشي)، وغيرها. وسنلاحظ أن هذا المنهج موجه إلى تعليم اللغة العربية القديمة. وفي أغلب الأحوال فإن الطالب الذي استوعب هذا المنهج يجيد فهم النصوص القديمة، ولكنه لايتقن الحوار، ويصعب عليه فهم لغة وسائل الإعلام، إضافة إلى ذلك فإن هذا الأسلوب يتطلب سنوات مديدة، ولا يأتي بنتائج سريعة. على الرغم من كل ذلك فإن أعداد من يريدون أن يتعلموا العربية بهذا الأسلوب تتزايد. الطريقة الثانية؛ هي: طريقة الاستشراق. هذه الطريقة وضعها المستشرقون الروس في أيام الاتحاد السوفييتي. وجدير بالذكر أن المنهج الاستشراقي الذي ساد في تعليم اللغة العربية في أوزبكستان لازال يسيطر فيها؛ لأن هذا المنهج يتوافق مع الأهداف العلمانية للدولة، وهذا المنهج يتميز بأنه يجمع بين الاتجاهين الكلاسيكي، والحديث. ويتم تدريس اللغة العربية من خلال كتب دراسية ألفها المستشرقون الروس، وتلاميذهم الأوزبك. ومن خصائص هذا الأسلوب أنه يعتمد على تدريس اللغة العربية وفقاً لقواعد النحو والصرف في اللغة الروسية. وتجدر الإشارة إلى أن كل قواعد النحو الخاصة باللغات القومية في الاتحاد السوفييتي تمت إعادة وضعها وفقاً لنحو اللغة الروسية؛ ولذلك فإن أغلبية قوميات دول الكومنولث تتوافق قواعد لغتها مع قواعد النحو الروسي. ووفقاً لهذا الأسلوب فإن الطالب يدرس اللغة العربية عبر قواعد النحو للغته الأم . والطالب الذي يجيد في هذا الأسلوب عادة يحسن المحاورة، ويفهم لغة الصحافة، ولكنه سيجد صعوبة في فهم النصوص الدينية. والمشكلة الأساسية فيه أن الكتب الدراسية التي تستخدم هذه الطريقة أكثرها كتب دراسية قديمة الأٍسلوب، ولا توافق متطلبات عصر العولمة. ومن سلبيات هاتين الطريقتين: أنهما تهتمان بتعليم الطالب نحو اللغة أكثر من تزويده بالذخيرة اللغوية، وكثيراً ما كان الطالب يتقن قواعد اللغة، ولا يستطيع أن يعبر عن رأيه باللغة العربية! والاهتمام البالغ بنحو اللغة العربية آتٍ من أساليب التعليم التي وضعت في العصور الوسطى،كما أسلفنا. والطالب الأوزبكي المعاصر لايتقبل هذه الأساليب المتعبة أحياناً؛ ولذلك يتجه نحو دراسة اللغات الأجنبية الأخرى. الطريقة الثالثة؛ هي: ما تستخدمه مراكز تعليم اللغات الأجنبية؛ وبخاصة مركز العلوم والتعليم المصري بطشقند. وبقية مراكز تعليم اللغة العربية التي تحاكي أساليب تدريس مركز العلوم والتعليم المصري؛ تجد في هذه الطريقة أساليب سريعة عملية لا تتعمق في قواعد النحو. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الأسلوب أتى بنتائج مثمرة في اكتساب القدرة على المحاورة، ولكنه لا يأتي بكثير لفهم وإتقان لغة وسائل الإعلام والنصوص القديمة. لكل هذه الأساليب إيجابيات، وسلبيات؛ كما لكل منها ساحة استخدام. وحان الوقت لوضع أسلوب جديد يشمل إيجابيات كل نوع من الأنواع الثلاثة السابقة. إن للشعب الأوزبكي رغبة في تعلم اللغة العربية، وتأتي هذه الرغبة من الاهتمام بالإسلام، والتراث الحضاري المدوّن باللغة العربية، كما تأتي من رغبة قوية في التواصل مع العالم العربي. ولكن عدم وجود المناهج الحديثة والأساليب الجديدة يعرقل نشر اللغة العربية في أوزبكستان. فالشاب المعاصر الذي يريد تعلم لغة أجنبية ينجذب للغة الإنجليزية أكثر من بقية اللغات؛ ولذلك أسباب شتى، ومن بينها: الأساليب المشوقة لتعليم اللغة الإنجليزية. إن عدم وجود المنهج الموحد، واختلاف أساليب تدريس اللغة العربية كثيراً ما يتعبان المدرس والطالب على حد سواء، ويسببان ضعف الرغبة في التعلم. ولقد أصبح الإنترنت من أحدث وسائل تعليم اللغات الأجنبية في أوزبكستان، وبخاصة موقع (www.arabic.uz) إذ يوفر التعليم الإلكتروني للدروس العربية باللغة الأوزبكية. ولقد اهتم مؤسسو هذا الموقع بتعليم اللغة العربية الكلاسيكية، وتوافرت في الموقع الصور الملونة، والصور المتحركة لتعليم اللغة العربية. مع كل هذا؛ لا يعد الموقع كتاباً إلكترونياً بسبب عدم وجود أساليب التدريس الحديثة فيه. إذ يجد الباحث فيه كتباً سبق ذكرها، مثل: “بدان”، و”العوامل المئة”، و”الضريري”، وغيرها من الكتب، التي تعتمد على أساليب التعليم القديمة. من أجل أن يتفوق الطالب في اللغة؛ لابد له أن يطور باستمرار المهارات اللغوية الأربع: الكتابة، والقراءة، والتحدث، والاستماع. ويستخدم الأساليب غير التقليدية (الحديثة) لتطوير كل مهارة على حدة، ومنها: أجهزة التسجيل، ومشاهدة الأفلام، والاستماع إلى الأناشيد والحوارات، والمراسلات عبر الإنترنت. وبجانب ذلك فإن استخدام الهاتف الجوال في تعلم اللغة العربية قد يعطي النتائج الإيجابية؛ حيث تتوافر فيه كل إمكانات تطوير المهارات الأربع. ولعل من أهم عوامل تعليم اللغة العربية؛ خلق الجو، أو البيئة اللغوية حول الطالب؛ تلك التي تجعل الطالب محاطاً بكل مقومات التعليم الصحيح. *مدير مركز البحوث والدراسات الإسلامية، طشقند – أوزبكستان ------- من « خوجه » إلى « جان ».. تأثير اللغة العربية في اللغة الطاجيكية . سيد رحمان سليمانوف* لقد أحَبَّ الطاجيك العربية، وهم أمة تهوى الجمال والفن والأدب؛ ولهذا حسُن اختيارهم طائفة من الأعلام من مواد عربية أحسوا بجمالها وأعجبوا بمعانيها وارتضوها؛ فشاعت بينهم، نحو: أكبر، أحمد، أكمل، أرشد، محمود، منصور، محسن، عطاء، حميد، حامد، سعيد، كريم، مسعود، معروف...إلخ. وأنت تجد الطاجيك لا يختلفون عن العرب في إطلاقهم هذه الأسماء، فإن أغلبها مما هو معروف مستعمل بين العرب إلا “أكبر”، و”أصغر” فلا تجد بين العرب من يُسمى بهذين العلَمين. والظاهرة الأخرى في اللغة الطاجيكية هي أن الأعلام العربية تقترن بالأعلام الطاجيكية، وتتشكل أعلام مركبة من الطاجيكية والعربية، نحو: دولتخوجه، مرزاخوجه، محمدخوجه، أمان خوجه، سيدخوجه، سنك محمد، علي قول، محمد قول، نظرباي...إلخ. ومما يجب أن يُذكر في شأن استعمال الأعلام العربية في اللغة الطاجيكية ولغات شعوب الأخرى في منطقة آسيا الوسطى: عدم وجود إعراب للأسماء كما هو في العربية، نحو: جلال الدين، شمس الدين، كرام الدين، نجم الدين، ففي صورة المضاف ومضاف إليه يُلفظ آخر المضاف بالكسر دائماً، مع تسكين آخر المضاف إليه. لقد تمسك الطاجيك بعادة العرب في استعمال أسماء شهور العربية أعلاماً، جرياً على ما عُرف عنهم من إعجاب بالعربية وتعلق بالإسلام، فكان فيهم من تسمى بالإعلام الآتية: صفر، رجب، شعبان، رمضان. وقد ترُكب هذه الأعلام مع “علي” مثل: صفر علي، رجب علي، وتعد هذه الأعلام من ناحية المعنى كلمة واحدة، أي: علَماً واحداً. وقد توجد في اللغة الطاجيكية ولغات شعوب آسيا الوسطى الأخرى مصادر عربية، استعملوها إعجاباً بلفظها ومعناها، نحو: قُدْرَت، رَحْمَت، دَوْلَت، حِكْمَت، وهذا الأخير يُعدّ من أعلام الإناث، إلا إذا أضيف إلى لفظة الجلالة نحو: حكمة الله، قدرة الله، نصرة الله وغيرها. ومن هذه الألفاظ أيضاً كلمة “خان” بمعنى “الكبير” وصار هذا اللفظ من ألقاب الرجال سواء أكانوا من السياسيين أم المدنيين. ولكنه يجري في الألقاب لا الأسماء إلا قليلاً، نحو: مري خان، جمعخان، ظريف خان، أحمدخان. ومن مزايا اللغة الطاجيكية ولغات شعوب آسيا الوسطى كثرة استعمال كلمة “جان” في اللغة الفصيحة و”جون” في اللغة الدارجة. فيقال: محمد جان في الفصيحة ومحمد جون في الدارجة، وكلمة “جان” معناها: الروح، ويؤتى بها للتحبب، ولا تُستعمل إلا للأطفال أو المغتربين والخواصّ وأهل الصداقة نحو: محمد جان، حسين جان، محمود جان، محسن جان...إلخ. وتدخل هذه الكلمة على غير الأعلام عند الطاجيك؛ فيقولون: “بدر جان” في الخطاب إلى الأب، بمعنى يا أبتاه. و”مادر جان” بمعنى يا أماه. و”برادرجان” بمعنى يا أخاه. و”خواهر جان” بمعنى يا أختاه. وتستعمل النسبة العربية في اللغة الطاجيكية، سواء أكانت إلى مسقط الرأس مثل: طاجيكستاني، سمرقندي، بخاري. أم إلى العوائل، نحو: غزالي، خيامي، جزَري...إلخ. وجديرٌ بالذكر أن ورود النسبة العربية في الأسماء والألقاب والكنى صارت أقل، بعد الاحتلال السوفييتي وانتشار اللغة الروسية في جمهوريات آسيا الوسطى، واستُخدم بدلاً منها الحرف الروسي: “ف” و”او” في أسماء الرجال، نحو: رحيموف، رحيماو، عالماو-عالموف. ورحيمافا، وعالمافا، في أسماء النساء. وتستعمل كلمة “حاجي” بكثرة في اللغة الطاجيكية، وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وكثرة زيارة الأماكن المقدسة نحو: حاجي أحمد، حاجي سليمان. وقد سمى الطاجيك الإناث بأسماء عربية إسلامية، وهذه الأعلام تتصل بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم كاسم أمه آمنة وأسماء أزواجه وابنته فاطمة. ومن أعلام الإناث أيضاً: زينب، مريم، كلثوم، رقية، زهراء، سكينة. واسم كلثوم في الطاجيكية تُبدل فيه الكاف العربية كافاً طاجيكية. وكذلك كثُر استعمال الأسماء العربية التي تعبر عن الصفات، نحو: حليمة، مليحة، جميلة، رحيمة، صابرة، مدينة، شاعرة، وغيرها. ويوجد استعمال تركيب المضاف والمضاف إليه في أسماء الإناث، نحو: تاج النساء، نور النساء، خير النساء، فيض النساء...إلخ. وتندرج طائفة كبيرة من الاقتباسات العربية في لغات شعوب هذه المنطقة في أسماء الناس، وتستطيع أن نقول إن 50 في المئة من الأسماء في جمهوريات آسيا المركزية عربية، وإن هي تغيرت وفقدت أصلها العربي في بعض الأحيان وفي لغة شعوب بعض جمهوريات آسيا المركزية، وبخاصة اللغات التركية، نتيجةَ التفاعل مع اللغات المحلية. وقد حافظت الأسماء العربية على شكلين: أ) الشكل العربي الأصيل دون أي تغيّر، مثل: محمد، أحمد، عبد الجليل، عبد الله، شمس الدين، فاطمة، صابرة، مدينة، رقية، تاج النساء...إلخ. ب) الشكل المغيَّر والمختلط باللغات المحلية مثل: سنك محمد، نظر باي، علي قول، محمد قول...إلخ. والمُهمّ ذكره في عند الحديث عن الأسماء العربية في لغات شعوب هذه المنطقة هو عدم إعراب الأسماء كما هو في العربية، كما ذكرناه آنفاً. * جامعة طاجيكستان الوطنية، طاجيكستان. ------ مسعود اللاهوري مؤسس الشعر العربي في الهند.. 200شاعر هندي يكتبون قصائدهم باللغة العربية . كاشف جمال* حظيت اللغة العربية باهتمام خاص عند الهنود حتى بعد سيطرة اللغة الفارسية على المؤسسات الحكومية والإدارية في الهند. وقد اهتم علماء الهند بدراستها وتدريسها باستمرار منذ أول يوم إلى يومنا هذا؛ لكونها لغة الدين الإسلامي، ولغة الحديث الشريف، ولغة الدراسات والبحوث العلمية، وهناك دراسات وأبحاث تتحدث عن مساهمات علماء الهند في مجال اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وهذه الإسهامات تراوح بين تفسير القرآن الكريم، والحديث الشريف والسيرة النبوية، والدراسات حول اللغة العربية، وتحقيق المخطوطات العربية، والتاريخ وسير العظماء، والنحو والصرف، وغيرها. وقام عدد لابأس به من علماء الهند بترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيره، أمثال: عبدالله الهيجلي، وأشرف علي التهانوي، ومحمد علي جونا غرهي، والشاه رفيع الدين الدهلوي، وغيرهم. وفي التفسير: “تفسير تبصير الرحمن وتيسير المنان” لعلاء الدين علي بن إبراهيم المهاتمي الشافعي، و”التفسير المحمدي” لمحمد بن أحمد الغجراتي، و”التفسير المظهري” لثناء الله البانيبتي، وغيرها من التفاسير الأخرى. وفي مجال الحديث النبوي ألف علماء الهند كثيراً من الكتب والرسائل المهمة، وعلى سبيل المثال: “لمعات التنقيح على مشكاة المصابيح” لعبد الحق بن سيف الدين الدهلوي، و”الحاشية على صحيح البخاري” لأبي الحسن السندي، و” مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار” لمحمد بن طاهر الفتني، وغيرها. أما في مجال التاريخ وسير العظماء فنجد كثيراً من الكتب المهمة، منها: “سبحة المرجان لآثار هندوستان” للعلامة غلام على آزاد البلغرامي، و” نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر” للعلامة عبد الحي الحسيني، و”الرحيق المختوم” لمولانا صفي الرحمن المباركفوري، وغيرها. ومما يظهر الدور البارز للغة العربية وتأثير الثقافة العربية في الهند أن بعض علماء الهند قد قرضوا شعراً باللغة العربية، وبرزوا على ساحة الأدب كشمس نيرة. وتاريخ الشعر العربي في الهند تاريخ عريق، ويعود إلى العصر الذي عاش فيه الشاعر مسعود بن سعد بن سلمان اللاهوري(ت 550 هـ) الذي هاجر أبوه من همدان إلى الهند وأقام بمدينة لاهور. ومن الملاحظ أن عدد شعراء العربية في الهند قد يتجاوز 200 شاعر، نظموا باللغة العربية في عصور مختلفة، من أمثال هؤلاء: القاضي عبد المقتدر الكندي المتوفى سنة (791 هـ)، والشاه ولي الله الدهلوي المتوفى عام(820ه ) ، والشيخ غلام نقشبندي المتوفى عام(1136ه) ، والشاه ولي الله الدهلوي المتوفى عام(1176ه)، وغلام علي آزاد البلغرامي المتوفى عام (1200ه ) ، وغيرهم من الشعراء . وعندما نعود إلى الشاعر مسعود بن سعد بن سلمان اللاهوري الذي كان من أمراء الدولة الغزنوية ونبلائها، سنجد أن المصادر تشير إلى أنه أول شاعر نظم أشعاراً بالعربية في الهند، وكان شاعراً مجيداً باللغات الثلاث التي أتقنها: العربية، والفارسية، والهندية. ومن شعره قوله: ثق بالحسام فإنه ميمون أبداً وقل للنصر كن فيكون(16) ومن أبياته قوله: قد ركضت في الدجى علينا دهماً خدراية الأعنـــــة فبت أقتاسهــا فــكانـت حبلى نهارية الأجنة(17) وأيضا قوله : وليل كأن الشمس ضلت ممرها وليس لها نحو المشارق مرجع نظرت إليه والظلام كأنه على العين غربان من الجو وقع(18) وأختم مقالتي بأبلغ عبارة قالها العالم والمؤرخ الكبير البيروني عن اللغة العربية المقدسة: “الهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية”. *طالب دكتوراه في مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي – الهند .