سوق البحر الأحمر ..

حيث تلتقي الكاميرا بالحلم، ويُصاغ مستقبل السينما.

بين شرايين ديسمبر وفي قلبِ مهرجان البحر الأحمر السينمائي، حين تتلألأ جدة بروح الفن وتتنفّس شاشاتها ضوء الحكايات، ينبض سوق البحر الأحمر كقلبٍ خفيّ للمهرجان، لا يُشاهد على الشاشة فقط، بل يُصنع خلفها، وفي دورته الخامسة، يعود السوق ليكون ملتقى صُنّاع الأفلام حيث لم يُشكل المهرجان أفلاماً ونجوما على السجادة الحمراء وجوائز بالختامِ فحسب، بل شكل مختبر الأفكار، ومساحة العبور من الحلم إلى الإنتاج، حيث تلتقي الطموحات الناشئة بخبرات عالميّة، وتتشابك الخيوط الأولى لمشاريع ستُروى قريبًا على شاشات العالم. ليس سوق البحر الأحمر مجرد مساحة لتبادل الأعمال السينمائية، بل هو المنصّة الرائدة لصناعة الأفلام في الشرق الأوسط وإفريقيا، والحاضنة التي تُقدّم أفضل المواهب العربية والإفريقية والآسيوية. هنا تُعرض المشاريع، وتُبنى العلاقات، ويجلس صنّاع القرار مع المبدعين في طاولة واحدة، تحت أنظار الإعلام المحلي والدولي، في لحظةٍ نادرةٍ يتصالح فيها الفن مع الصناعة. وانطلاقًا من قصص نجاحٍ حقّقت أصداءً عالمية وجوائز وترشيحات مرموقة بدعم من السوق في دوراته السابقة، يطرح سوق المشاريع هذا العام 24 مشروعًا قيد التطوير أو الإنتاج، إلى جانب عرض 8 مشاريع في مرحلة ما بعد الإنتاج، إضافة إلى 8 مشاريع لمسلسلات قيد التطوير عبر برنامج معمل مسلسلات البحر الأحمر، جميعها لمخرجين صاعدين من أفريقيا وآسيا والعالم العربي، في تأكيد واضح على أن المستقبل يُكتب بأقلام جديدة. هيئة الأفلام… حضور مؤسسي في قلب الصناعة يسجّل بوث هيئة الأفلام حضورًا لافتًا في السوق، بوصفه أحد أهم روافد الدعم التنظيمي والمهني لصناعة السينما السعودية. وقد أسهمت الهيئة بشكل مباشر في دعم معظم الأفلام السعودية التي وجدت طريقها إلى المهرجانات والأسواق العالمية، من خلال التشريعات، وبرامج الحوافز، وتيسير بيئة الإنتاج، ما جعل من الجناح محطة رئيسة للمنتجين والمخرجين الراغبين في دخول السوق السعودي المزدهر. الصندوق الثقافي… تمويل يحوّل الفكرة إلى واقع ويحضر بوث الصندوق الثقافي كأحد أعمدة التمكين المالي في السوق، بما يقدّمه من برامج دعم وتمويل لإنتاج الأفلام السعودية في مختلف مراحلها، من التطوير إلى التوزيع. ويشكّل الجناح نافذةً حيوية لصنّاع الأفلام الشباب، حيث يلتقون بصنّاع القرار المالي، ويكتشفون المسارات الممكنة لتحويل مشاريعهم من أوراقٍ على الطاولة إلى أعمال معروضة على الشاشة. العلا… حين تصبح الجغرافيا شريكًا في السرد أما بوث العلا، فيمثّل وجه المملكة السينمائي في أبهى صوره الطبيعية. فالعلا بما تملكه من تنوّع جغرافي ومواقع تصوير استثنائية، أصبحت أحد أهم مواقع الإنتاج في المنطقة، مقدّمةً تسهيلات فنية ولوجستية ودعمًا نوعيًا للأفلام السعودية والعالمية على حد سواء. ويأتي حضورها في السوق لتأكيد دور المكان بوصفه شريكًا إبداعيًا في صناعة الصورة، لا مجرد خلفية صامتة. الأركان العالمية… مدن الإنتاج والشراكات الكبرى ويزدان السوق أيضا بـ الأركان العالمية من مدن الإنتاج السينمائي، مثل الحصن وغيرها من المدن المتخصصة، التي تعرض خبراتها في البنية التحتية، والاستديوهات، وتقنيات ما بعد الإنتاج، لتفتح آفاق تعاون واسعة أمام المنتجين في المنطقة. إلى جانب ذلك، تحضر الشركات العالمية في الإنتاج والتصوير بأحدث ما وصلت إليه الصناعة من تقنيات، وخبرات، ونماذج أعمال، ليكون السوق منصّة حقيقية للتلاقي بين المحلي والعالمي. شبكة السوق والندوات… حيث يُصاغ الوعي المهني تقدّم ندوات السوق سلسلة من النقاشات رفيعة المستوى حول أبرز قضايا صناعة الأفلام، من التمويل والتوزيع إلى المنصات الرقمية والذكاء الاصطناعي في الإنتاج. فيما تتيح شبكة السوق فرص تواصل مباشرة عبر اجتماعات فردية سريعة، تجمع بين المخرجين والمنتجين والممولين والموزعين في مساحات مركّزة وعملية. مواهب السوق… الاستثمار في الغد وصُمّم برنامج مواهب السوق ليكون جسر عبور للمواهب الواعدة، وداعمًا لصنّاع الأفلام المتحمسين للانتقال من فضاءات الأفلام القصيرة إلى رحابة الأفلام الطويلة، في مسار مهني مدروس يعكس رؤية السوق في بناء أجيال سينمائية ممتدة لا نجاحات عابرة. معرض السوق وناديه… الصناعة في فضائها الاجتماعي ويستمر معرض السوق في احتضان سوق الأفلام الرائد في العالم العربي بمشاركة 80 جهة عارضة من أكثر من 20 دولة، لاستكشاف آفاق ثقافية ومهنية جديدة بين الحضور والمشاركين. على أن يُختتم كل يوم بفعالية نادي السوق؛ وهي ساعة مخصصة للتواصل في نهاية اليوم، حيث تُبنى العلاقات وتُعقَد، تجمع بين الفن والأعمال في لحظة إنسانية نابضة. هكذا يتجلى سوق البحر الأحمر أكثر من مجرد حدث سينمائي؛ إنه مختبر للمستقبل، ومساحة لتلاقح الحلم مع الإمكان، ومرآة لتحوّل السعودية إلى مركز إقليمي مؤثر في صناعة الأفلام. على ضفاف البحر، لا تُباع الأفلام فقط… بل تُصاغ مصائرها، وتولد شراكاتها، وتبدأ رحلتها الأولى نحو الضوء.