السبيل للتوازن.

بدون عاطفة كيف نعيش في هذه الحياة، والعاطفة الزائدة تتعب القلب، فكيف السبيل إلى التوازن؟ إذا كنت ممن يحنّ ويأنس حتى بالشجر الذي يستظل تحته. وأقصد بالعاطفة مودة الناس وحسن العشرة مع القريب والبعيد، والأصل في الإنسان أن يكون ودودًا ليّن الجانب. وجميل أن يكون لك أصدقاء وأحباب تأنس بهم ويخففون عنك عبء الأيام وظروف الحياة وتفتقد جلستهم إذا غابوا. وفي طريق الحياة تتجدد الصداقات بدرجات متفاوتة، وقد تعثر على أناس تمنيت لو عرفتهم منذ زمن بعيد يجعلونك ترى الحياة بمنظور أجمل وأكثر إشراقًا، والعكس ربما قضيت شطرًا من العمر في المكان الخطأ أو لنقل مع الناس الأقل إيجابية ممن تقهرهم أبسط المواقف وتخرجهم عن طبيعتهم. ومن حسنات التوازن العاطفي أن يخفف عنك عبء الصدمات والخذلان، ولا يجعلك كثيرًا ترفع سقف آمالك وتوقعاتك. تستغرب أن يتغير بعض الأعزّاء فجأة، دون سابق إنذار أو سبب مقنع، ومع أن الأصل أن تلتمس لهم العذر ولا إثم عليك ما لم تخطئ في حقهم أو تقصر في واجبات الأخوة، إلا أنك تجد نفسك مذهولًا من شدة ذلك التحول المفاجئ من أناس كانوا يتعهدونك بالاتصال والسؤال عنك ثم يغيبون بالأسابيع ولم تعد لقاءاتهم بنفس الحرارة، وينسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: وَرُبَّ أَخٍ وَفَيتَ لَهُ بِحَقٍّ وَلَكِن لا يُدومُ لَهُ وَفاءُ وحين يدرك الإنسان معنى التوازن وثمن المبالغة في العاطفة يواجه مثل تلك المواقف بكل حصافة، لأن الحياة تمضي ولا تتوقف على أحد، يذكرني ذلك بالضباب الذي يلف الطريق أمامك فلا ترى معالمه، فإذا انقشع وضح لك ما كان خفيًّا من جمال المكان، وهكذا بعض الناس ربما كانوا عثرة تحجب عنك أشياء جميلة حولك لم تلتفت لها. العاطفة والرحمة والحنية بين الناس في سياقها الطبيعي أمر مطلوب وفيه حفظ للعلاقات والود بينهم. لكن العاطفة العمياء لا تأتي الإنسان بالخير ولا يجب أن يسلم نفسه لقيادِها فتذهب به مذاهب لا تحمد عقباها. وقد قلت من قصيدة نبطية: مشيت مع ناسٍ مسافات واعوام واليوم منهم سمّ لي: من رفيقك؟ ماهو ردى كود الليالي والأيام ناسٍ تجدّ وناس تعبر طريقك