قبل العرض العالمي الأول لفيلم “نجوم الأمل والألم” للمخرج اللبناني سيريل عريس في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2025،، تحدّث المخرج أمام الجمهور عن أحد الهواجس التي دفعته لصناعة الفيلم: هاجس الإنجاب، وما إذا كان العالم يستحق أن يُجلب إليه طفل جديد. وأشار إلى أنّ هذه الإشكالية تشكّل محوراً أساسياً في عمله. غير أن حضور هذا الهاجس لم يشكل إلا جزء ضئيل أمام رحلة أوسع وأعمق، تتشابك بها العلاقات وتتوالد من خلالها الأسئلة التي تطل برؤوسها طوال الوقت، فهي رحلة كما سطرها عنوانها مليئة بالأمل والألم، مليئة بالكثير من الحب والضحك. والتوقف والهروب نحو عالم مختلق. فمخرج الفيلم عريس يقدم عمله بأسلوب سردي يمزج بين الخفة والوجع، فبرغم قسوة الموضوع وعنف الحالة المطروحة، إلا أنه يظهره بأسلوب كوميدي ممتع ورومانسية حالمة وجميلة، منسجمة مع منطق الشخصيات وعبثية العيش في ظل محدودية الفرص، وقلة الحيلة، وثقل الظروف المحيطة. فالفيلم ينطلق منذ لحظة الولادة، اللحظة الأولى التي نوجد فيها قسراً في عالم لا يهدأ، عالم يمضي في تناقضاته دون أن يترك لنا خياراً في حضوره أو مشاركته. فوجودنا ليس قراراً نتخذه، وكذلك ما يحدث حولنا يبقى في الغالب خارج نطاق قدرتنا.من هنا يبدأ استكشاف حياة الشخصيتين متأرجحاً ومتنقلاً ما بين الماضي والحاضر، ما بين طفولة ياسمين، ونينو، حيث يواجهان معاناة مزدوجة، معاناة البلاد وما يعتريها من اضطرابات، ومعاناة شخصية داخل العائلة، في علاقة تبادلية تؤثر فيها الظروف العامة على الخاصة، والعكس. منتقلاً عندها لحاضر هاتين الشخصيتين بعد 25 عاماً تقريباً، وما حدث لهما، فياسمين (مونيا عقل) تصبح استشارية لأحد الجهات الحكومية بهدف تطوير البلد، بينما نينو (حسن عقيل) يدير مطعم مع عائلته (جده وأخيه وزوجة أخيه)، فمن خلال هذا الربط يوضح في كل حين، تأثير مصير ما حدث لهما على واقعهما المعاصر وكيف شكلت بالتالي خياراتهما وحالاتهما النفسية والاجتماعية. فكلا الشخصيتان يحملان ماضي وظروف معينة كان للحرب أثرها عليهم عند الطفولة، وكيف ساعدت هذه الظروف بالتالي على التفريق ما بين طفلان كان لهما هدف بالهروب بعيداً عن ديارهما، ولكنهما يلتقيان، بالصدفة بعد فترة طويلة عندما يتعرف كلاهما على بعضهم البعض. عندها ترجع علاقة الحب الطفولية لتنمو وتكبر، وبالرغم أن ياسمين قد قررت الهجرة لألمانيا، إلا أنها تعدل عن قرارها بسبب حبها لنينو، وبينما تستمر هذه العلاقة، تحمل ياسمين، لتجد نفسها أمام الحال الذي تخشاه بشكل مخيف، برفضها التام لإنجاب طفل لهذا العالم المرعب والمليء بالحروب وعدم الاستقرار، إلا أن حبها وثقتها بنينو، كما سنعرف أكثر حول ذلك في رسائلها الخاصة، جعلها تكمل ما كان بينهما، لنشاهدهما بعد فترة زمنية وبجانبهما ابنتهم ذات السبع سنوات تقريباً، وعندها نكمل الرحلة والخيارات الصعبة أمام البقاء أو الرحيل من البلد، فنينو يرغب بشدة بالبقاء ووضع خطط لزوجته ياسمين محاولاً فقط اقناعها، فهي على عكس ذلك تريد الرحيل، وتجد فرصتها في دبي، وبالرغم من عناد نينو إلا أنها يجد نفسه وحيداً أمام واقع يتغير من حوله فمن موت جده، إلى رغبة أخيه بالرحيل كذلك للسعودية، كل ذلك يجعله في حالة ضياع، وعدم فهم بما يجري حوله. يقدم فيلم “نجوم الأمل والألم” رحلة شخصيات تبحث عن الحلم، الحلم الذي يتيح لهم العبور نحو مكان آمن ومريح، المكان أو الجزيرة كما كان يطلق عليها نينو، التي يهرب الجميع لها من الحرب والدمار والقتل. هذه الجزيرة ليست سوى نسخة طفولية من المدينة الفاضلة الأفلاطونية، كما يتخيلها طفل يريد أن يرى العالم مساحته الوحيدة للسلام والمحبة. فهناك والداه يعيشان كما أخبره جده بعد الحادث المميت بسبب الحرب، فصدقه وأمن بها ليردده في كل حين، ولكن الطفل الصغير كبر وما كان حلم جزيرة أصبح مجرد خيال غير واقعي، ولكن أمام قسوة الواقع وفجاجته، يصبح الركض نحو الخيال والصعود إلى النجوم والسفر لتلك الجزيرة هي محاولة النجاة التي ستخرجهم من ورطة اللحظة وصعوباتها، بأن يرجعوا أطفالاً ويركضوا نحو الحلم بإيجاد مدينتهمالفاضلة، المدينة تلك التي سيسافرون عليها عبر نحوم الأمل. من ناحية أخرى استطاع الفيلم بإحكام وبراعة بأن يربط ما بين خيوط مصير الشخصيات في كلا الزمنين وفي كشف أثر الحرب على كل شخصية وما تتركه من ندوب ممتدة. كما أن استدعاء التفاصيل الصغيرة، مثل مصير والدي نينو أو خدعة الجزيرة التي ابتكرها الجد، جاء في لحظاته المناسبة، مما منح السرد قوة عاطفية وحضوراً مؤثراً.، ولا نغفل الذكاء البصري وطريقته باللحاق بالشخصيات وفي التحولات البصرية المتسارعة، والمتمازجة التي ترافق لحظات الهرب إلى الحلم، لحظات غير منطقية وغير واقعية بطبيعتها، لكنها تعطي مجالاً رحباً للنجاة، وللحلم بأن يجد كل منا جزيرته التي سيرتب بها حاضره ومستقبله ومصير من سوف ينجبهم، فيما بعد في مكان يحضنهم ويحتويهم بكل أمان.