جمال بن حويرب.. حقل من المعرفة!.
بملامحٍ سمحة وقورة هادئة صادقة , كأنها دعوة في الهزيع الأخير من الليل , تأتي ملامح الأستاذ جمال بن حويرب كهالة تحيط بها سحب التسابيح , وصبحٌ يحييه تهليل كبار السن وهو يعبدّون طريقهم للمسجد بالأذكار , وكأنهم في كل صبح يمدّون حبلاً أخر يربطهم بالجذور والهوية , من تلك الأجواء تتشكل ملامح جمال التي تشبه نتاجه المعرفي والثقافي والإعلامي , فبين التأريخ , والتوثيق , والإدارة , والصحافة الثقافية , أسهم – وبشكل لافت – في الثقافة الإماراتية , إذ سار بثقة ووعي وفهم عميق للتكامل بين التراث والثقافة , وأدرك أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية أمام التسارع المرعب للتكنولوجيا والعولمة. ففي ضجيج البرامج التلفزيونية التي تبحث عن « الشو» , والصراع على «نسب المشاهدات» , كان برنامجه الشهير «الراوي « يوثق ويؤنسن , ذهب لأبعد مما اعتدناه من برامج «تثرثر ولا تقول شيئاً « , فكان «الراوي» أقرب « للأنثربولوجيا» من خلال توثيق التاريخ الشفهي لدولة الإمارات , ذهب هناك حيث الحكايات الشعبية , والأمثال , وكان الهدف نبيلاً وواضحاً وهو تحويل الذاكرة الشعبية إلى ذاكرة معرفية , فالمدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة , لم يكن أسيراً لبيروقراطية الإدارة , بل كان يرى المعرفة هي المحور لصناعة تنمية ثقافية , وهو الذي يؤكد دائماً إن « المعرفة هي الاستثمار الأكثر استدامة في حياة الأمم « , مثلما يؤمن بأن التراث للحياة وليس للمتحف , ولهذا سعى من خلال طرحه سواء في الكتابة أو التلفزيون إلى تكريس فكرة أن الثقافة تظل بلا فائدة عندما لا تصل للناس كافة , وليس أن تكون محصورة في النخب الأكاديمية . لا شك أن الشاعر والروائي جمال بن حويرب بلغته الشعرية الفاتنة حد البذح , شكّل إضافة رائعة لجمال الكاتب التحليلي ولجمال التلفزيوني , فأصبحت لغته شاعرية شفيفة دون أن تتخلى عن عمقها وبُعدها العلمي الرصين , , وهذا ما جعله دوماً على مسافة واحدة من «الناس» العاديين ومن النخب العلمية على حدٍ سواء , وهذا مما خلق تفاعلاً مجتمعياً ثقافياً حول أطروحاته , فعلى سبيل المثال كان جمال «الروائي» حاضراً في برنامج «الراوي» من خلال عرض الأحداث بطريقة سردية مدهشة جذبت عامة الناس للاستمتاع في مادة علمية . في الشعر يـأخذك جمال بن حويرب لسماء ثامنة , أو قل لمعقلٍ من معاقل الغيم , حيث السهل الممتنع يكون الممتع , يأخذك « سيميائياً « بألوان وأصوت ومذاق تعرفه جيداً , وكأنه يختبر ذاكرة « النستالوجيا» في روحك , ترفرف لغته كحمامة بيضاء لم تمر بوحل « الأيدولوجيا» ولن تسقط , فالشعر هو حالة الرفرفة لا التحليق , هذه الجزء من الحركة , عدا ذلك كالتحليق أو حتى غناء الطائر قد تكون فناً آخر , لكن ليس بالضرورة أن تكون شعراً , هكذا تهمس لك قصيدة الأستاذ جمال حويرب. ولأن هذه الصفحة ليست سيرة ذاتية , لكنها محاولة لقراءة ملامح وجه يلوح في مدى ثقافتنا العربية , وهكذا كان جمال بن حويرب ناشراً للمعرفة , فمشروعه النبيل هو ألا تكون المعرفة حبيسة المكتبة , فبادر بأن مسك يدها وأوصلها الناس والشارع وضمنها حكايات البسطاء حتى أصبحت جزء من يومياتهم , وكل ذلك لخلق منظومة معرفة متكاملة تتكئ على التراث وتنطلق للمستقبل بتقنيات الحاضر..