سوف يعود سعيد السريحي.

سعيد السريحي لا يمكن اختصاره في كلمة، او مقال ،او جريدة بكامل صفحاتها. سعيد لم يدخل إلى حالة إغماء، هو الان ينسق حديثا لم يقل ، أو لم يكتب بعد. لن نستوعب هذا إلا حينما يفيق لكي يسرد ذلك العالم الذي تنزه فيه ، ورأى مالا يُرى. عالم الغيبوبة متسع الأركان، عميق الأرض، شاسع المدى، بل الأرض غير الأرض، والمقاسات غير المقاسات ، والإدراك غير الإدراك .. وإذا قيل لك أن سعيد يعاني من تدنى الإدراك فهذا حكم الأجهزة الطبية التي لا تحمل طاقة الإنسان الخلاقة، طاقة تمنح صاحبها ادراك خاصا مغايرا لطاقة ادراك الإفاقة. وحين تقف على جسد سعيد، ذلك الجسد المسجى فانت ترى هالة تضيء في مكان ما من تلك الجبهة التي انبثقت منها أفكارا سلبت عقولنا حين كان سعيد يتحدث بها ، وعنها. ويستوعب تلك الهالة من عرف سعيد، وقد زاملته زمنا طويلا منذ أن وطأت أقدامه جريدة عكاظ، ، ورأيت تشكلات ملامحه في كل الحالات الإنسانية ( فرحا، تأملا، حديثا، غضبا، تنكيتا) ، وأرى الان جسده المسجي كنائم قد رأيته نائما في سفرياتنا المتعدة ، لا شيء اختلف ، فتلك الهالة بقيت تشع من ناصيته . وكلما وقفت أتأمل سعيد ، وهو مسافر في غيبوبته استشعرت انه يحلق في سماوات لقطف الأفكار التي لم تنبت ( بعد) في مخيلة أي كاتب جال الواقع المعاش ، فلم يعثر على فكرة خارج سياق، ولان سعيد مدمن في خلق الأفكار المدهشة، سافر في غيبوبته ليأتي بما لم يأت به أي كاتب سابق. أعرف جلطة الدماغ، وسمعت عن نزيف الجمجمة ، الحالتان ( كما أتصور ) الخروج من الإدراك الطبيعي الى ادارك سام، فإذا قالت الأجهزة الطبية ان ذلك الجسد المسجى انخفض ادراكه ، فتلك الأجهزة كليلة عن معرفة الإدراك السامي.. قلت أعرف الجلطة، فبها عالم نوراني يحجبك عن رؤية المعاش، يحجب رؤية الاطباء، والممرضين، والأحبة، وكل من حولك لا يصلون الى ما ترى. كنت، ولازلت أحاول تجسيد تلك الحالة روائيا، كتبت تلك الرواية وكلما هممت بنشرها استدرك أني أخلط بين ادراك المعاش ، وإدراك العالم الجديد الذي عشته، وكأني موعود بالذهاب الى ذلك العالم منذ الطفولة، فرواية الطين جسدت موتي حينما كنت طفلا ، بلزمة ( للتو عدت من الموت) .. وحين خرجت من (الجلطة الدماغية) ركضت في رواية (صدفة ليل)، وفي الروايتين كان الإدراك المعاش مخاتلا ، يجذبني لما اعتاد الناس من تصوير لغوي، في الجلطة ليس هناك لغة إنما احساسا لا يكتب . سوف يعود سعيد السريحي لكي يقول ويكتب ما لم يقل أو يكتب . والعودة أفهمها فهما ركيزته الإدراك مالم يدرك.