عن “نادي الفول” ولقاء بيت الشربتلي وأشياء أخرى.
وفاة زوجي العظيم ياسر نصيف، رحمه الله، لم تكن مجرّد محطة عابرة، بل رحلةُ تحوّلٍ عظيم… رحلةٌ لحبّ يستمر بامتداد الروح لا بانقطاع الجسد. رحلة فتحت لي أبوابًا لقصصٍ مدهشة، وأرواحٍ نقية، وتجارب لم تكن لتحدث لولا المحبة التي زرعها ياسر في كل طريقٍ مرّ به. وأحدُ أبطال هذه القصص هو العم سعيد السريحي، شفاه الله وعافاه، وأذهبَ عنه البأس والضرّاء. رجلٌ دخل حياتي بخيطٍ رفيعٍ من القدر… خيطٌ جمعني بالمعلم الملهم العم صالح بوقري، الذي عرّفني عليه، فصار حضوره امتدادًا لذلك الضوء الذي تركه ياسر في قلوب من عرفهم. بدأت حكايتي معه بقصة “نادي الفول” التي رواها لي العم صالح في أول لقاء لنا بعد وفاة ياسر؛ تلك الفكرة العفوية التي جمعت قاماتٍ أدبية وإنسانية عظيمة حول طبق فول، فصنعت بينهم صداقةً نادرة وحوارات شفافة. ومن خلال تلك القصة فُتحت لي نافذة صغيرة على عالم العم سعيد، قبل أن ألتقيه وجهًا لوجه. ثم جاء ذلك اللقاء في بيت الشربتلي… لقاءٌ لا يُنسى. تحدّث عن جدةٍ لم أسمع بها من قبل؛ أخذنا في رحلة عبر التاريخ والروح واللغة، كان حديثه نافذة تُفتح على عمقٍ آخر، عمق لا يراه إلا من عاش المدينة بقلبه قبل أن يعيشها بجسده. كان اللقاء لحظة تأكيد أنني أمام رجلٍ يحمل لغةً تصنع صورًا، ومعرفةً تُشبه النور.. النور الذي لمسته في سطور ديوانه “لكِ النور” الذي جمعه صديقه الصدوق العم صالح.. وقبل دخوله المستشفى، قادني القدر إلى صوته عبر حواره في “أمشي مع ثمانية”. حديثه عن الحياة والتحوّل والموت لامس قلبي؛ أعاد ترتيب حزني، وثبّت إحساسي بأن الموت ليس فناءً… بل انتقالٌ إلى هيئة أخرى من الوجود، تمامًا كما أعيش رحلتي اليوم مع ياسر، رحمه الله. وهكذا صار العم سعيد جزءًا من حكاية بدأت بالفقد… لكنها امتلأت بالنور والمعرفة وصدق القلوب. أسأل الله الكريم اللطيف أن يشفيه، ويعيده إلينا سالمًا، ويبلّغنا لقاؤه من جديد في محافل أجمل وأبهى، ننهل فيها من علمه، ونستنير بحكمته.