ينحرف المسـار دون أن يعبـأ بالخطة.

تستميلني الأوقات المعلومة، والأهداف المدروسة، هذه الفكرة التي تقصي عن الطريق مشتتاته وعوائقه لتمهد لي مسارًا واعدًا تعنونه الرحابة والإنجازات. أشرع في بناء الخطط مستنيرة بنواقص اللحظة الآنية ورغبات الغد المُرتقب، أقطف من اليوم ما يشكل وقودًا للمضي نحو ما أرجو، ثمّ أنام هانئة في يقين بالله أولًا ثم بما أعددته، وأسمّي هذا جاهزيـة! أصحو في الغد وِفق خطتي، وأعيش أيامي ضمن ما نويته في البدء، ويتأرجح الحاضر بين مُشتت وآخر، لكنه ما يلبث أن يعود إلى مركزه واستقراره، وأقول حين أسترجع عشوائية الماضي أنني-الآن- أحسنت التصرّف! أخال بما أتسم به من نقص بشري أن الحال ستبقى هكذا وأنسى فكرة العاصفة رغم حتمية وقوعها، ثمّ وفي أوقاتي المعلومة تحدث الأشياء المجهولة، غير المخطط لها، والتي تقتضي زوال الخطة الحاضرة، والانجراف نحو الغامض من غير اهتداء . أرتبك في ضياع غير واثق وتختفي ملامح الطريق وأهلع ضمن رؤية ضيقة تحسب أن السعة كل السعة فيما تهدّم قبل قليل من عتاد ودروع، أتراخى مُجبرة وربما يائسة عن كل جهود تعيد الماء لمجراه إذ أن الذي أراعني غير متوقع وليس ضمن حسبتي رغم ما لدي من مساحات مرنة ومتفهّمة . تمر الأيام خالية من المعنى الذي أعرفه وأدفع نفسي أحيانًا لتمثّل البهجة والرضا، وفي الداخل تئن أصوات تستنجد الماضي الذي جرى حسبما خططت، تُرى لماذا ارتبكت الخطة؟ يزيدني السؤال إعياءً وأقرر-فجأة- وبدون أي توقعات لماذا لا أدعه يمضي فحسب؟ مع مرور الأيام ينفتق السؤال عن آخر وأتساءل هل كان علي أن أرخي قبضتي؟ أن أخوض السبل بذراعين مفتوحتين للحياة بشتى احتمالاتها؟ وتروق لي الفكرة! بلا توقعات أو عتاد أختار أن أعيش أيامي بما تحمل، لا أشترط لها العناوين أو المشاعر، أستفيق لِما تجلبه اللحظة، وأرحب به دون مقاومة أو هروب، وبتلقائية ينبثق العنوان العريض لأيامي: التسليم ثم أُسر هذه المرّة! ولا أهلع! حيث الأيام تتفتّح لي عن معانٍ لم أصلها عبر خططي الموثقة! تصطف مشاعري بانتظام خلّاب ويقل أن تتداخل بينها، الحزن أسميه حزن بلا مواربة، والفرح أهنأ به كاملًا! ثم هناك التوق والأمل والانتصار والخيبة والخذلان والتقاعس والبدء من جديد . ألتمس معنى التدفق والسريان وألتقي بما لا يُتخيل، أختبر روعة العيش في شكل جديد ولا أتملص من خططي بحُمق الوثوب من خيار لآخر، إنما أستنطق الحكمة من خُلاصة ما مررت به وأتعهّد ما يُثري رؤاي وتتسع معه أفقي وحياتي ودون أن أقصي احتمالية حدوث العواصف وأهمية وضع الخطط، أحاول الوصول لمعادلة رائعة يتناغم فيها أمان المُتوقع مع سُرور الاحتمالات.