
شهد قسم المخطوطات بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية مستجدات مهمة في المدة الأخيرة؛ تمثَّلَت في اقتناء عدد من المخطوطات والكتب النادرة، إلى جانب إصدار مجموعة فهارس جديدة وفق منهجية علمية دقيقة. ضمن المقتنيات الحديثة، حصل المركز على نسخة نادرة من “مقامات الحريري” لأبي محمد القاسم بن علي الحريري (ت: 516هـ)، وهي نسخة مكتوبة بالخط الأندلسي الليّن العتيق، تعود إلى حياة المؤلف، مطلع القرن السادس الهجري، وتتميّز بوجود حواشٍ وتعليقات قديمة، وهو ما يجعلها من أقدم نسخ المقامات المعروفة في العالم. واقتنى المركز نسخة من كتاب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي عياض بن موسى السبتي (ت: 544هـ)، تعود إلى القرن الثامن الهجري، وقد كُتبت بمصر وقُرئت في جامع الحاكم بأمر الله بالقاهرة قبل أن تستقر بالمدينة المنورة، وتُقرأ بالروضة الشريفة في القرن التاسع الهجري. وتضم المقتنيات الجديدة أيضًا مخطوط “الرايات السمهرية في شرح المقصورة الخزرجية” لبركات بن عبدالرحمن بن باديس القسنطيني (ت: 1107هـ)، وهو مكتوب بخط مغربي جزائري منقول عن نسخة المؤلف، وانتهى منه ناسخه سنة 1172هـ. إضافة إلى نسخة عربية مترجمة من كتاب “صناعة صباغة الحرير” للكيميائي الفرنسي بيير مكير (Pierre Macquer) المتوفى سنة 1784م، وقد طُبعت هذه النسخة النادرة في مطبعة بولاق سنة 1238هـ/ 1823م. واقتنى المركز كتاب “بزوغ القمر أو: مقامات الحريري بالصور وفوق المسارح” مع شرح بالفرنسية للمستشرق البارون سلفستر دي ساسي، من تأليف حميدة الحبيب، وطُبع في تونس سنة 1355هـ/ 1936م. وأصدر قسم المخطوطات سلسلة من الفهارس الحديثة، معتمدًا منهجية ترتكز على تصنيف المخطوطات وفق موضوعاتها وفنونها العلمية، وإخراجها بطريقة تسهّل الوصول إلى المعلومات الدقيقة، مع تقديم الكشّافات المتنوعة للعناوين والمؤلفين، والنسّاخ، وأماكن النسخ وغيرها. جاء في مقدمة هذه الإصدارات “فهرس المصاحف المخطوطة” الذي شمل فهرسة (646) مصحفًا مخطوطًا تتنوع بين مصاحف تامة وربعات وأجزاء وقطع منفصلة. رُتبت المصاحف حسب القرون الهجرية، بدءًا من القرن الثاني إلى الرابع عشر، مع توثيق جميع البيانات التفصيلية، من حيث نوع الخط وتاريخه إلى أسماء النسّاخ وأماكن النسخ، وقراءات المصاحف ورواياتها، والظواهر الفنية مثل التذهيب والزخرفة. ومن نوادر هذا الفهرس ورقة قرآنية مكتوبة على رق الغزال بالخط الكوفي الخالي من النقط، تعود إلى القرن الثاني الهجري، إلى جانب مصحف تام مملوكي من القرن الثامن الهجري عليه وقفية الست مسكة مربّية السلطان الحسن بن قلاوون. أما “فهرس مخطوطات تفسير القرآن الكريم وعلومه”، فقد اشتمل على فهرسة (1487) مخطوطًا، وصُنف إلى أقسام التجويد، والقراءات، والتفسير، وعلوم القرآن، مع ترتيب أبجدي داخلي، وعناية بترتيب النسخ بحسب الأقدمية. من أبرز ما احتواه الفهرس نسخة كتاب “بغية المستفيد في علم التجويد” لمحمد بن بدر الدين ابن بلبان (ت: 1083هـ)، مكتوبة سنة 1132هـ، ونسخة من كتاب “النشر في القراءات العشر” لشمس الدين محمد بن محمد ابن الجزري (ت: 833هـ)، مقروءة على المؤلف نفسه، وعليها إجازة بخط يده سنة 822هـ، إلى جانب نسخة وحيدة في العالم من كتاب “الطيبة الرائحة في تفسير سورة الفاتحة” لعلي بن محمد ابن خطيب الناصرية (ت: 843هـ)، كتبها المؤلف بخطه سنة 833هـ، ونسخة من كتاب “تفسير غريب القرآن” لمحمد بن عزيز السجستاني (ت: 330هـ) كُتبت في القرن الخامس الهجري وعليها سماعات. وأصدر المركز “فهرس مخطوطات الحديث النبوي الشريف وعلومه”، الذي وثَّق (1400) مخطوط موزعة على سبعة أقسام، شملت مصطلح الحديث، ومتون الحديث، وشروح الحديث وغريبه، والأربعينيّات ومجاميع الحديث، وتخريج الأحاديث ونقدها، ورجال الحديث، والإجازات، والأثبات. من بين المخطوطات المميزة فيه نسخة من “مختصر علوم الحديث” لابن كثير (ت: 774هـ) من القرن التاسع الهجري، والجزء الأول من “صحيح البخاري” كتبها محمد بن عبدالرحيم الموصلي سنة 883هـ، ونسخة بخط المؤلف من “إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري” لأحمد بن محمد القسطلّاني (ت: 923هـ)، ونسخة من “التلخيص الحبير” لابن حجر العسقلاني (ت: 852هـ) عليها إضافات بخطه. وضمن الإصدارات أيضًا، جاء “فهرس مخطوطات السيرة النبوية وملحقاتها”، الذي شمل فهرسة (330) مخطوطًا تغطي مختلف جوانب السيرة النبوية؛ من السيرة الجامعة إلى المولد والمعراج والمعجزات والمغازي. ومن أبرز مخطوطاته نسخة تامة ضخمة من كتاب “إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون” لعلي بن إبراهيم الحلبي (ت: 1044هـ)، ونسخة نادرة من كتاب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي عياض، بخط أحمد بن عبدالوهاب النويري (ت: 733هـ)، التي استقرت بالحرم المكي الشريف وعليها أكثر من أربع مئة بلاغٍ بخطوط العلماء الذين قرؤوها عبر العصور. تعكس هذه المقتنيات والإصدارات الجديدة الجهد المستمر الذي يبذله مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في حفظ التراث الإسلامي، وتوثيقه، وإتاحته للباحثين والمهتمين بالتراث العربي والإسلامي عبر منهجية علمية دقيقة تجمع بين الأصالة والدقة الحديثة.