في مديح الآخر.

يحضر الآخر ويقطع بمجيئه سيل الأفكار السقيمة، يكفي أن يسحب كرسيًا أمامك فيتضاءل الألم الذي أقسمت قبل قليل على عدم احتماله، وبالرغم من أنك لم تتكشف عن وجعك بعد؛ إلا أن النجاة تحضر بمعيته كفكرة قابلة للتصديق يمتد دفء ما ليُربك الوحشة فثمة شاهد الآن يغيّب أصوات افتراضية موهومة، له مثل ضعفك، ويعتريه ربما ضِعف خوفك، يفسح لك مساحات الاستماع والمُصادقة، ويستنطق ما خِلت أنك غير قادر على وصفه، وتدرك في وسط حديثك صواب قرارك حين اخترت اللُّقيا، المُهاتفة، أو المحادثة لا يهدأ ألمنا فحسب؛ ولا أختزل الآخر في صورة المواسي والمُنقذ بل أجده ضرورة لا يكتمل مشهد حياة بدونه، الآخر امتداد يروي ظمأ الفضول، وسؤال يأخذك إلى مدى أوسع من دهشتك، هو فرحة تُباري اعتدادك بنفسك، ونداءات شتّى نحو السعة يلحّ على رغبة العيش فيك ودون أن يتركها حائرة يخترع لها ألف طريق وطريق، لتعيد تعريف الحياة التي تراءت لك -بدونه- موحشة مُخيفة خالية من المعنى والحضور ومعه أصبحت مُحتملة، بل نيّرة خلّابة أفكّر في مرات عديدة نهشني فيها ضعفي الإنساني، وأنقذتني يد، وأيام لا لون لها أخذت تتفتح لأن صديقًا قال هيّا ننهض! في أماكن لم أتخيل زيارتها، وتجارب لم يخطر لي عيشها، ومشاعر لم يسبق أن أتكهّن احتماليتها وإذ بالآخر بوابة عبوري نحو كل هذا، ورفيق الدرب مهما اختلفت تضاريسه، يحكي، ينصح، يُبهج، يرافق، يلبّي، يتواءم، يتناغم، يحثّ، يُلهم، يشجعني هذا على إبداء الحب، ومشاركة الفكرة، والتعويل على الأثر ، فنحن أيضًا “آخر” تُرجى منّا المودة والفهم والأمل.