طائر يكره جناحيه.

هذا العنوان لأدونيس. وهو يعني أن العربي، سواء كان في القمة، أو السفح، هو طائر لا يستخدم جناحيه؛ لأنه يكرههما: على الصعيد الفردي الأفقي، نرى أن الأكثرية البشرية لا تعرف أن لها أجنحة، فإذا عرّفها أحد بها، عاندته، وبقيت مصرة على وضعها التقليدي الغارق في التخلف، وعلى الإصرار عليه، والدفاع عنه. وحتى الذين يعرفون أن لهم أجنحة، ترى أكثرهم يستخدم جناحيه في أفق واحد قصير المدى، ولا يعرف أن هناك آفاقا كثيرة، عليه، حين يريد أن يتجاوز ما هو عليه نفسيا ومعرفيا، أن يشجع جناحيه على ارتيادها. أما على صعيد القمة، فأتمنى أن نعرف ــ أنا وغيري ــ سببا واحدا يجعل من فيها لا يستعملون أجنحتهم، وكل منهم يحمل أكثر من جناحين: يحمل جناحيه، وجناحي مجتمعه، وجناحي الطبيعة التي هو فيها، وجناحي حرية الاختيار بين البدائل. يقول عمنا: (ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام) ولعدم معرفة السبب كثرت الشكوى من المحيط إلى الخليج ــ كما يقولون ــ ببلاهة أو بسخرية، فأنّى اتجه سمعك أو عيناك لا تسمع إلا نشيجا لا يتوقف من كل كاتب وكاتبة، وكل شاعرة وشاعر: يقول الشاعر عبد الوهاب أبو زيد (خجلت حينما رأتنا المرايا / وتمنت لو أنها عمياء) هذا الوضع البائس، يضطرب الناس فيه كما يضطرب الغرقى، كل يبحث فيه عما ينجيه: فهناك من يغمض عينيه، ويغلق نوافذه، متخذا من (القناعة كنزا لا يفنى) وهناك من يفر إلى الخيال. وهو باب واسع، يدخل منه المؤمنون بأنهم مسيّرون، يجهلون أن لهم شيئا يسمى إرادة، ويدخل منه الخائفون من استخدام هذه الإرادة، واقتحام المجهول، فلا يسلونها من غمدها، وهناك وهناك واعطف مثلها ألفا. أنت ما هو اختيارك؟ هل تود أن تجلس مثلي في مقهى على نهر يكاد يُغرق ضفتيه، (والناي على الشط غنى والقدود بتميل على هبوب الهوا) أم أنك رجل تلبس وقار الفلاسفة، وزهد النساك، فلا تطرب للغناء ولا تحب تدفق الأنهار، وتود لو أن الرمد أصاب عينيك حتي لا ترى شيئا جميلا، يكوي كبدك بسفود دائم مثل ذاك الشاعر البائس الذي قال: (إن الذين غدوا بلبك غادروا وشلا بعينك لا يزال معينا غيضن من عبراتهن وقلن لي ماذا لقيت من الهوى ولقينا