ضمن سلسلة (نحن بخير ما دمنا في طيبة الطيبة) ..

لمحات من تدوين تاريخ المدينة المنورة ومعالمها .

نظم مركز حمد الجاسر الثقافي محاضرة بعنوان “لمحات من تدوين تاريخ المدينة المنورة ومعالمها” (الجزء الثاني) ضمن سلسلة ( نحن بخير ما دمنا في طيبة الطيبة) قدمها الدكتور: عصام بن ناهض الهجاري الشريف، مستشار سمو أمير منطقة المدينة المنورة سابقاً، عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة، وأدارها سعادة الأستاذ الدكتور: أحمد الزيلعي، عضو مجلس الشورى سابقاً، الأمين العام لجمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون، وذلك بحضور نخبة من أصحاب المعالي والسعادة والمهتمين بالتاريخ والتراث والأثار والأدب، أقيمت المحاضرة ضحى السبت 22 جمادى الآخرة 1447هـ الموافق 13 كانون الأول (ديسمبر)2025م. وافتتح د. الزيلعي حديثه بالتعريف بالمحاضر وتقديم نبذة عنه، أبرز فيها تميّزه العلمي والمعرفي في العلوم الشرعية والتاريخية والأدبية والآثار والمعالم، ومشاركته المعرفية والثقافية والاجتماعية، وأهم الأعمال الأكاديمية والوظيفية والاستشارات والخبرات واللجان التي ترأسها وشارك فيها. ثم استهل المحاضر د.عصام الهجاري حديثه بلمحة عن الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- وإثرائه العلمي والثقافي، ووَصَفَهُ بأنه كان كالجامعة المتنقلة المتنوعة بمختلف العلوم والمعارف، وأشار إلى آثاره التي تركها، خاصة ما يتعلق بتاريخ المدينة المنورة، ثم عطف بشكره للداعي -ابن الراحل- الأستاذ معن بن حمد الجاسر، ثم شكر مدير المحاضرة د.أحمد الزيلعي بما يليق وأثنى على تاريخه العريق في خدمة التاريخ والآثار. وتحدث المحاضر عن أهمية تاريخ المدينة منذ أول يوم قدم فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها، وما حصل فيها منذ قدومه، وعن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومظاهر الحب المتبادل بينه وبينها بما جاء في النصوص النبوية في السنة الشريفة، وذكر ذلك بمنهج وسطي لا غلو ولا جفاء ولا إفراط ولا تفريط مستعرضًا شواهد تاريخية ومعاصرة بالإشارة إلى بعض النماذج السابقة والنماذج الحالية في حب المدينة التي حملت الكثير من الناس للهجرة إليها، قديمًا وحديثًا. ثم أخذ في بيان جملة من فضائلها، ووصفها بأنها فضائل فوق الأرض، وفضائل تحت الأرض، وفضائل يوم العرض، موضحًا أن ذلك كان سبباً في تحريك هِمّة العلماء في العناية بالتدوين فيها في مختلف أنواع العلوم والمعارف؛ لكون تاريخ المدينة يشمل: تاريخها ومسجدها الشريف وأحكامها وآثارها وأدبها وتراجم أعلامها وغير ذلك من أنواع المعارف. ثم ذكر ما تميزت به مؤلفات تاريخ المدينة من براعة استهلال في تسمية عناوينها؛ كاستهلال شعراء العصر الجاهلي قصائدهم، وأن تلك العناوين كانت سبباً في الدلالة على ما بعدها، كوفاء الوفاء في أخبار دار المصطفى، والمغانم المطابة في معالم طابة، والدرة الثمينة بأخبار المدينة، وغيرها . وأشار المحاضر إلى أن منهج علماء التاريخ في المدينة مرّ بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: وهي ما وصفها بالمبكرة، والتي هي نواة الكتابة عن تاريخ المدينة من خلال كتب السير والمغازي. المرحلة الثانية: وهي مرحلة التأسيس باعتباره علمًا مستقلًّا، وبيّن أنّ ذلك برز في نهاية القرن الثاني وفي القرن الثالث، وأن هناك ما يمكن تسمينه بمصطلح الكتب الخمسة التي جاءت باسم واحد، ونهج وسياق واحد، تحمل اسم أخبار المدينة، منها: “أخبار المدينة لمحمد بن الحسن بن زبالة”؛ و”أخبار المدينة لأبي غسان محمد بن يحيى الكناني”؛ و”أخبار المدينة الزبير بن بكار “؛ و”أخبار المدينة لعمر بن شبّة النميري”، و”أخبار المدينة ليحيى بن الحسن العلوي العقيق”. المرحلة الثالثة: مرحلة الاستقرار : واستعرض فيها جملة من أهم مؤلفات هذه المرحلة، كالدرة الثمينة لابن النجار، والتعريف للمطري، ونصيحة المشاور لابن فرحون، وتحقيق النصرة للمراغي، ثم توسع في الحديث عن وفاء الوفاء للسمهودي بلمحة عن مؤلفه الامام علي بن عبدالله السمهودي ومنهجه في كتابه هذا، وبعض المواقف اللطيفة في تطبيقه الميداني لما كتبه. وتطرق لذكر جملة من المؤلفات منذ زمن السمهودي حتى العهد السعودي من كتب التاريخ والأدب والشعر والرحلات فيها. ثم عرج على تدوين التاريخ أنه كان على اتجاهين: الأول عمليٌّ، والثاني علميٌّ؛ فذكر أن رائد الاتجاه العملي هو الملك عبدالعزيز بما صدر عنه من أقوال وأفعال تدل على اهتمامه بالتاريخ والآثار وتطرق لما تداولته وسائل الإعلام قبل سنوات من كلمة خاله للملك عبدالعزيز ( يبقى كل قديم على قدمه ) وما ذكره سمو أمير المدينة سابقا الأمير فيصل بن سلمان عنها. واستعرض المحاضر زيارات الملك عبدالعزيز -رحمه الله- للمدينة وعددها أربع زيارات: الأولى عام ١٣٤٥هـ، والثانية عام ١٣٤٦ هـ، والثالثة عام ١٣٤٧هـ، والرابعة عام ١٣٦٨هـ. وذكر ما حصل في الأولى؛ ومن ذلك نهجه في زيارة المدينة أنه كان يفتتحها بزيارة مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلاة ركعتين في الروضة الشريفة، ثم السلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه، ثم زيارة شهداء البقيع وشهداء أحد. وذكر المحاضر بعض ما حصل في لقائه بهم، وكيف أنه خاطب أهل المدينة قائلاً : (كبيركم كأبي، ومن في سني كأخي، ومن يصغرني كابني ) وأن من كلمات الملك عبدالعزيز الخالدة “إن هذه المدينة نفديها بأرواحنا”. كما ذكر أهم الأعمال في إصلاح الأوقاف وأعمال ووظائف المسجد النبوي وعنايته بالقضاء، وتعيينه الشيخ محمد بن علي بن تركي والشيخ إبراهيم بري في القضاء مع مراجعتهم واستشارتهم للشيخ عبدالله بن بليهيد. ثم استعرض بعض جهود أمير المدينة سابقاً: الأمير فيصل بن سلمان، وجهود خلفه أميرها الحالي: الأمير سلمان بن سلطان في خدمة تاريخ المدينة، وذكر بعض أعمالهما في ذلك. وذكر طائفة من أهم مؤرخي المدينة، وألقى الضوء على جهود الشيخ حمد الجاسر، والسيد عبيد مدني، والأستاذ محمد صالح البليهشي، وذكر بعض آثارهم ومنهجهم، وما تميزوا به من الكتابة في تاريخ المدينة. ثم سرد ما تميزت به المدينة من رصد تاريخي للنقوش الحجرية والصخرية، وأبرز العاملين فيها، ومنهم مدير المحاضرة د.أحمد الزيلعي، ود.سعد الراشد ود.مشلح المليحي ثم د.عيد اليحيى وبرنامجه ديوان النقوش الذي شارك معه فيه من وصفه بأنه عرّاب منطقة المدينة في ذلك الأستاذ محمد المغذوي. وتطرق لجهود د.عبدالله الوليعي من خلال كتابه معجم القبائل والبلدان، وخدمته في أجزاء منها لتوثيق تاريخ قبائل المدينة. وقد شهد اللقاء جملة من المداخلات الثرية والأجوبة الرصينة من المحاضر.