شرارة الفوضى!

تتسارع الأحداث و تتضارب الأصوات، يبرز خطاب خطير يسعى بعض المتربصين إلى نشره تحت غطاء “حرية التعبير” و “النقد البنّاء”. هذا الخطاب يتجسد في الاعتداء اللفظي على المسؤولين و رجال الدولة، و هو ليس مجرد كلمات عابرة، بل محاولة مدروسة لضرب هيبة الدولة و النيل من رمزيتها، و زعزعة الثقة في قيادتها و مؤسساتها. إن الاعتداء اللفظي ليس رأياً شخصياً و لا نقاشاً حضارياً، بل هو بوابة مفتوحة نحو الفوضى .. فحين يتجرأ البعض على التطاول على رموز الدولة، فإن ذلك يزرع بذور الشك لدى العامة، و يشجع ضعاف النفوس و المرتزقة على التمادي ، وفي حال تُرك هذا السلوك بلا ردع، فإن شرارة صغيرة من الكلمات قد تتحول إلى نار هوجاء تلتهم الأمن و الاستقرار. الدولة ليست مجرد كيان سياسي أو جهاز إداري .. هي هوية و هواء نتنفسه، هي الكيان الجامع الذي يحمي مصالح المواطنين و يصون حقوقهم و يحقق طموحاتهم ، و من هنا فإن احترام الدولة ورجالها “خط أحمر” لا يجوز تجاوزه. المسؤول الذي يقف في موقعه اليوم لا يمثل نفسه فقط، بل يمثل أمانة الدولة و مؤسساتها و شرعيتها. لذلك فإن أي إساءة له ليست موجهة لشخصه بل للمنصب الذي يشغله و للمنظومة الوطنية بأكملها. التهاون مع هذه السلوكيات يمثل رسالة خاطئة و خطيرة ، فالصمت عن الاعتداء اللفظي يعني ضمنياً قبول التعدي على السيادة و التطاول على المؤسسات ، و هذا بدوره يفتح الباب أمام أعداء الداخل و الخارج لاستغلال الفضاء العام في بث سمومهم. فإذا أُعطي المجال للمسيئين دون حساب، فإنهم سيحوّلون منصات التواصل و وسائل الإعلام إلى ساحات تشويه و تضليل، و حينها تضيع الحدود بين النقد الموضوعي و البذاءة المنظمة، و يختلط الحق بالباطل. النقد الموضوعي حق مشروع و ضرورة لتطوير العمل الحكومي، لكن بين النقد البنّاء و الإساءة الهدامة فرق كبير .. النقد يركّز على الأداء و السياسات و يطرح بدائل و حلول، بينما الاعتداء اللفظي يسعى لتجريد الدولة من هيبتها و تحويل الحوار إلى مهاترات. و عليه، فإن من يريد الخير للوطن يعبّر برقي، و يطرح رأيه بحكمة و احترام، دون تجريح أو إسفاف. أما من يختبئ خلف شعارات الحرية ليطلق الشتائم، فهو في الحقيقة لا يسعى للإصلاح بل للفوضى. السيادة لا تُمس .. فالمساس برجال الدولة هو في جوهره مساس بالسيادة الوطنية ، و من يستخف بهذه المسألة لا يدرك أن السيادة ليست مجرد كلمة في كتب القانون، بل هي الحصن الذي يحمي استقلال القرار الوطني من التدخلات الخارجية. كل تطاول يضعف الثقة في مؤسسات الدولة يمهّد الطريق أمام أعداء الأمة للتشكيك و التشويش، و بالتالي فإن الدفاع عن هيبة الدولة ليس خياراً، بل هو واجب وطني و أمني. الدول الراسخة لا تسمح بتهديد استقرارها عبر حملات منظمة أو أصوات نشاز .. و من لا يفهم بلغة الاحترام و الهيبة، سيفهم بلا شك بلغة الحزم و الردع ، فالعدالة لا تقبل أن يختبئ المسيء وراء حرية التعبير بينما يمارس الفوضى باسمها. و من هنا تتجلى مسؤولية الجهات المعنية في فرض القانون بحزم، و تطبيق العقوبات الرادعة بحق كل من يتطاول على رموز الدولة، حمايةً للنظام العام، و صوناً للثقة بين القيادة و الشعب. الوطن لا يبنى إلا على الثقة المتبادلة بين القيادة و المجتمع، و هذه الثقة هي التي صنعت تاريخ المملكة، و رسخت مكانتها الإقليمية و العالمية، و جعلتها نموذجاً في الاستقرار رغم عواصف المنطقة ، و لكن هذه الثقة قد تصبح هدفاً رئيسياً لحملات التشويه، و لذا وجب الدفاع عنها بكل الوسائل. فالتحريض اللفظي ليس مجرد “كلمة عابرة”، بل هو معول يحاول أن يهدم بنياناً شامخاً قام على التضحية و الوحدة .. و من هنا يأتي دور كل مواطن في الوقوف سداً منيعاً ضد محاولات العبث. إن الحفاظ على هيبة الدولة و احترام رموزها ليس ترفاً و لا خياراً جانبياً، بل هو شرط أساسي لاستمرار الأمن و الاستقرار والتنمية ، و من يظن أن الاعتداء اللفظي مجرد “رأي” فقد أخطأ التقدير، لأن الكلمة قد تكون بداية الشرارة التي تشعل الفوضى. و لذلك، فإن الحزم في مواجهة هذه السلوكيات واجب وطني يرسخ مفهوم السيادة و يحمي الوحدة الوطنية. فالوطن الذي نحتمي به جميعاً يستحق منّا أن نحميه من كل كلمة باطلة أو إساءة ممنهجة، و أن نعلنها بوضوح: احترام الدولة و رجالها خط أحمر .. و من لا يفهم بلغة الهيبة سيفهم بلغة الحزم.