من أخلاق السفر!.

-١- طرحت في فترة سابقة مصطلحا في السفر، هو مصطلح «أزمة المنعطف الأخير»، بعد أن لاحظت أن أكثر الرفاق في السفر يختلفون في نهايته فيفسدون متعة أيامهم الأولى بسبب الملل في نهاية الرفقة، والملل من كواذب الأخلاق كما قيل. عممت هذا المصطلح لاحقا وأشعته بين أبنائي ومن حولي ليكونوا على ذُكْرٍ منه، ففعلوا، واصطحبوه مع رفاقهم، فكانوا يقولون لي: كلما أوشكنا على الاختلاف تذكّرنا أزمة المنعطف الأخير فعدلنا عن ذلك إلى البدايات الجميلة وحافظنا على جماليات الرفقة. واليوم يلوح لي مصطلح جديد، بعد كل هذه السنوات، هو مصطلح «تزامن الرفاق»، ولا أعني بالرفاق المصطلح الحزبي الشيوعي، إنما أنسبه للرفقة لخفته ورشاقته، وأعني بالمصطلح أن تلتقي أقرانك في الفكر والوجدان بالمصادفة في مكان سفرك، فتكتمل لك بهجة السفر، بهجة المكان وبهجة الإنسان، فتصيب معهم شيئا من الأوقات الملقاة على قارعة الطريق أو النابتة على سفوح الجبال وضفاف الأنهار وتتذكر معهم ما فات من عمر الزمن الجميل وتتجاذبون مابقي منه في الأسفار والحكايات التي ما تزال مشرعة للزمن القادم. لقد افتقدنا هذا التزامن منذ صار الناس يرحلون أفرادا ويعودون أفرادا، بعد أن تشظّت البنية الاجتماعية وتحولنا إلى الأسرة النووية بدلا عن الأسرة الممتدة. -٢- مما هو عزيز من أخلاق السفر، وهو لبّ الخلق ومركزه، خلق الإيثار، فلا تكاد تملّ رفقة من يؤثرك وتؤثره في كل ما يتعلق باحتياجات المسافرين من مسكن ومطعم ومستراح، فجلُّ اختلاف الرفاق في السفر يأتي من فقدان هذا الخلق الكريم حين تتغلّب الأثََرَةُ على الإيثار والأخذ على العطاء، وتقديم حظوظ النفس على حظوظ الرفاق ومصلحة الفرد على مصلحة الجماعة. وفي العموم فكل أخلاق الحَضَر تصبح مؤكدة في السفر والحاجة إليها مضاعفة، ولذلك سمّي السفر لأنه يسفر عن أخلاق الرجال.