جيل يكتب بروح عصره

في الآونة الأخيرة، ومع تطوّر الذكاء الاصطناعي، كَثُر القيل والقال في الساحة الأدبية حول ما إذا كان البعض يستخدمه لإنتاج نصوص أدبية ينسبها لنفسه شبيهة بتلك التي يكتبها البشر! لا سيما من بعض الكُتّاب الذين أصبحوا على مشارف تقاعد كلماتهم، موجّهين سهام اتهامهم نحو أولئك الكُتّاب الذين وُلدوا في عصر التكنولوجيا! مستندين في ادّعاءاتهم إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه محاكاة أسلوب البشر وتوليد نصوص مماثلة. وفي الوقت نفسه، يردّد هؤلاء الكُتّاب العِتاق باستمرار، وينسجون خيوط كلماتهم للتعبير عن اختلاف الجيل الجديد الذي لا يشبه جيلهم، ثم هم هنا يدّعون أنه جيل يكتب بواسطة «ذكاء اصطناعي». أَلَم تكتبوا آلاف العناوين عن عدم فهم هذا الجيل؟ كيف إذن فهمتم ما كتبته لغة الآلة واستطعتم تمييزه؟ يا صديقي المخضرم، قلمك وُلد في عصر غير العصر الذي وُلد فيه هذا الكاتب اليافع قلمه ، إنه ابن التكنولوجيا، ومن الطبيعي أن تقرأ كلماته وكأنك تقرأ لإنسان آلي. المسافات الفكرية بينكما شاسعة، ولا يمكن تقريبها أو فهمها، خصوصًا إن بدت المبادرة من الجيل الأقدم. سأقول لك شيئًا يهدّئ من روعك أيها الكاتب المخضرم: الذكاء الاصطناعي لا يستطيع الكتابة بروح الإنسان، فاللمسة البشرية ليست حاضرة في نصوصه. وهنا وجه شبه بين قلم الكاتب الجديد وبين الآلة، إذ إن الكاتب القديم لا يستطيع في الأصل أن يفهم ما يعنيه هذا القلم اليافع لسبب واحد لا يمكن إنكاره: كل جيل أكثر وعيًا وذكاءً وإبداعًا من الجيل الذي سبقه. وهذه القاعدة ـ في اعتقادي ـ تنطبق على فنّ الكلمة أيضًا. ولا يعني هذا الرأي التقليل من شأن الكُتّاب المخضرمين، فالبعض منهم قلمه قادر على الرؤية من جميع نوافذ الأجيال… لكنني أعني تلك القلّة القليلة من الكُتّاب الذين نسمع صيحات استهجانهم كل يوم خوفًا على الإبداع أن يُقتل. ولا أختلف معهم كثيرًا، غير أن السؤال يبقى: هل فعلًا أصبحت الآلة منافسًا في الساحة الأدبية وقاتلة للإبداع كما يُقال؟ أم أن ذلك مجرّد نسيج متشابك من خيال كاتب لا يستطيع الاعتراف بقدرات غيره؟