قتل الحقيقة.

من بين كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة يأتي نوع من الجرائم يتوّج المعنى الحقيقي للإجرام، ويؤكد تجذره في ذلك المجرم. إنه اغتيال الكلمة، اغتيال الحقيقة، اغتيال الصورة الفاضحة للمنطق الإجرامي. حسب إحصائيات «لجنة حماية الصحفيين» CPJ فإن إسرائيل قد قتلت منذ عام 2000 حتى اليوم أكثر من 220 صحفياً في الأراضي الفلسطينية، ما لا يقل عن 150 صحفياً منهم فقط منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم. تقول إسرائيل إن هؤلاء الصحفيين المستهدفين يتبعون لمنظمات إرهابية. هذا الزعم الإسرائيلي قد حرك ضمير أحد الصحفيين الاستقصائيين في إسرائيل «يوفال إبراهام» حين قال على حسابه في منصة X: «إن الصحفي الذي يصدق أكاذيب المتحدث بالجيش الإسرائيلي في هذه المرحلة يخون مهنته». ثم يضيف ساخراً من منطق جيش الاحتلال في اتهامه للصحفي المغدور أنس الشريف بالانتماء لحماس: «وفقاً لهذا المنطق فإن الغالبية العظمى من الصحفيين في إسرائيل إن وجدت أي وثيقة تثبت أنهم كانوا في الجيش أو خدموا في قوات الاحتياط، فإنهم أهداف مشروعة للتصفية». ثم يتساءل عن توقيت اغتيال أنس الشريف بريبة: «مكانه معروف لهم منذ أشهر، لماذا قتلوه الآن؟» ثم يجيب فوراً «عشية الهجوم على غزة، الهدف واضح»! كل هذا وأكثر يعطينا تصوراً على أن انفلات آلة القتل الإسرائيلية اليوم يعكس بشكل واقعي عدم رغبة إسرائيل في أي سلام. لا يمكن لكل هذا السعار المحموم من القتل والتجويع أن يؤكد سوى انعدام أي نوايا حقيقية في خلق سلام في المنطقة. «السلام».. الكلمة التي ظلت إسرائيل ترددها دائماً في خطاباتها، ولكن على الأرض تقوم إسرائيل بقتل كل الفرص التي يمكن أن تؤدي إليها. الحديث عن الإرهاب الصهيوني تجاه الصحفيين ليس أسوأ الجرائم الإسرائيلية، ولكنه يتوّج كل تلك الأفعال الوحشية بالتأكيد على الرغبة في إخفاء الحقيقة كي لا تصل إلى العالم كما ينبغي. السلوك الإجرامي ذاته للمجرم المحترف الذي يفكر في مرحلة إخفاء الأدلة قبل أن يبدأ في تنفيذ جريمته بدم بارد.