ظِلالُ اليَقِين.

“كلما اتسع النور... ضاق المعنى!” إنَّ ازدياد النور حولنا يضيق الأفق الذي نرى منه العالم. فالنور المفرط لا يكشف كل شيء كما نتصور، بل قد يحجب التفاصيل الدقيقة التي تمنح المعنى عمقه، كالبحث عن الكمال عند الإنسان! فهو يشبه هذا النور الكاسح، يغرينا باليقين، لكنه يحجب عنا استيعاب تعقيد التكوين البشري. فالإنسان بطبيعته متقلب وليس ثابتًا، يحكمه تركيب معقد من المشاعر والتحولات النفسية. قراراته تتأرجح بين العقل والعاطفة، وبين الوعي واللاوعي... إنَّه أكثر عرضة للخطأ من الصواب، ليس بسبب خلل فيه، بل لأنَّ الهشاشة جزء من بنيته الوجودية. يُطالب بالكمال المطلق، وينتزعُ عنه صفته ككائن متعدد الأوجه، وتغلق أبواب الاحتمالات أمامه، والنتيجة؟ أنْ الخيبة تصبح حتمية؛ لأننا أسقطنا على إنسانٍ محدودٍ توقعات لا تنتمي للواقع، يقول الشاعر: وللهِ فيما حلَّ بالناسِ حكمةٌ يَحَارُ لها العقلُ اللبيبُ ويعجبُ بـدا ما بـدا منهـا مُخيفًا مُروعًـا وفي طَيّها ســـــــرٌّ خَفِــــيٌّ مُحَــجَّــــبُ والفلسفة تعلمنا أنَّ مواجهة هذه الحقيقة ليست دعوة للتشاؤم، بل لتحرير أنفسنا من أوهام الكمال. فقبولنا بضعف الإنسان لا يعني تبرير أخطائه، بل لمعرفة أنَّ هذا الضعف هو الذي يمنحه القدرة على التعلّم، والنهوض، والتغيير... إنَّ النور الحقيقي ليس في كشف كل شيء، بل في ترك مساحة للغموض؛ لأنَّ المعنى يعيش في هذه المساحات، حيثُ الظل والنور يتعانقان، وحيثُ الإنسان يُرى كما هو ناقصًا، لكنه قابلٌ للنمو... * اللوحة بريشة الكاتب