حين تلتقي الكلمة بالصورة..

10 أفلام سعودية و23 ندوة تضيء المشهد الثقافي في معرض جدة للكتاب .

في مشهد ثقافي متكامل، حضرت السينما السعودية بقوة ضمن فعاليات معرض جدة للكتاب، من خلال مشاركة 10 أفلام سينمائية سعودية روائية وقصيرة، في تجربة عكست نضج الحراك الإبداعي، وتنامي الوعي بدور الفنون المتداخلة في صناعة الثقافة وبناء الوجدان. وجاءت هذه المشاركة ثمرة تظافر الجهود بين هيئة الأفلام، وهيئة الأدب والنشر والترجمة، ضمن رؤية ثقافية موحّدة تُجسّد فلسفة وزارة الثقافة في دمج الفنون المختلفة تحت قبة واحدة؛ حيث لا تنفصل الحكاية المكتوبة عن صورتها البصرية، ولا ينفرد الكتاب عن السينما، بل يتكاملان في سرد الهوية، واستحضار الذاكرة، ومواكبة التحوّل. ١٠ افلام سينمائية وشهد عرض الأفلام في المعرض تفاعلاً لافتًا من زوّار معرض جدة للكتاب، الذين توقفوا عند العروض السينمائية بوصفها امتدادًا حيًّا للنص، ومساحة بصرية تعيد تشكيل الحكاية بلغة الصورة والصوت. وتنوّعت ردود الفعل بين نقاشات ثقافية، واهتمام بالقصص المحلية، وتساؤلات حول صناعة الفيلم، ما عكس شغف الجمهور، واتساع دائرة التلقي، وارتفاع مستوى الوعي السينمائي. ولم تكن مشاركة الأفلام حضورًا شكليًا، بل مشاركة معرفية وثقافية أكدت أن السينما باتت جزءًا أصيلًا من المشهد الثقافي السعودي، وعنصرًا فاعلًا في الحوار الإبداعي، جنبًا إلى جنب مع الأدب والترجمة والنشر، في مشهد يعكس التحوّل الثقافي الذي تعيشه المملكة. هكذا، بدا معرض جدة للكتاب هذا العام أكثر من فضاء للقراءة؛ بدا منصةً للقاء الفنون، ومساحةً تحتفي بالكلمة حين تُقرأ، وبالفكرة حين تُصوَّر، وبالثقافة حين تُقدَّم بوصفها مشروعًا وطنيًا جامعًا، تقوده وزارة الثقافة برؤية تتسع للجميع… ومن المملكة إلى العالم العربي والإسلامي بأسره. ٢٣ ندوة حوارية وإلى جانب العروض السينمائية، شهد معرض جدة للكتاب حراكًا فكريًا لافتًا تمثّل في تنظيم 23 ندوة حوارية على مدى عشرة أيام، قدّمت مساحات عميقة للنقاش، وجسورًا للتفكير، وأسئلة مفتوحة على التحوّلات الثقافية والمعرفية التي يعيشها المجتمع. وتنوّعت محاور الندوات بين السينما السعودية ورهانات الأصالة والاعتراف العالمي، وكيفية الموازنة بين الهوية المحلية ومتطلبات الحضور في المهرجانات الدولية، مرورًا بندوات تناولت جسور التفاهم وصناعة الحوار الحضاري، ودور القيم في بناء خطاب ثقافي قادر على مخاطبة العالم بثقة ووعي. كما فتحت الندوات أبواب الفلسفة على القارئ العام، من خلال نقاشات حول تبسيط المفاهيم الفلسفية، وأدوات قراءة النص، وتحويل التفكير الفلسفي إلى ممارسة يومية، في محاولة لإعادة الاعتبار للفكر بوصفه فعلًا إنسانيًا مشتركًا لا حكرًا على النخب. ولم تغب الفنون الأدائية والسردية عن هذا المشهد، حيث ناقشت بعض الندوات بناء الشخصيات والحبكة من منظور نفسي ومسرحي، وربط الإبداع الدرامي بفهم أعمق للإنسان وصراعاته، فيما توقفت أخرى عند الرياضة بوصفها قوة ناعمة ومنصة للتواصل الثقافي والإعلامي، ودورها المتنامي في صناعة الصورة الذهنية وبناء التأثير. كما حضرت المانجا والكوميكس السعودية ضمن هذا الحوار الثقافي، في قراءة لتطوّر القصص المصوّرة محليًا، وتحولها من الهواية إلى الاحتراف، وما تتيحه من فرص جديدة للشباب في الاقتصاد الإبداعي وصناعة المحتوى البصري. بهذا الزخم، بدا معرض جدة للكتاب أكثر من حدث ثقافي عابر؛ بدا مختبرًا حيًا للأفكار، تلتقي فيه السينما بالأدب، والفلسفة بالفنون، والحوار بالإبداع، في مشهد يعكس رؤية وزارة الثقافة في صناعة فضاء ثقافي شامل، يتسع للاختلاف، ويؤمن بأن الثقافة حين تُدار بتكامل… تصنع أثرًا يتجاوز المكان والزمان.