عمل أمينًا عامًا لرابطة العالم الإسلامي ونائبًا لرئيس مجلس الشورى:

عبدالله نصيف.. الجيولوجي الذي كرّس عمره لخدمة الدين والوطن.

انتقل إلى رحمة الله يوم الأحد الماضي الأستاذ الدكتور عبدالله عمر نصيف، الأمين العام السابق لرابطة العالم الإسلامي، ونائب رئيس مجلس الشورى سابقًا، عن عمر يناهز 86 عامًا، قضى منها ما يقارب خمسة عقود في خدمة دينه ووطنه. ولد الراحل في قصر جدّه الشيخ محمد بن حسين نصيف بجدة بتاريخ 17 جمادى الأولى عام 1358هـ الموافق 5 يوليو 1939هـ، ولا شك أن “بيت نصيف” غني عن التعريف، فحينما ضم الملك عبدالعزيز آل سعود الحجاز، كان قصر نصيف مركزًا لإقامة الملك وعقد الاجتماعات التي ترتب أمور الدولة كلما جاء إلى جدة، وكانت فترة إقامته تزيد على الشهرين أحيانًا، وقد استمر على ذلك أكثر من 12 عامًا، وشهد قصر نصيف كثيرًا من الاتفاقيات التي وقعها الملك عبد العزيز طيب الله ثراه مع السفراء ومندوبي مختلف البلدان، كما أخذ فيه الملك المؤسس البيعة على العلماء والأعيان من أهل الحجاز. تلقى الراحل عبدالله نصيف رحمه الله، تعليمه في مدارس جدة حيث درس الابتدائية والمتوسطة في المدرسة السعودية، واهتمت والدته، صديقة شرف الدين رحمها الله، بتربيته وتعليمه وحرصت على أن يحفظ القرآن الكريم، كما علمته في صغره الاهتمام بشؤونه الخاصة والاعتماد على نفسه، ثم أكمل المرحلة الثانوية بالمدرسة النموذجية التي تم إنشاؤها عام 1375هـ. وانتقل عبدالله نصيف إلى العاصمة الرياض حيث التحق بجامعة الملك سعود لإكمال دراسته الجامعية فنال بكالوريوس العلوم في (الكيمياء/الجيولوجيا) عام 1964م بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وعين معيدًا بقسم الجيولوجيا لفترة وجيزة، قبل أن يبتعث لإكمال تعليمه في بريطانيا حيث نال شهادة الدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة ليدز عام 1971م. وفور عودته من الابتعاث، عمل أستاذًا مساعدًا بقسم الجيولوجيا في كلية العلوم بجامعة الرياض من 1391-1393هـ، ثم انتقل لجامعة الملك عبد العزيز بجدة حيث عمل أستاذًا مساعدًا في الفترة من 1393- 1396هـ، كما عين رئيسًا لقسم الجيولوجيا بكلية العلوم لعامي 1393-1394هـ، ورقي إلى أستاذ مشارك بكلية علوم الأرض عام 1397هـ، ثم عين أمينًا عامًا للجامعة بين عامي 1394-1396ه، ثم وكيلًا للجامعة من 1396 إلى 1400هـ، قبل أن يعين مديرًا للجامعة من 1400 إلى 1402م، وفي عام 1403 أصبح أستاذ (بروفيسور) بجامعة الملك عبد العزيز بجدة. حصل على الدكتوراه الفخرية من عدة جامعات منها جامعة الخرطوم بالسودان، وجامعة أم درمان الإسلامية بالسودان، وجامعة العلوم في ماليزيا، وجامعة جنوب الفلبين، وجامعة مانيلا بالفلبين وغيرها. الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بعد أكثر من عقد على عمله الأكاديمي، عين الدكتور عبدالله نصيف أمينًا عامًا لرابطة العالم الإسلامي عام 1403هـ، وهو المنصب الذي ظل فيه عشر سنوات، شهدت تنقلاته وسفرياته للعديد من الدول الإسلامية، كما اختير نائبًا لرئيس الندوة العالمية للشباب الإسلامي في المملكة العربية السعودية. نال الدكتور نصيف العديد من الجوائز والأوسمة منها جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1411هـ، ووسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى عام 1424هـ، وجائزة صانع السلام العربي، وغيرها من الجوائز. وقال عنه موقع جائزة الملك فيصل: “تمثَّلت جهود الدكتور نصيف، قبل تولِّيه الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي، بالنشاط المتصل بين الشباب الجامعي والمشاركة في مختلف اللقاءات الإسلامية. أما إبَّان تولِّيه الأمانة العامـة للرابطة فقد تحقَّق، بفضل سماحته وحيويته، كثير من مناهج العمل الإسلامي في الرابطة، وبذل جهودًا كثيرة لدراسة أوضاع الأقليات الإسلامية وحلّ مشكلاتها، وبرز جهده هذا في مشروع الإغاثة الإسلامية المعروف بسنابل الخير الذي يرمي لإنقـاذ الجموع الفقيرة في أطراف العالم الإسلامي من الفقر والجهل والمرض. وتقلد عددًا من المناصب، منها: - نائب رئيس مجلس الشورى عام 1993. - أسس ورأس مؤسسة عبد الله بن عمر نصيف الخيرية عام 1999. - رئيس مجلس هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية عام 2000. - رئيس مؤتمر العالم الإسلامي عام 2001. - منح وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى عام 2004. ترك معالي الدكتور عبدالله نصيف إرثًا غنيًا حيث عمل على مساعدة الفقراء والمحتاجين، ونشر تعاليم الإسلام؛ كما أسس مؤسسات خيرية، منها: “مؤسسة د. عبدالله نصيف الخيرية”، و”جمعية خيركم لتحفيظ القرآن الكريم”. أما عضوياته فهي متعددة ومتنوعة فقد حصل على زمالة الجمعية الجيولوجية بلندن، والجمعية الجيولوجية الأمريكية، وكان عضوًا في مجلس أمناء جامعة دار السلام في نيومكسيكو، والكلية الإسلامية الأمريكية في شيكاغو بالولايات المتحدة، والأكاديمية الإسلامية في كيمبردج ببريطانيا، والأكاديمية الملكية المغربية، ونائب الرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، ورئيس مجلس أمناء كل من: معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في جامعة فرانكفورت بألمانيا، والمركز الثقافي الإسلامي في جنيف بسويسرا، والمركز الإسلامي الثقافي في سيدني باستراليا، والجامعة الإسلامية في النيجر، والجامعة العالمية الإسلامية في شيتاجونج، وجامعة دار الإحسان في بنجلاديش. نائب رئيس مجلس الشورى بعد عشر سنوات من العمل في رابطة العالم الإسلامي، عين الدكتور عبدالله نصيف نائبًا لرئيس مجلس الشورى من عام 1413هـ إلى 1422هـ (1993 – 2002م)، حيث ساهم بحكمته ورؤيته الواسعة في خدمة المصلحة الوطنية. ومن مناصبه أيضًا: أمين عام المجلس الأعلى العالمي للمساجد، ورئيس هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، ونائب رئيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وأمين عام المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، وعضو مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، وعضو مجلس إدارة نادي مكة الثقافي الأدبي، وعضو الأكاديمية الملكية المغربية، ورئيس النادي العلمي بجدة، ورئيس صندوق التمويل الكشفي العربي. اهتمامه بالحركة الكشفية كان للدكتور نصيف اهتمام بارز بالحركة الكشفية التي التحق بها مبكرًا وتحديدًا منذ عام 1956م، وله إسهامات مميزة في خدمة أهدافها المتمثلة في مساعدة الآخرين وبذل الخير ونشر السلام، وقد ترأس الاتحاد العالمي للكشاف المسلم، وكان له دور كبير في تأسيس رابطة رواد الكشافة السعودية. ونظير إسهاماته البارزة في الحركة الكشفية فقد كرم الدكتور عبدالله نصيف في العديد من المناسبات والمحافل، وقد حصل على الشارة الخشبية كما مُنح ميدالية الكشاف العربي عام 1401هـ/1981م، ووسام الذئب البرونزي من الكشافة العالمية ووسام الصقر الفضي من اليونان، وكان عضوًا بلجنة البرنامج العالمي في مكتب الكشافة الدولي، وقد شارك في مؤتمرات وندوات كشفية عديدة. مؤلفاته طبعت له العديد من الكتب والمؤلفات ومنها: - دراسة بترولية لصخور طريق قفط القصير بالصحراء الشرقية - مصر، معهد الجيولوجيا التطبيقية. - الصخور الجرانيتية والميتاموفية في منطقة الطائف بغرب المملكة العربية السعودية. – جمعية الجيولوجيا بأمريكا. - الدرع الجرانيتي – بالاشتراك. -الجيولوجيا الكيميائية والجيولوجيا الزمنية لصخور الجرانيت. - كتب العلوم الطبيعية للدكتور نصيف والعلوم الاجتماعية مع الدكتور إسماعيل رجا الفاروقي. - انبثاق التضامن الإسلامي. - الإسلام والشيوعية. - العلوم والشريعة والتعليم، بحث باللغة الإنجليزية. - دور الإيمان والتعاليم الإسلامية في تدريس العلوم الطبيعية والتطبيقية. عالم جيولوجي ينصر الإسلام قال عنه الأستاذ محمد حسين زيدان لدى تكريم د. نصيف في اثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة: “عبد الله نصيف عرفته مديرًا للجامعة، ولقد عرفت أباه وعرفت جده، الأفندي محمد نصيف، عندما ذكرت بيوت الضيافة في هذا البلد، كان في هذا البلد في جدة بيت للضيافة، بيت الأفندي نصيف يستضيف كل علماء المسلمين الذين حجّوا والذين جاؤوا، وبيت ماجد الكردي العريان في مكة أيضًا، كانا بيْتَيْ ضيافة، ما كانت هناك فنادق، فقد كان بيت الأفندي نصيف هو بيت الضيافة. لا أحسب الأفندي نصيف جدة قد أكل مرة على مائدته وحده، ولقد كنت في بعض الأيام ضيفًا عليه. الدكتور عبد الله نصيف ما كنت أعرف أنه يحمل هذه الكثرة من المهام. من غرس الهمة الكبرى في هذا الشاب؟ أي علم هذا؟ أي أعمال هذه التي يحتملها هذا الشاب؟ ولكنه الطموح، ولكنها الأصالة”. إلى أن قال: “وعجيب أن يكون عالم الأرض الجيولوجي عالمًا ينصر الإسلام والمسلمين ويربط بينهم في الرابطة، رابطة الجامعة الإسلامية، كأنما أرضه المقدسة لم تعطه بترولًا في يده، لم تعطه ذهبًا، وإنما أعطته قيمتها، قيمة هذا الدين، هذا الإسلام، فقيمة هذه الأرض حرمًا وسياجًا هو إسلامها، دينها، مبادئها، قيمها، أخلاقها، والدكتور عبد الله نصيف قد حاز كل هذه المكارم كرّمه الله”. أما الدكتور محمد عبده يماني فقال عنه في اثنينية خوجة: “كما ذكر أستاذنا الشيخ محمد حسين زيدان كان أبوه رجلَ فضل وأمه صاحبة فضلٍ، تصدت لكثير من القضايا الخيرة في قضايا التربية الإسلامية، وعملت بنفسها وبجهدها وبيدها فجاء هذا النتاج الطيب من أصل طيب، وعائلة كريمة. وأنا أحتار عندما أتكلم عن صديق كالدكتور عبد الله عمر نصيف، فقد زاملته لسنوات طويلة، ورأيت فيه الكثير من الجوانب الخيّرة، ولعل أهم ما يميز الدكتور عبد الله نصيف أنه رجل يسير بين الناس بقلبه، رجل له قلب، ورجل يحمل ثروته وراتبه على كفه، ورجل لا تستطيع أن تخطئ النظر إلى وجهه بتلك العاطفة الطيبة، والابتسامة الكريمة، يبتسم لكل من يلقاه، يبتسم في الرخاء ويبتسم في الشدة، هو ممن يألف ويؤلف، وهذه نعمة من نعم الله عزّ وجلّ، يسرني فيه أنه رجل متواضع، ومن تواضع لله رفعه، وقد رفعه الله سبحانه وتعالى وأكرمه، وجعله ممن يتصدّون لخدمة الناس ولتتبع حاجات الناس، وهذه قضية مهمة، لأن لله سبحانه وتعالى كما هو في الحديث رجالاً يختصهم بقضاء حاجات عباده، فيجعلهم من الآمنين يوم القيامة، من الآمنين من الفزع الأكبر، ممن هم على منابر من نور ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. لكني أحسب من الحق أن أقول: إنه رجل ينطبق عليه قول الشاعر: وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام هذا رجل لم يُتعب جسمه، وإنما أتعب أهله وأولاده وحتى جيرانه، رجل تصدى للخير، وشاء الله أن يُختار لموقع خطير بالنسبة لعالمنا الإسلامي، فرابطة العالم الإسلامي يُنظر إليها على أنها مؤسسة تقود تحرك مجال العمل الإسلامي في كل أنحاء العالم، ولعل الله سبحانه وتعالى قد أكرم هذه الحكومة باختيار رجال أفاضل لتولي مهام أمانة الرابطة منذ إنشائها؛ هم على التوالي: معالي الشيخ محمد سرور الصبّان رحمه الله تعالى، ثم فضيلة الشيخ محمد الحركان، فضيلة الشيخ صالح القزاز، وجاء أخي الدكتور عبد الله عمر نصيف ليتمم حبات هذا العِقد المتصل بإذن الله تعالى، ويحمل هذه المسؤولية في أمانة وصدق وإخلاص، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في جهده وأن يأخذ بيده لمزيد من الخير”.