رحلة علمية فريدة للدكتور عبد الله الربيعة ..

جراح التوائم السيامية الذي أصبح بطلاً روائياً !

بعد أن رأينا مؤخرا قائمة من فازوا بجائزة نوبل هذا العام في مختلف الميادين ومن مختلف الجنسيات ومن ضمنهم العالِم السعودي العربي الأمريكي السيد عمر ياغي، فإننا من حقنا ان نحلم لنفوز مرات ومرات وفي أن يفوز العام القادم أحد أبناء الوطن من العلماء السعوديين البارزين الذين أمضوا سنوات عمرهم في خدمة الوطن والعلم والبحث العلمي وقاموا بإنجازات على مستوى الوطن وعلى مستوى العالم علمياً وإنسانيا والذين يستحقون التقدير والثناء الوطني والدولي على ما قاموا به. نعم في بلادنا ولله الحمد يوجد عدد لا بأس به ممن بلغوا من المكانة العلمية في مختلف المجالات مكانا عالياً ويستحقون ان ينظر اليهم وان يتم إبرازهم إعلاميا وباللغات الأجنبية وخاصة باللغة الإنجليزية، وان يتم الحديث عنهم ليس محليا فقط بل ودوليا من خلال الصحافة المحلية والدولية ومن خلال القنوات الفضائية الرسمية والخاصة لكي يعرف الكل وخاصة الآخر ما تملكه بلادنا الغالية من طاقات مؤهلة تأهيلا عاليا لا يقل عن نظرائهم في الغرب، بل وانجازات قد يكونون متفردين بها، وأيضا لكي تتعرف عليهم الجهات ذات العلاقة بالتكريم والإشهار وتقديم الجوائز التقديرية وخاصة جائزة نوبل العالمية. طبعا لدينا في بلادنا جائزة عالمية لا تقل مكانة عن نوبل وهي جائزة الملك فيصل العالمية، والتي دفعت بالفائزين بها الى البروز والحضور الدولي مما مكن بعضهم بعد ذلك في الفوز بجائزة نوبل. لذا ففي عالم القدرات السعودية التي أمضت سنوات من عمرها في خدمة الوطن العزيز والعِلّم وخدمة الإنسانية يتبادر الى ذهننا أحد اهم الشخصيات العلمية الطبية البارزة وطنيا ودوليا وهو معالي المستشار الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة الذي بحق يستحق الثناء والتقدير الدولي لما قابه على مدى أكثر من ثلاثين عام من الجهد والنجاحات وزرع الأمل والفرح في قلوب كثير من الاسر من مختلف الجنسيات. ان الدكتور عبدالله الربيعة متخصص في فصل التوائم السياميين من مختلف الجنسيات وعلى مدى 35 عام، وهو أيضا المشرف على مركز الملك سلمان للإغاثة والاعمال الإنسانية. الدكتور عبد الله بن عبد العزيز بن محمد الربيعة من مواليد شهر فبراير 1955م بمدينة الرياض؛ بعد أن أكمل تعليمه الثانوي التحق بكلية الطب في جامعة الملك سعود بالرياض وتخرج منها سنة 1979 بدرجة بكالوريوس في الطب وبامتياز. وقد كان سبب اختياره للطب يعود كما يقول “لقول والده له وهو صغير عندما تعرض في طفولته لاصطدام دراجته مما تسبب في جرح في راسه فذهب به ابوه لطبيب أجرى له عملية تخييط للجرح بلا مخدر، مما سبب له آلامًا شديدة، مما جعل والده يواسيه قائلا له: «ستصبح يا يومًا ما يا عبدالله جراحًا، وإن شاء الله ستخيط الجروح دون ألم». فبقيت هذه الجملة عالقة في ذهنه وترافقه في صباه وخاصة عندما سجل في الجامعة حيث اختار التسجيل في كلية الطب”.  الربيعة لم يكتفِ بتخرجه متفوقًا في البكالوريوس بكلية الطب ليتوظف، وإنما تمكن من الحصول على درجة الامتياز خلال العام الذي قضاه متدربًا في مستشفى الملك خالد ومن ثم عمل في عدة مستشفيات سعودية، ثم سافر إلى كندا من أجل الحصول على درجة الماجستير في جراحة الأطفال المشوهين خلقيًا من جامعة ألبرتا سنة 1985. وبعد نيله هذه الدرجة بقي في كندا لنيل زمالة جراحة الأطفال من جامعة ألبرتا أدمنتون، وأكمل تخصصه في الجراحة العامة وأمراض الأطفال بجامعة دلهاوسي بمدينة هاليفاكس في مقاطعة نوفا سكوشيا الكندية سنة 1987. ليعود الى بلاده عام 1988، ليبدأ فصلاً جديدًا من حياته، فشغل في الفترة ما بين عامي 1989 -2010 العديد من المناصب الطبية الاستشارية والوظائف الإدارية القيادية في مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض، ومستشفى الملك فهد بالحرس الوطني بالرياض، ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، ومستشفى الملك خالد للحرس الوطني بجدة، والهيئة السعودية للتخصصات الصحية، وكلية الطب بجامعة الملك سعود، فكان متميزًا في جميع مناصبه كعادته. وما بين هذا المنصب وذاك وجد الدكتور الربيعة بعض الوقت لإعطاء اهتمام خاص بأمراض البنكرياس لدى الأطفال الرضع، ومشاكل المواد الكيميائية التي تتسبب في تليف وحروق الجهاز التنفسي والهضمي لدى الأطفال، بل أشرف على حالات عديدة منها ونشر خبراته العملية عنها. لكنه اتجه الى العمل في المجال الذي تخصص فيه أي في جراحة الأطفال المشوهين والذي نال فيها الزمالة من الجامعة الكندية المتميزة في هذا المجال. ان ثقة القيادة الرشيدة في الكوادر الطبية والعلمية السعودية جعلتهم يبدعون وبذلك اذهلوا العالم، وخاصة عالم العِلّم والإنجازات الذي بدأ يلتفت إلى المملكة وينظر إليها نظرة اعتراف بما تم وتقدير للمنجزات التي تمت، وهنا لا ننسى دور الاعلام بمختلف وسائله الذي قام بتغطية الجهود والنجاحات السعودية فتناقلته وسائل الاعلام الدولية الاكثر مهنية ومصداقية؛ ليرى العالم ما وصلت اليه المملكة وعلمائها، وإنسانية قادتها واتخاذهم القرارات المصيرية لإنقاذ حياة بشر من مختلف بقاع الدنيا، حتى وصل عدد العمليات لفصل التوائم السياميين اليوم أكثر من 60 عملية كلها كللها الله بالنجاح. لقد كان الاهتمام والدعم من القيادة المباركة أسساً في نجاح البرنامج السعودي لعمليات فصل التوائم المتلاصقة، الذي أصبح نموذجًا عالميًا للعمل الإنساني والطبي فتحوّلت المملكة إلى مركز عالمي لفصل التوائم الملتصقة، بل وأصبحت رائدة في هذا المجال وفي الإنساني والطبي بصفة عامة، بفضل جهود القيادة وكفاءات أبنائها الذين حملوا الراية في المجالات العلمية والطبية والإنسانية. وفي هذا الشأن نجد معالي الدكتور الربيعة في إحدىَ لقاءاته الإعلامية يتطرق إلى البرنامج السعودي لفصل التوائم الملتصقة الذي اطلقته المملكة عام 1411هـ / 1990م ومن انه قام بدراسة وتقييم (150) حالة من مختلف دول العالم خلال (35) عامًا الماضية، وان البرنامج تمكن من فصل (65) حالة طفل سيامي وبنجاح -ولله الحمد- وذلك حتى عام 2023م. وقد كان عدد التوائم السعوديين الملتصقين الذين تم تقييمهم انذاك (45) توأمًا، وأجريت لهم عمليات الفصل بنجاح بتوفيق من الله. وأبان الدكتور الربيعة أن البرنامج يواصل تطوير برامجه العلاجية والبحثية، وتحديثها وفق أحدث ما توصل إليه العلِمُ، إلى جانب نقل الخبرات والمعارف المتراكمة إلى الكوادر الطبية داخل المملكة وخارجها. ومن أن النجاحات المتواصلة التي يحققها البرنامج تعكس التميز السعودي في هذا المجال الدقيق، وتعزز مكانة المملكة كمركز عالمي للريادة الطبية في فصل التوائم الملتصقة وغيرها من التخصصات الحيوية. وختم معاليه بدعاء المولى عز وجل، أن يحفظ القيادة الحكيمة ويبارك في جهودها، مؤكدًا أن هذا الدعم الكريم من لدنهم مكّن الفريق الطبي السعودي من تقديم أعلى معايير الرعاية الطبية المتخصصة، وأسهم في تحسين جودة الحياة للأطفال المستفيدين وأسرهم مما رسخ مكانة المملكة في العمل الإنساني والطبي، مشيدًا بتفاني زملائه أعضاء الفريق وما يبذلونه من عمل احترافي وإنساني يُجسّد القيم النبيلة للمملكة وشعبها في خدمة الإنسان أينما كان. وفي تطبيق وانسجام تام مع أهداف رؤية المملكة 2030. ان المملكة غدت مرجعا عالميا في عملية فصل التوائم السيامية وبذلك اصبح عمر هذه العمليات التي بداها وقادها الدكتور الربيعة اكثر من 35 عاماً، بدءاً من عام 1990م فكانت بحق مسيرة طبية علمية حافلة. وبذلك أصبحت المملكة كما ذكرنا سابقا رائدة في هذا المجال، يضاف الى هذا العمل الخيري والإنساني الذي تقوده المملكة على المستوى الإقليمي والعالمي تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين يحفظهما الله، فمركز الملك سلمان للإغاثة والاعمال الإنسانية الذي يشرف عليه معالي المستشار بالديوان الملكي الدكتور الربيعة منذ عام 2015م خير دليل على اشعاع المملكة بالخير والعطاء على الإنسانية بكل أعراقها وألوانها. لقد نال معالي الدكتور الربيعة عدد من جوائز التكريم والأوسمة من داخل المملكة وخارجها، ومنها على سبيل المثال وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى عام 2002م ووسام الملك عبدالعزيز للتميز الذي ناله عام 2003م، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من بولندا عام 2005م، ثم وسام هيئة الأطباء البولنديين للخدمات الإنسانية، وميدالية التميز في جراحة الأطفال وفصل التوائم من الأكاديمية الطبية البولندية عام 2007م، ثم جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للشخصيات العربية المتميزة في عام 2011/‏2012، وجائزة الاعتدال في دورتها الثالثة من الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين /‏ أمير منطقة مكة المكرمة عام 2019م. ولقد اختارته الأديبة الرومانية «دومنيكا ستيف اليزل» بطلاً لروايتها المعنونة بـ«الحب واليأس» عن قصة عملية فصل التوأم الماليزيين التي أجراها الربيعة سنة 2002، وذلك تعبيرًا عن امتنانها لإنجازاته. إن أعمال الدكتور الربيعة الطبية والإنسانية واشرافه على مركز الملك سلمان للإغاثة والاعمال الإنسانية الذي مقره الرئيسي قي الرياض والمختصر اسمه باللغة الإنجليزية تحت اسم KSrelief)). خير دليل على عطاء الدكتور الربيعة وانسانيته. بحق لقد اخذنا التاريخ نحو هذه الشخصية التي حققت التميز السعودي على المستوى الدولي ومن ان هذا ليس وليد اليوم، بل يعود لمسيرة امتدت لأكثر من 35 عام مما منحه لقب أب التوائم وأملهم، فهو من الشخصيات العالمية المتميزة التي قدمت نموذجًا للنجاح في مختلف مجالات الحياة، حيث حقق توازنًا ناجحًا بين واجباته كرب أسرة وكمسؤول وكطبيب وعالم في مجاله لخدمة الصالح العام - خدمة الجميع. إن تفانيه في الخدمة العامة كهدف أساسي له سمح له بالقيام بواجبات متنوعة مع التركيز على خدمة بلده والإنسانية، وإن تميزه لم يكن وليد صدفة أو فرصة عابرة، بل ولد من رحم تجارب صعبة وبحث وتعلم وتجارب عديدة، ولذلك فبصمته ليست وليدة يوم وليلة، فهو شخصية مثابرة مجدة ومحبة للطب وشغوفة بالأبحاث والكتابة والسفر. اننا بحق أمام شخصية هي في رحلة فريدة ومستمرة لطبيب وجراح وباحث ووزير ومستشار - ذلك هو معالي الدكتور عبدالله الربيعة. ونختم هنا فنورد تعليق للدكتور الربيعة ينم عن تواضع الكبار في المجالات العلمية وخاصة الجراحية، حيث يقول “ان عمليات فصل التوائم الساميين مهمة وصعبة وخاصة في اتخاذ القرار للقيام بذلك، حيث يقول إن “مسيرة التوأم لم تكن بساطاً أحمر، فأول حالة في التخصصي أرسل لنا الملك فهد – رحمه الله – يستشيرنا، فمكثنا شهرين واكثر لدراستها، وبعد دراسة طويلة وافقنا على إجراء العملية، وكانت بداية النجاح لنا، لكن لا يعني هذا أنك اذا نجحت مرة من أنك ستنجح في كل المرات، فعالم الطب وخاصة فصل التوائم السياميين فيه شيء من المخاطرة وبذلك فقد تفشل بعضها، لكن الحمد لله كان الفشل قليل جدا مقابل النجاح الكبير والملحوظ على مستوى العالم”. للدكتور الربيعة كتابًا باللغة العربية بعنوان تجربتي مع التوائم الملتصقة، وتم اختصار هذا الكتاب في موجز باللغة الإنجليزية. ايضا له أكثر من 30 ورقة عمل مختصرة في ندوات وورش عمل وحلقات نقاش طبية. وقد ألف وساعد في كتابة أكثر من 40 ورقة عمل وكتاب. ومن منجزاته في مجال الإغاثة والاعمال الإنسانية بدء العمل في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الرئيسي في الرياض بتكليف من القيادة الرشيدة. وقد كانت البداية بـ 50 موظف أو أقل، وتطور المركز بسرعة واصبح له فروع في كثير من الدول وخاصة في الدول المتضررة الى ان وصل لأكثر من 195فرعا او مركزا قُدمت من خلالها المساعدات الإنسانية والإغاثة السعودية في جميع أنحاء العالم لضمان سد حاجات المعوزين والمتضررين في كل مكان بل وتحقيق قدر من الاكتفاء لهم في مجال الأمن الغذائي وفي مجالات الصحة والمياه والصرف الصحي والتعليم والنساء والأطفال والتطعيم والمأوى. * إعلامي ومترجم