الباحث الاماراتي يستكمل مشروعه بكتاب « الرحلة في المنام » ..

علي العبدان يفتح أبواب الحلم في التراث العربي .

في كتابه “الرِحلةُ في المَنام”، يأخذنا الكاتب والباحث الإماراتي علي العبدان في رحلة شيّقة يجول بنا من خلالها في عوالم الأحلام مُستحضراً صورتها في كتابات الأقدمين ومدونات الرحّالة متوقفاً عند مشاهد الإرتحال في المنام، وشارحا طبيعة الإختلاف في طبيعتها وتفسيرها، ومُستعرضاً مناهج تأليفها وتفسيرها في التراث العربي. والكتاب هو استكمال لمشروع يعمل عليه “العبدان” منذ سنوات، ويهدف من خلاله لتقريب معرفة تفسير الأحلام في التراث العربي من قراء اليوم، من حيث يمكنهم فهم واستيعاب ما يحويه هذا الجزء الكبير من التراث العربي والإسلامي الروحي، الغني بالأدبيات والخبرات النفسية، وبمهارات الاشتقاق اللغوي، وبفهم التضمينات والاستعارات والكنايات والرموز، وكذلك الأمثال السائرة والعادات والتقاليد، العامة منها والخاصة. ويأتي كتاب “الرِحلةُ في المَنام” الصادر حديثاً عن معهد الشارقة للتراث، ليغطي جانباً من معاناة هذا الجزء من التراث من الإهمال في تحقيق مخطوطاته وإخراج وطباعة مؤلفاته على نحو جيد. وفي هذا السياق يقول علي العبدان في مقدمة كتابه، إن هذا التراث لم يحظ بكثير من الجهد في سبيل فهمه على نحو مُجرَّد من الأوهام التي تحوم عليه، سواء من مناهضي التراث العربي والإسلامي الذين يرون أنه من المعارف غير الموضوعية، أو غير العلمية، أو أنه من الشعوذة والخزعبلات أو - في المقابل من المتحمسين لهذا التراث ولكن دون أن يبذلوا التحقيق المناسب له إلا في النادر، أو دون أن يبذلوا جهداً مناسباً في سبيل تطوير مباحثه بما يُناسب عالم اليوم، أو حتى دون توضیح قواعدِهِ وتبسيطها للناس، وربما كانوا - خاصةً مُفتري الأحلام منهم - يفعلون ذلك رغبة في إبقاء جمهورهم محتاجاً إليهم. إضافة إلى عدم الوعي بضرورة النظر إلى هذا الموضوع بنظرة العصر، وما فيه من أجهزة و مخترعات جديدة تتعلّق بعلم النوم، وعلم الدماغ، وعلم الأعصاب، بل ما حَدَثَ فيه من تطور في الرموز المنامية ذاتها. ويضيف “العبدان”:”إنه لمن المستغرب أن يهتم بعض غير العرب بقراءة وفهم وتفكيك مباحث تفسير الأحلام في المؤلفات العربية والاستفادة منها إناسياً (أنثروبولوجياً) أكثر من العرب أنفسهم”. وضرب لنا علي العبدان مثالاً على ذلك بكتاب (أحلام الخليفة) للألمانية الراحلة آنا ماري شيمل إلا مثال ظاهر على ذلك ). ومن هنا جاء سعي “العبدان” لإنجاز مشروع لتجريد كتاب شبه موسوعي حول هذا الموضوع الحيوي. كتاب “الرِحلةُ في المَنام”، الذي يدور في فلك علاقة الأحلام بالسفر والإرتحال في كتب القدماء، يتكوّن من مقدمة وثلاثة فصول، منها مدخل موجز إلى الاختلاف في طبيعة تفسير الأحلام، ذكر فيه المؤلف منهج العلماء المسلمين في تقسيم أنواع الرؤيا، ثم شيئاً من قواعد تعبير الرؤيا لديهم، مع مقارنة بينهم وبين المسيحيين القدماء، ومن جاء بعدهم في مرحلة الحداثة، مثل سيغموند فرويد، وصولاً إلى المعاصرين، مثل جون ألان هوبسون. وفي الفصل الثاني من الكتاب، وضّح المؤلف مناهج التأليف في تفسير الأحلام في التراث الإسلامي، مُصوّباً فيه بعض آرائه السابقة في هذا الموضوع. وأما الفصل الثالث فقد استعرض فيه مؤلف الكتاب، مادة السفر والارتحال بانتقاء من أربعة كتب مختارة، قام بإيضاح فقراتها، والتعليق عليها، وإبداء الملحوظات وبدأها بكتاب (تفسير الأحلام لأرتميدوروس. ولم يعتمد المؤلف على ترجمة إسحاق بن حُنَيْن لهذا الكتاب، بل ترجم الفقرات محل البحث بنفسه من طبعة أوكسفورد. ثم كتاب (البشارة والنذارة) لأبي سعد الحركوشي الواعظ، فكتاب المعلم على حروف المعجم) لابن غنام المقدسي ثم كتاب (الإشارات) لابن شاهين الظاهري. واختتم المؤلف علي العبدان كتابه بوضع مسرد للمصادر والمراجع، ولفت إلى أنه أستعمل مصطلحات في عامة مؤلفاته السابقة في تفسير الأحلام، قد لا يوافق عليها اللغويون المحافظون مثل كلمة (اللاوعي)، باعتبار أنه لا يجوز دخول (لا) على الكلمة بهذه الطريقة، موضحاً أن هذا المصطلح شائع الاستعمال، ويؤدي الغرض تماماً، ولم يجد حرجاً من استعماله. ولفت - كذلك – إلى أنه قد يجد القارىء شيئاً من العامية في كلام مفسري الأحلام الذين نقل عنهم في هذا الكتاب، سواء في المفردات، أم في الصياغة النحوية، أو في الأساليب، وذلك - فيما رآه - بسبب كثرة تعاملهم مع العامة الذين يطلبون تفسير أحلامهم، فيداخل أسلوبهم أسلوب المفسرين وكلامهم، وشيئاً فشيئاً يميل المفسرون إلى استعمال كلمات العامة في كتبهم، خاصةً أن أكثر الرؤى التي يستشهدون بها في تلك الكتب قد رويت لهم بالعامية. ونوّه مؤلف الكتاب إلى أنه أورد بكتابه مسائل قديمة يذكرها المفسرون في كتبهم؛ قد لا يستسيغها كثير من الناس اليوم، وأنه ينبغي العلم بأن أولئك المفسرين كانوا يتعاملون مع مجتمعات العصور التي كانوا فيها، وما اتسمت به من مفاهيم وأحكام، وعادات وتقاليد، فهم يتحدثون بمنطق العصر الذي عاشوا فيه، فيما نحن نتحدث بمنطق عصرنا، وأن تلك المسائل القديمة، إذا بُحثت ونُظر فيها جيداً، قد تعيننا في الفهم والنقد، وتصويب الآراء. ونبّه إلى أن بعض فصول هذا الكتاب قد وردت من قبل في مُؤلَّفَي السابقين: (البحر في الرؤى والأحلام)، و(الطيور في الرؤى والأحلام)، وذلك مثل فصل الاختلاف في طبيعة الأحلام وتفسيرها، وكذلك فصل التمهيد لمناهج التأليف في تفسير الأحلام في التراث العربي، وما يشتمل عليه هذان الفصلان من مباحث. وقد أوردت ذلك كله هنا مع مراجعة، وتصويبات، وإضافات يسيرة جداً، وذلك لما لتلك المباحث من أهمية في سياق معرفة أصول تفسير الأحلام، وأهم مصادره ومناهجه في التراث العربي، ولأنه قد يقف على كتابي هذا من لم يقف على كتابي الآخرين، فكان لابد من إيراد هذه المباحث المهمة، كي يطلع عليها من يحتاج إليها. ومع ذلك، لا تخلو هذه المباحث المعاد ذكرها من فائدة جديدة، أو تصويب خطأ قديم. يُذكر أن للكاتب والباحث علي العبدان، جهود سابقة في هذا المجال، تمثّلت في مؤلفات و محاضرات وأبحاث وأوراق عمل عديدة من بين عناوينها: “تفسير الأحلام في الثقافة الإسلامية ومناهج التأليف في هذا العلم”، و”تفسير الأحلام في التراث العربي”، و”مناهج التأليف في تفسير الأحلام في التراث العربي”، و” أحلام الموسيقا والغناء في الثقافة الإسلامية”، و” البحر في الرؤى والأحلام - دلالاته ومعانيه في ضوء التراث الثقافي الإسلامي”، و” ورقة الأحلام الخوارزمية”، و”الطيور في الرؤى والأحلام”، و”رأيت في ما يرى النائم - تفاسير الأحلام في التراث العربي”.