حين يُصبح العلم طبيبًا!
ليس الحديث عن فضل العلم جديدًا، لكن تأمله بوصفه حياةً لا معلومة هو ما يستحق الوقوف عنده. فلا أحد يُنكر ضرورة الماء، لكن العلم كحالة تلقٍّ، يشعر البعض بثقله على النفس، أو هكذا تمّ الربط بين العلم بشكله الكلاسيكي (طالب ومعلم وفصول دراسية)، رغم إيماننا بأهمية الأخير، خصوصًا في بناء الأرضية الأولى. أتحدث عن العلم كخلطة نفسية دائمة للحياة، تجعلك أكثر اتزانًا وأصلب عودًا أمام تقلباتها، لأنه صحة للبدن والعقل. بمعنى أنه مكسب لك وطبيب يرعاك بعد الله، ورفيق درب يربّت على كتفك إن ضاقت السبل، وأشبه بمدرب لياقة يعرف كيف يحرك بدنك. وحين ينفض السامر ويقلّ الصديق، تشعر به داخلك وحولك، يُشعرك أن الحياة أعظم من كل ذلك، وأن قلبك لا يزال ينبض. عليك فقط أن تعرف الطريق إلى المعرفة التي تنير حياتك وقد قيل: والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه كما يُجلي سواد الظلمة القمر نقرأ عشرات المقالات في فضيلة العلم ومجالسة أهله، لكنها في الغالب تعبّر عن مقدرات أصحابها ومواهبهم وكيف يخاطبون العقول، في حين نفتقر لموضوعات نلامس بها زوايا أخرى بالعلم تقربنا من معرفة أنفسنا، وهو ما نحتاجه خصوصًا في هذا الزمن الذي ترتدي فيه معظم الأشياء حولنا ثوب الرقمية والرتم السريع. ومن خلال تجارب الحياة، تلاحظ أن الاستمرار في العلم والمعرفة لذاتها حتى بعد نيل أعلى الدرجات العلمية أمر جميل جدًا. لماذا؟ لأنك ترى أن من يهتمون بديمومة المعرفة يملؤون الحياة بهجة وتفاؤلًا: تجدهم في المجالس والمنتديات والمعارض والمؤتمرات، وهم أصحاب أفكار نيّرة وطموحة. ينعكس ذلك على صحتهم النفسية والجسدية وداخل أسرهم، فهم لا يرتبطون بالعلم فقط من أجل وظيفة أو ترقٍّ، بل يعتبرونه جزءًا من حياتهم. كلما ازدادت معرفتك، استمتعت أكثر، ولمست أشياء أكثر، ووجدت إجابات لأسئلتك. فالإنسان بطبيعته يحمل أسئلة، حتى لو لم يكن متعلمًا بالمعنى المهني، بل بالمعنى التأملي. إنه يطرح الأسئلة ويبحث عن إجابات، وهذه طبيعته الفطرية. ومن خلال المحطات المعرفية والثقافية، تلمس أن من يواصلون تعليمهم ويحملون رسالةً معرفيةً يُضيفون للآخرين، ولا يشعرون بثِقَل العمر. هم يكبرون مثل الأشجار والأشياء من حولهم، لكنهم يعيشون الحياة بنَفَسٍ متجدّدٍ يجعل من العلم حياةً نابضةً بكل معنى الكلمة.