جبير الإبداع والمغامرة.

منذ معرفتي الشخصية بالأديب جبير المليحان في بداية الألفية الثالثة، قرأت في ابتسامته وحواراته وعلاقاته ما يؤمن به حقًا على الصعيد الثقافي والأدبي، حيث تعرفت إليه حينما زاملته في مهنة الإشراف التربوي بالبحرين منتدبًا من المملكة العربية والسعودية مع مجموعة مشرفين تربويين، وبحكم عالم الكتابة والقراءة الأدبية والثقافية، نسجت بيننا علاقة ليست مهنية فحسب، بل ثقافية واجتماعية وأدبية استمرت لأكثر من عشرين عامًا، كانت فترة يتخللها التواصل عبر الهاتف، أو اللقاءات بين الحين والآخر، أو المشاركات في بعض المحافل الأدبية والثقافية، أو المشاركة في مجموعات التواصل الاجتماعي. كان حريصًا كل الحرص على السؤال الدائم عن النشاط الأدبي في البحرين، ودور المؤسسات الأدبية والثقافية في توطيد العلاقات مع كتاب البلدين، وأهمية المشاركة الفعلية عبر فعاليات وبرامج تعد مسبقًا، لذلك سجل له التاريخ تضحياته الاجتماعية والثقافية والعائلية حين شرع لإنشاء موقع القصة العربية القصيرة على شبكة الإنترنيت، وبجهد فردي، في وقت كانت المواقع منتشرة بلغات آخرى، إذ كان حريصًا على إبراز المبدع العربي عامة وفي السرد بشكل خاصة، إذ دعا كل الكتاب من السراد والنقاد للمشاركة في هذا الموقع، وقد نجح باكتياز، حيث استطاع في سنوات قليلة ذيوع أسماء مبدعات ومبدعين، وانتشار أمساء مكرس في بلدانهم ليكونوا معروفين عند القارئ العربي المقيم في الوطن الكبير، أو المهاجرين، بل كانت المواقع في تلك الفترة لا تنشئ إلا بجهد فكري، وتخصصي، وجهد مادي، وكل بجهود فردية خالصة، مؤمنة بالعمل الثقافي الذي ينتشل الإنسان من ظلمات الجهل إلى ضياء الفكر والفن. وفي الوقت الذي كان معنيًا بالموقع ومتابعته والاهتمام به وبالمواد المنشورة، كان مهتمًا بالمشهد الثقافي السعودي مباشرة، وقد تمثل في رئاسته إلى النادي الأدبي بالدمام فترة من الزمن، آزره وسانده وتعاون معه عدد من مبدعي المملكة عامة، والمنطقة الشرقية بخاصة، والدمام تحديدًا، فأزهرت في النادي المزيد من الأنشطة والفعاليات، وتكونت العلاقات الاجتماعي والثقافية التي كانت تركس العمل الأدبي. ومع العمل الثقافي في المؤسسات والمواقع، والتمثيل في بعض المحافل داخل السعودية وخارجها، كان منشغلاً بالكتابة الأدبية الإبداعية، إذ كتب لعالم الطفولة التي كان يعي احتياجاتها بحكم مجاله المهني، وتطلعه الأدبي، وكتب القصة القصيرة التي شهد لها المتخصصون في النقد والإبداع، كما كتب الرواية، ولكنه في الوقت نفسه يسعى إلى التجديد والتجريب الذي كان واضحًا في تجربته الإبداعية، وفي طبيعة علاقاته الأدبية والثقافية مع النخب في المشهد الثقافي السعودي، أما في تجربته التي خاضها، وهي كتابة القصة القصيرة جدًا، فيعتبر من أوائل الذين خاضوا هذه التجربة، وأبدع فيها. وهناك ملاحظة تحدثت عنها مع بعض الكتاب، وهي شخصية الأديب جبير المليحان، فهو لا يدخل في الجدالات العقيمة، ولا يرغب في إبراز دوره الثقافي، ولا يحب أن يكون الكاتب الذي يشار إليه بالبنان، إذ يرفض تمامًا الأضواء التي تخدع الكتاب، ويمقت الضجيج الذي يعلو في كل أرجاء الأمكنة من قبل بعض الكتاب أو أنصافهم، الذين يريدون موقعًا ثقافيًا، أو يؤكدون على ريادتهم في شيء ما، وهذا الابتعاد الذي يتسم بطبيعة سمو الأخلاق، جعله مقدرًا مقامًا وإبداعًا وإنسانًا عند الناس البسطاء وعند النخب، أما المدعون فهؤلاء لا تعنيه متابعتهم أو دورهم أو ملاحقة ما يكتب. نم يا صديقي في عالمك، وسيكون الخلود الناصع في جمال ذكرك الذي سيبقى معنا إنسانًا يحمل بين جوانبه الحب والفرح، والإبداع والثقافة. الله يرحمك يا أبآ أيمن، إنا لله وإنا إليه راجعون *البحرين