
قال لي في صفحة بيضاء شاسعة كضميره الذي تنمو فيه أحلام الآخرين مثل ربيع لا يتوقف عن الجمال والغناء واللعب بأيد كثيرة تمتد أبدًا إلى المستقبل المنشود، قال صاحب ديوان (بياض الأزمنة) في أول صفحة من ديوانه (مثلما نفتح الباب) بخط يده: (مثلما نفتح الباب، أو مثلما فتحنا ذات يوم “نافذة صغيرة” في جريدة اليوم. أهديك لحظة ضوء صغيرة في زماننا المشترك الطويل). طبعا ـ أبا عادل ـ أنت تملك ـ من أشياء كثيرة ـ الضوء والحلم، وأنت تسير في هذه الدنيا تشعل أيام الآخرين وتوقظ أحلامهم الغافية مغنيًا في (صباح النساء): تطل الأصابع من خدرها في الشوارع حيث يلوح اليقين يختلط الليل بالفجر والنهر بالبحر بالأمنيات. ها أنت ـ يا صديقي ـ تعد الوجبة كاملة بكل مكوناتها، لنحصل على هذه الأمنيات التي بقيت وتبقى في خطواتنا مع كل يوم نقطعه ونفتح فيه أبوابًا جديدة أخرى لأحلام أخرى وأمنيات لا تنتهي؛ بل تصدح دائمًا بصوت عالٍ نحو حرية الإنسان وانعتاقه من عوائق ماضيه وواقعه. * صديقي الشاعر علي الدميني كتب الشعر بتفرد خاص به، وأعتقد أنه أشبه بالنحت في دواوينه، ذلك أنه يكتب القصيدة الموجهة للآخرين، وليس لغواية الشعر . قصائده هي رسائله للوقت وللآخرين، ومع بروزه كشاعر في وقت مبكر إلا أن إسهاماته في المجال السردي معروفة؛ روايته (الغيمة الرصاصية)، وهي تجربته الروائية الوحيدة التي لم تأخذ حقها في الدراسات القرائية اللاحقة من قبل الكتاب. لكن هذا الشاعر برز في قراءاته التحليلية النقدية للكثير من الأعمال الأدبية ، متسلحاً بحصيلة معرفية متراكمة، ومتابعة دقيقة للمنجز الأدبي المحلي والعربي والأدب العالمي. أذكر دراسته الرائعة ((الماء وصراع الدلالات.. في قصص جبير المليحان)) في جريدة الجزيرة الثقافية، الخميس 13 رجب 1434هـ العدد 407. * كنا شبابًا؛ التحقت بجريدة (اليوم) بعد تخرجي من معهد المعلمين الثانوي بالرياض. وكان (علي الدميني) طالبًا في جامعة البترول والمعادن بالظهران. تعارفنا في مكاتب (اليوم) مع ثلة كبيرة من الكتاب والأدباء. قال لي على إن لديه صديقا فنانًا جاء من الباحة، ويرغب أن يسكن معي، رحبت بعبد العزيز مشري، ونقلته معي إلى البيت. أيام طويلة مرت ونحن ـ مجموعة من الشباب ـ لا نهدأ؛ نقرأ ونتناقش ونتجادل ونختلف ونصخب، ونكتب باستمرار. لم يمض وقت طويل وقد أمسك (علي) الإشراف على (المربد) الأدبي في اليوم. ووقفنا معه بالرأي والكتابة والتحرير.. كنت أرسم لوحات زيتية، وتم الاتفاق على أن أصمم لوحة غلاف ديوان علي الدميني الأول: رياح المواقع، وهكذا كان. دعانا صديقنا الشاعر محمد العلي لمرافقته في حفل جامعة البصرة، فسافرنا العلي ـ الدميني ـ إبراهيم الغديرـ وأنا، وهناك ولدت قصيدة علي الرائعة (السفر وثلاث ليال في ضيافة النهر). كنت وقتها قد تفرغت لعمل سكرتير التحرير في جريدة اليوم. ومضت عدة أشهر لم أستلم فيها راتبًا، وأستلف من الأصدقاء. بعد جهد حولني رئيس التحرير أ. محمد العجيان إلى إدارة الجريدة لاستلام راتب الشهور الماضية. تفاجأت أن راتبي (ألفي ريال شهريا فقط). كان مدير الإدارة قد عين في مكاتب التحرير طابعتي آلة سيدتين: (لبنانية ومصرية) براتب يفوق راتبي. قدمت استقالتي بهدوء وخرجت من الجريدة. فيما بعد عرفني صديقي علي الدميني على دكاترة من جامعة البترول لديهم مشروع (كسارة) في الصحراء ويبحثون عن مدير لها. اتفقت معهم ، وانتقلت إلى (كسارة جبل الظهران)، كان الوضع مجزياً. وأنا أكمل آخر سنة لي منتسباً في الجامعة، انتقلت إلى قريتي في حائل، وعملت معلماً في الصباح، ومزارعاً في المساء مع والدي. تفاجأت وأنا أعود من المدرسة ذات صباح بصديقي علي الدميني يجلس مع والدي يشربان القهوة في مجلسنا بالقرية. قال لي إن صديقنا الشاعر محمد العلي تم تعيينه رئيساً للتحرير، ونريدك أن تكون مديرًا للتحرير. وهكذا كان. مرت أيام، وكنت قد فصلت من إدارة الجريدة لأسباب معينة، وسافرت. وفي الفترة التي حجب فيها صديقي علي، كنت في الخارج، ثم عدت أحمل زوجة وطفلا، وبلا عمل. كان رفيقي علي يعمل في أحد البنوك، (فتوسط) لي وعملت في البنك، ثم تركته وعدت للتعليم. طول هذه السنوات كنا؛ أنا وعلي الدميني على اتصال وتواصل، يقرأ ما أكتب، وأناقشه في قصائده. علي الدميني، ببسمته العذبة، ونضاله، وصبره، وإبداعه رجل فريد؛ لا يكل ولا يملّ، مناضل صادق وعنيد في دفاعه عن مبادئه وقناعاته. يخطط لأحلام عريضة، ليس له، إنما للآخرين من ناسه، ممن يعرف ولا يعرف. رجل أفخر برفقته ومعرفته طول هذه العقود التي مررنا بها بالكثير من المتاعب والاضطراب على كل المستويات في خضم التغييرات في الوطن والعالم. تبقى أحلام أبي عادل طريقًا واسعًا، هي أحلامنا، مفتوحة لكل إنسان يهب نفسه لبلده وناسه. لصديقي الصحة والعافية.