وبشرى الهدهد عبر المسافات.

حين تكون القصة مشروعاً، هذا المشروع نابع عن حب وعلاقة بالكلمة منذ الأزل، يكون صاحب المشروع مختلفاً، هذا هو الصديق جبير المليحان – رحمه الله- القصة ارتبطت به، على الرغم من عمله في المجال التربوي والتعليمي، والصحافة، ولكن بقيت القصة حاضرة في مسيرته الثقافية وتحديداً الأدبية، بل إنه الوحيد الذي أختار لها اسماً خاصاً نعرفها من خلاله ونعرفه من نسقها، لم يفكر كتاب القصة في المملكة بل في الوطن العربي أن ينتحلوا هذا الاسم، فبقي مصطلح «القصة الصغيرة» مرتبطاً بجبير، و اكتفى الجميع بمصطلح القصة القصيرة جدا أو الأقصوصة، يقول في حوار أجرته الأديبة هدى عبدالله ونشر في المجلة العربية «هي عندي القصة (الصغيرة). وهي موزونة ـ تعتمد على (الكلمة) وليس على الجملة التي تعتمد عليها القصة القصيرة بشكل عام ـ بمعنى: استخدام اقتصاد اللغة التي تحقق الهدف تماماً. القصة (الصغيرة) معادلة رياضية من الكلمات؛ إذا حذفت أحد أطرافها فسدت. للكلمة فيها إشعاع، يتسع حسب قدرة الكاتب على التكثيف، ويُدرك حسب وعي وثقافة القارئ؛ وهنا تتجلى قدرة المبدع على اختيار كلمات نصّهِ الصغير بعناية فائقة، معطياً مساحة للدهشة» بكل ثقة ودراية يتحدث جبير المليحان عن نسقه الكتابي هذا، لم يفسر الصغيرة بأنها مسمى أطلقه على القصة القصيرة جداً، بل تحدث عنها كأنها كائن حي موجود منذ بدايات الكتابة. الراحل جبير كان حلمه حضور القصة ليس محلياً بل عربياً، فكان موقعه الشهير « شبكة القصة العربية» الذي بدأ مع بداية هذا القرن، كأنه يقول هنالك منبرا جديدا لإيصال القصة والتواصل بين كتابها، ليس من خلال الإصدارات الورقية بل عبر الفضاء السايبروني، فكان هذا الموقع الذي مضى عليه ربع قرن ومرّ بمراحل مختلفة حتى حاصرته وسائل التواصل الحديثة، ولكن خلال هذه المدة كان قد نشر فيه أكثر من عشرين ألف قصة بأشكالها المختلفة، و كانت وسيلة لمعرفة أسماء من الوطن العربي والتواصل معهم، وسعى جبير على أن يدعم بالصوت والصورة إضافة إلى الكلمة المنشورة، طموح جبير كبير فيما يتعلق بالقصة كاد أن ينسى نفسه لولا حبه للكتابة وبالأخص في فن السرد القصة والرواية وقصص الأطفال والقصة الصغيرة بكل تأكيد. من حسن حظي أنني كنت من أوائل المشاركين مع أبي أيمن جبير بالموقع نشرت بعض القصص، وكان لي حظ أن تكون قصتي (الدهن) ثاني قصة منشورة في أول إصدار لشبكة القصة العربية تحت مسمى «قصص من السعودية» والذي أصدرته وزارة الثقافة والسياحة في اليمن احتفالا بصنعاء عاصمة الثقافة العربية عام ٢٠٠٤م، والذي افتتحه جبيرة بكلمة قصيرة قال فيها» دائما يسكننا الحلم.. مثل هدهد يقرب المسافات ويقدم البشرى.. دائماً كنا نحلم ببيت جغرافي كبير لأفئدتنا....» تحدث عن المجموعة مشرف منتدى القصة العربية وقتها يحيى سبعي، ليقابل جبير قراء النصوص القصصية بقصة (صغيرة) تم اختيارها يزدان بها غلاف تلك المختارات تحت عنوان (ثلاثة) يقول النص « مشى فينا القطار.. تتراكض الأيام من النافذة.. قهقة طفلي الجالس خلفي فرحًا بركض الأشجار، التفتُّ إليه؛ فإذا هو أبي يملأ كرسيّه بالبكاء..». جبير المليحان وقتها لم يصدر سوى مجموعة قصص للأطفال، وأرجأ إصدار أعماله القصصية، لتصدر هذه المختارات وينسى نفسه قليلاً، كان لديه أحلام كثيرة لثقافة هذا الوطن وتحديداً في مجال السرد، وتحديداً أكثر القصة، وتجلى تفانيه وحرصه على العطاء الثقافي تميز نادي المنطقة الشرقية إبان رئاسته مجلس إدارته، ستبقى القصة الصغيرة، حاضرة بحضوره الأبدي، من خلال إبداعاته، وسنتذكره ونحن ننتظر الهدهد بما يحمله من إبداع على مستوى الوطن العربي.