المرأة.. أحبتها السماء وكرمتها الأرض.

تشير الدراسات الأنثروبولوجية والتاريخية إلى أن المرأة كانت تتمتع بمكانة مرموقة في المجتمعات البشرية القديمة جدًا، بل إن بعض الأمم الغابرة كانت تقدس المرأة وتعتبرها رمزًا للخصوبة والحياة، لاسيما في “حقبة الجنسية المشاعية” وقد ساد في تلك الفترة ما يعرف بـ “النظام الأمومي” حيث كانت السلطة في يد المرأة، وكان النسب يرجع إليها. إلا أن هذه الامتيازات لم تدم طويلًا، فبعد أن اكتشف الرجل أنه هو مصدر الإخصاب بدأت تتبدّل موازين العلاقات بين الجنسين. ومع تطور الزراعة وتربية الحيوانات، بدأ الرجل يسيطر على مصادر الإنتاج، مما أدى إلى تراجع مكانة المرأة تدريجيًا، حتى هوت مكانتها إلى درجة سحيقة في قاع المجتمع. وفي الألفية السادسة قبل الميلاد دخلت مكانة المرأة مرحلة الكسوف الكلي، إيذانًا بانفجار “الانقلاب الذكوري” وقد أدى هذا التحول الجذري في بنية المجتمعات البشرية إلى سيطرة الرجل على جميع مفاصل الحياة، وتهميش دور المرأة بشكل شبه كامل، حتى اقتصر على مهنٍ محددة. كرعي الماشية وأعمال الطبخ ونسج خيوط بيوت الشَعَر، إضافة إلى الحمل والولادة. وقد تم ترسيخ هذا الوضع الجديد الذي حرم المرأة من حقوقها الأساسية، وجعلها مرتهنة للرجل في جميع شؤون حياتها. تختلف نظرة الأديان السماوية للمرأة بشكل كبير، وتتأثر بالتفسيرات والتأويلات التي يقدمها رجال الدين عبر العصور. ففي بعض السرديات اليهودية، جاءت نصوصٌ تعتبر المرأة أصل الشر في الحياة، وتحملها مسؤولية الخطيئة الأولى التي أدت إلى خروج أبينا “آدم عليه السلام” من الجنة. أما في المسيحية فقد دافع “المسيح عيسى بن مريم عليه السلام” عن المرأة في وصاياه المباركة، ورفع من شأنها، إلا أن بعض رجال الدين المسيحيين الأوائل، قد تأثروا بالفلسفة اليونانية والثقافة الرومانية، واعتبروا المرأة سببًا في انحلال المجتمع وانتشار الفواحش. وقد أدى ذلك إلى تهميش دور المرأة في الكنيسة والمجتمع لقرون طويلة. أما في الإسلام فقد أولى “القرآن الكريم” و”السنة النبوية المطهرة” المرأة اهتمامًا كبيرًا، وكرماها تكريمًا يليق بمكانتها الحياتية. فالنساء في “الإسلام” شقائق الرجل، ومساويات لهم في الإنسانية والكرامة، ولهن نفس الحقوق والواجبات الأساسية. وقد كرَّمَ “الإسلام” المرأةَ أُمًا وزوجةً وابنةً وأختًا، وأوصى برفع مقامهن وحسن معاملتهن. في قلب الصحراء العربية، حيث قسوة الطبيعة وشظف العيش، كانت المرأة السعودية ولا تزال صمام الأمان وركيزة الأسرة والمجتمع. فعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها في العصور الماضية، إلا أنها استطاعت أن تلعب أدوارًا حيوية ومحورية في الحياة العامة، فقد أسهمت بالحفاظ على تماسك المجتمع وحيويته. ويمكن تلخيص أبرز أدوار المرأة السعودية في تربية الأبناء، حيث كانت المرأة هي المسؤولة الأولى عن تنشئة الأبناء، وغرس القِيَم والأخلاق الحميدة في نفوسهم. وفي غياب الأب، الذي كان يسافر لطلب الرزق أو يشارك في الحروب، كانت الأم هي التي تتولى جميع شؤون الأسرة، وتقوم بدور الأب والأم في آن واحد. كما لم يقتصر دور المرأة السعودية على الأعمال المنزلية، بل كانت تشارك الرجل في جميع الأنشطة الاقتصادية. ففي المناطق الزراعية كانت المرأة تعمل في الحقول، وتساعد في زراعة المحاصيل وحصادها. وفي البادية، كانت المرأة ترعى الماشية، وتصنع منتجات الألبان، وتغزل الصوف. بل كانت المرأة السعودية تتمتع بمهارات مهنية عالية، حيث كانت تقوم بخياطة ملابس أسرتها، وتطريزها بأجمل النقوش. كما كانت تصنع السجاد والبسط، وتنسج بيوت الشَعْر، وتدبغ الجلود، وغيرها من الحرف اليدوية التي كانت تشكل مصدرًا مهمًا للدخل. وكانت المرأة السعودية تمتلك خبرة واسعة في مجال الطب الشعبي، حيث كانت تستخدم الأعشاب والنباتات الطبيعية في علاج الأمراض. كما كانت تقوم بالكي والحجامة، وغيرها من العلاجات الشعبية التي كانت يعتمد عليها مجتمع الجزيرة العربية في ذلك الوقت. في العصر الراهن لم يعد تمكين المرأة مجرد قضية حقوقية فحسب، بل أصبح ضرورة اقتصادية ملحة. فقد أثبتت الدراسات أن زيادة مشاركة المرأة في قطاع الأعمال تسهم بشكل كبير في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام. وإن الاستثمار في المرأة هو استثمار في مستقبل الأوطان. فعندما يتم تمكين المرأة، – بشكل أقوى - فإنها وبكل تأكيد ستكون قادرة على زيادة دخل الأسرة، وتحسين معيشتها، ورفع مستوى التعليم والصحة. كما تسهم في خلق مجتمع أكثر إنتاجية وابتكارا، وقادر على مواجهة تحديات المستقبل. وتشير التقديرات إلى أن ردم الفجوة بين الجنسين في التوظيف – على مستوى العالم - يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو (28) تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2026م. إن قصة نضال “المرأة السعودية” هي قصة ملهمة، حيث تتجسد قوة الإرادة والعزيمة في مواجهة التحديات. فقد استطاعت المرأة السعودية بقيادة أميرات ماجدات، وبإرادة سيدات فاضلات، وبطموح شابات رائعات، أن تتجاوز جميع العقبات، وأن تثبت القاصي والداني أنها قادرة على إنجاز المستحيل وتحقيق الأمل المنتظر. واليوم تقف المرأة السعودية شامخةً، شريكًا أساسيًا في بناء مستقبل وطنها، ومساهمًا فاعلًا في تحقيق “رؤية السعودية 2030” وما كل هذا إلا البداية، فالمستقبل يحمل للمرأة السعودية المزيد من الفرص والإنجازات، لتواصل مسيرتها المظفرة، وتكتب فصولًا جديدة من النجاح والتميز. وفي الختام يكفي المرأة اعتزازًا وافتخارًا أنها لم تقطع الطرق، ولم تمارس مهنة السلب والنهب. ولم تُثِر الرعبَ في قلوب الآمنين .حقًا إن المرأة مخلوق رائع أحبتها السماء، وكرمتها الأرض.