شعور الانتهاء من كتاب.

لا شعور يعادل سعادة قارئ اقتنى كتابًا إلا شعوره بالانتهاء منه؛ ذلك لأنه يعني تحقق ما يسمى شعور الإنجاز والرضا عن الذات حين تنقضي ساعات أو أيام منكبًا على مطالعة رموز سوداء على أوراق بيضاء منشدًّا إلى ما فيها من أفكار أو أحداث متتالية. هذا الشعور يشبه شعور الانتهاء من أي أمر مطلوب منه أو خطّط لإنهائه. ويرتبط الشعور بالإنجاز أو إحراز النجاح بأحد هرمونات الجسم، وهو هرمون الدوبامين، ويسمى أيضًا هرمون المكافأة، وهو مادة كيميائية تفرز في الدماغ كذلك عند تلقّي مديح أو تقدير أو حين إتمام مهمة صعبة. ويمنح إفرازه الشعور بالسعادة والتحفيز والرغبة في تكرار ما قام به الشخص. كما أن الانتهاء من قراءة كتاب يعني فيما يعنيه عملية تراكمية معرفية تضاف إلى معارف الإنسان كما قال أمبرتو أكابال: حين تنهي قراءة كتاب لا تعود الشخص الذي كنته قبل القراءة. يقصد بذلك الأثر الذي يتركه الكتاب في نفس القارئ. في حين عبر الدكتور عبد الكريم بكار عن الانتهاء من قراءة كتاب جيد بقوله: «عندما تنتهي من قراءة كتاب جيد تكون كمن ودّع صديقًا جيدًا». وقد يترك ذلك شعورًا بالحزن عند القارئ بغض النظر عن طبيعة نهايته؛ فإذا كانت نهايته سعيدة فقد يسعد القارئ مؤقتًا بهذه النتيجة، لكنه لا يلبث أن يصيبه الحزن بسبب اضطراره إلى مفارقة الكتاب وأفكاره وشخصياته وتعابيره الجميلة، وإذا كانت النهاية حزينة فسيصيبه الحزن بسبب ذلك. ومن أسباب الحزن أيضًا أن القارئ قد يشعر بأنه لن يقع ثانية على كتاب آخر بنفس مستوى الكتاب الذي أنهاه للتو. وقد يواكب ذلك درجة من الحماس والتفاعل لدى القارئ حتى يتمنى ألا تنتهي صفحاته، أو أن تنتهي كما يتمنى هو لا كما كتبها الكاتب. كما يبقى بعض القراء مترقبين لأجزاء جديدة من الكتاب المقروء فيتابعون أخبار الكاتب باستمرار. ويسعد القارئ أحيانًا بكتاب لأنه يشعر بأن بعض ما جاء فيه يشبهه أو يذكّره ببعض المواقف التي مرت به أو ببعض الأشخاص الذين مروا بحياته، أو يقول ما لا يستطيع هو أن يقوله. وتبقى بعض أفكار الكتب عالقة في أذهاننا أيامًا وشهورًا وسنينَ بعد الانتهاء منها، وربما غيرت حتى اتجاه مسيرة حياتنا إلى الأبد، أو على الأقل نظرتنا إلى الأمور وما يجري حولنا.