
(جاذبية الشعر النسوي) كتاب صدر حديثا بطبعته الأولى, سنة 2022م للدكتور/ عبد الله السمطي, الشاعر والناقد المصري المعروف , الذي عرفته الساحة الثقافية العربية بما قدمه من انتاج أدبي غزير, بعضه تمت طباعته ونشره , من دواوين شعر , ودراسات أدبية ونقدية وغيرها, بينما لا يزال بعضه الآخر مخطوطا وفي طريقه للنشر. يضاف الى ذلك ما ساهم به الدكتور السمطي خلال مسيرته الأدبية الطويلة من أنشطة ثقافية كثيرة أخرى لا يتسع المجال لذكرها , هي عمر تجربته الممتدة لما يقارب أربعة عقود , كأديب وشاعر وناقد , نشر مقالاته في كثير من الصحف والمجلات العربية ,وشارك في العديد من المحافل الأدبية والثقافية المحلية والدولية , كالأمسيات الشعرية والمحاضرات والندوات خلال العقود الأخيرة من الزمن, مما سجل اسمه في ذاكرة القارئ العربي, كأحد أبرز الأسماء في مجالها على الساحة في الوقت الحاضر. وفي كتابه هذا الموجود بين أيدينا الآن يأتي السمطي الينا ليحمل لنا طائفة مختارة من الشعر النسوي الحديث, مضمخا بعبق ابداع المرأة العربية الشاعرة, المعبرة عن ذاتها وأنوثتها وانسانيتها , أينما كان موقعها من الوطن العربي على امتداد رقعته الواسعة, من المحيط الى الخليج, ودورها في تنمية الوعي و الحس الثقافي والأدبي في هذا المجتمع , كجزء لا يتجزأ من تركيبته الاجتماعية والانسانية ككل, وذلك حين قام في كتابه هذا باختيار أربعين شاعرة عربية من المعاصرات, يمثلن بأسمائهن معظم الدول العربية بنماذج مختارة متنوعة من أشعارهن , مع ارفاق سيرة مختصرة لكل شاعرة منهن على حدة. وقد جاءت جميع أسماء هؤلاء الشاعرات , مرتبة حسب ورودها في الكتاب ترتيبا هجائيا, كما يقتضيه أسلوب التأليف العلمي أو المنهجي الذي يتقيد به الباحثون والدارسون. وقد اتخذت عبارة (40 شاعرة في الأفق النقدي) مكانها كعنوان فرعي , أسفل العنوان الرئيس للكتاب مباشرة, كدلالة واضحة من الكاتب/ المؤلف على أن هذه التجارب الشعرية النسوية ترتقي في مقامها ومحتواها ومادتها للنضج الأدبي , الذي يليق بمستواها الى ذائقة النقد الجاد, وضرورة عدم تجاوزه لها, وليست تجارب بدائية , أو محاولات ينقصها النضج , شكلا ومضمونا! وفي صفحة (الاهداء) يأتي قول المؤلف: “ الى المبدعة العربية التي تقرأ العالم وتكتب الانسان في قصيدة تنقشها حدقات المخيلة”. فمن الواضح من هذا الاهداء الذي خص به السمطي المرأة العربية المبدعة أن كتابه هذا ما هو – في مجمله – الا انتصار للمرأة العربية الشاعرة, التي يرى بعض النقاد أنها لم تعط حقها الأدبي الكافي كشاعرة أو مبدعة, خاصة في المجتمعات العربية المحافظة قديما وحديثا , والتي ترجح صوت الرجل , وبروزه الاجتماعي المعتاد في شتى نواحي الحياة ,في مقابل الحضور الباهت للمرأة وخفوت صوتها. وقد تطرق السمطي في المقدمة الى شيء من ذلك, وعن شعر المرأة أو (الشعر النسوي) وأبرز ملامحه بوجه عام. ومما تجدر الاشارة اليه حقا أن معظم هذه التجارب الشعرية النسوية التي قدمها السمطي في كتابه هذا – ان لم تكن جميعها – واقعة في اطار (الشعر المنثور) أو ما يعرف بـ (قصيدة النثر) التي ظهرت في العصر الحديث, كآخر ما وصلت اليه القصيدة العربية في عصورها المتأخرة من تطور أو تغير في بنيتها وشكلها ولغتها وفنياتها, لمواكبة العصر الحديث ولغته وايقاعاته, اذ يعتبر السمطي- من وجهة نظره كناقد وكما يبدو من كلامه في “الاستهلال” الذي تصدر أول صفحات الكتاب , بعد الاهداء مباشرة - أن (الشعر) ليس مجرد وزن وقافية وايقاع موسيقي خارجي , وكلمات مصفوفة في قالب منمذج معين, متفق عليه مسبقا, كما عرفت به القصيدة العربية التقليدية من نماذجها الكلاسيكية التي تعارف عليها الناس منذ القدم , وانما هو لغة انسانية ذات رؤية جمالية فنية داخلية, لها أنساق ومفردات وتعابير تقوم على الايقاع الداخلي للكلمة الشعرية المعبرة , وعلى الايحاءات الرمزية والمعماة ودلالاتها. وهنا يرد قول المؤلف/الكاتب حول اللغة وكأنه يفرق بين لغة الابداع من جهة واللغة الرسمية والعادية من جهة أخرى: “ ان اللغة فضاء طليق كذلك, وهي ليست المعجم الذي يشمل ملايين أو آلاف الكلمات , وليست هي التراكيب والقواعد النحوية والصرفية والأصوات فحسب, ولكنها اللغة المعبر بها, اللغة التي يحدث بها التواصل والتفاعل الانساني, ولذلك فان اللغة المعبر بها هي اللغة التي نستعملها على الأغلب, وهي اللغة التي تقد منها كلماتنا وتعاملاتنا من حياتنا اليومية الى الدرس الفلسفي والفقهي والأكاديمي”.