«شباب البومب 2 » : استمرارية المغامرة الكوميدية .

من يتأمل سلسلة “شباب البومب” منذ بدايتها يدرك أنها تجاوزت فكرة الترفيه العابر إلى مشروع اجتماعي يرصد تحولات الشباب السعودي من جيل إلى جيل. انطلقت هذه التجربة عام 2012 عبر شاشة روتانا خليجية، من تأليف عبدالعزيز الفريحي وإخراج ماجد الربيعان وبطولة فيصل العيسى. تقدم نموذجًا مختلفًا للكوميديا المحلية، نموذجًا نابعًا من الناس وتعكس حياتهم اليومية بتفاصيلها البسيطة ومفارقاتها الطريفة، في أسلوب جعلها من أكثر السلاسل قربًا للجمهور. تميز المسلسل في مواسمه الأولى بتناوله قضايا الشباب في الحارات الشعبية، في قالب خفيف يعتمد على الموقف والمفارقة أكثر من الحوار والسخرية اللاذعة. ومع توالي الأجزاء أصبح العمل مرآة للتحول الاجتماعي، فتوسعت موضوعاته لتشمل قضايا الانفتاح التقني، وحلم الشهرة عبر المنصات الرقمية، وتبدل المفاهيم بين الأجيال. لذلك وجد الشباب مساحة تعبير حقيقية عن ذواتهم، ووجد فيه الكبار نافذة لفهم الجيل الجديد بواقعيته وضجيجه المرح. حين قرر القائمون على العمل الانتقال من التلفزيون إلى السينما، حملوا معهم روح المسلسل لكن في قالب أكثر تماسكًا. في فيلم “شباب البومب1” 2024 يلتقي المشاهد بمجموعة الأصدقاء ذاتهم الذين ألفهم عبر المواسم، يعيشون مغامرة طريفة تبدأ بخطأ بسيط وتتحول إلى سلسلة من المواقف الكوميدية المتشابكة، تدور الحكاية حول جدال بين عامر وأصدقاءه خلال رحلة برية، مما يدفعه للانعزال وقضاء بعض الوقت وحيدًا، ولكن يتقابل مع ضب صحراوي صغير يأخذه ويكون معه رحلة مثيرة، ويمنحه قوة خارقة، فيضعه في مواجهة رجل أعمال جشع. كان هذا التحول سينمائيًا ناجحًا، حيث جمع بين الخيال والكوميديا، وحقق إيرادات قياسية، مؤكدًا أن الشخصيات الشعبية يمكن أن تنتقل بسهولة من الشاشة الصغيرة إلى الكبيرة، ويُعد خطوة تطورية تعكس نضج السينما السعودية في استغلال التراث التلفزيوني لصناعة أعمال سينمائية مستقلة. أما فيلم “شباب البومب2” 2025 الذي يُعد اشتقاقًا مباشرًا من فيلم “شباب البومب” الأول 2024، والذي بدوره اشتقاق للمسلسل المتعدد الأجزاء (13 موسمًا رمضانيًا)، بلغ إجمالي إيراداته في الأسابيع الأولى 18 مليون ريال، وتجاوزت تذاكره أكثر من 384 ألف تذكرة، يأتي استكمالًا لتلك التجربة، لكنه يذهب إلى مساحة أوسع من حيث الفكرة والبنية السينمائية. من تأليف عبدالله الوليدي، وأحمد الزهراني، وأخراج حازم فودة، وقام بالبطولة ذات الشباب؛ فيصل العيسى، وسليمان المقيطيب، وعبدالعزيز الفريحي، ومهند الجميلي، ومحمد الدوسري، وفيصل المسيعيد، وعبدالعزيز برناوي. تدور الأحداث هذه المرة حول محاولة خوض مغامرة جديدة، فبعد أن أغلقت استراحتهم انتقلوا إلى استراحة جديدة غير أنها في مكان بعيد وخالي من البنيان، فيواجه عامر وأصدقائه ياسر، وكفتة، وشكش، وصالح، عصابة مكونة من مفحطين طائشين، فيدخلون في صراع معهم للسيطرة على الشارع الذي تقع عليه الاستراحة، ولكن شجاعة عامر وإصراره تمكن من ابتكار فكرة للتصدي لهم وتغيير اهتمامهم حول تحويل الساحة إلى بطولة كروية مرخصة، ثم تحديهم في سباق مثير يحول “الطائشين” من أعداء إلى أبطال. هذه الحبكة، المكتوبة بنفس الثنائي الوليدي والزهراني، تجمع بين الكوميديا الخفيفة والإثارة الرياضية، دون حرق التفاصيل، لكنها تبرز موضوعًا مركزيًا وهي قوة الابتكار في حل النزاعات. على عكس الفيلم الأول الذي اعتمد على عنصر خيالي، بينما يركز الثاني على الواقع الاجتماعي، مثل مشكلة “التفحيط”، محولًا إياها إلى درس في التعاون والتغيير الإيجابي. هذا التوازن يجعل الفيلم مناسبًا لتصنيف +7، حيث يُشجع على القيم الإيجابية دون عنف مفرط، مما يفسر جاذبيته للمراهقين والأطفال. الشخصية الرئيسية، عامر (فيصل العيسى) يعتبر هو القلب النابض لهذه التجربة منذ بدايتها، وقدرته على إيجاد شخصية تجمع بين البساطة والذكاء جعلته محبوبًا لدى الشباب. رسم مسارًا خاصًا، حين يضحك يفعل ذلك بصدق، وحين يخطئ يبدو خطؤه طبيعيًا لا متكلفًا، كأننا أمام شاب نمطي من أنماط شباب الحارة. هذه السلاسة منحت العمل صدقه واستمراريته، فالجمهور يتعامل مع عامر كصديق يطل عليهم من الشاشة كل موسم ليحكي قصصهم بطريقته المضحكة والعفوية. وراء كل موقف كوميدي في فيلم “شباب البومب2” توجد رسالة صغيرة، فالقصة وإن كانت تدور حول المغامرات اليومية، إلا أنها تعكس جانبًا من الواقع الحديث، حيث تتقاطع الحياة الواقعية مع الافتراضية، وتتصادم القيم التقليدية مع ثقافة الصورة والسرعة. يقدم الفيلم هذا التناقض بأسلوب خفيف يجعل المتابع يضحك ثم يفكر، وهي معادلة صعبة في الكوميديا الخليجية التي غالبًا ما تميل إلى التهريج. العمل أيضًا يعبر عن وعي فني جديد لدى صناع السينما السعودية الذين بدأوا يدركون أهمية القرب من الشباب ومهاراته التي يجب أن تصقل، على سبيل المثال “المفحطين المحترفين” بوضع لهم ميدان مخصص لهوايتهم. هذه البساطة الواعية هي ما يمنح “شباب البومب” مكانته بين المشاهدين، خصوصًا المراهقين الذين يرون في شخصياته امتدادًا لحياتهم اليومية في المدرسة والحي والاستراحة ومواقع التواصل الاجتماعي. من الناحية النقدية، تكمن قوة “شباب البومب 2” في قدرته على الحفاظ على روح الكوميديا التلقائية، مع إضافة طبقات إثارة تجعله أكثر ديناميكية. الإخراج لحازم فودة يبرز في مشاهد كثيرة، وأهمها جانب التفحيط بالسيارات، وأبدع في التصوير الجوي بالدرون لالتقاط لقطات بانورامية لأن الساحة كبيرة وممتدة. استقبل الفيلم حماسًا جماهيريًا هائلًا، خاصة على وسائل التواصل، حيث تصدر هاشتاق #شباب_البومب_2 التريندات، مع آلاف التعليقات عن “التجربة السينمائية الممتعة”. حقق نجاحًا تجاريًا يفوق سابقه، وهو متاحًا على نتفليكس، مما يوسع جمهوره إقليميًا. هذا الاستحسان من الشباب والمراهقين يعود إلى قدرة السلسلة على مناقشة قضايا مثل الصداقة والتحديات الاجتماعية بطريقة خفيفة، دون محاضرات أخلاقية مملة. لكن دون مندوحة أن الفيلم يفتقر إلى شيء من العمق الدرامي، وهذا قد يحد من جاذبيته للجمهور الأكثر صرامة. لكن “شباب البومب 2” يمثل شهادة على نجاح العمل المشتق (الإسبانشل) في السينما السعودية. بفضل إبداع فيصل العيسى وقربه من الشاب العادي، يظل الفيلم عملًا يُلهم الضحك والتفاؤل، مؤكدًا أن الكوميديا الشعبية يمكن أن تكون قوة ثقافية، مع توقعات لأفكار قادمة. يُعد هذا الفيلم خطوة نحو تعزيز هوية سينمائية سعودية تجذب الأجيال الشابة.