عالمه الشعري يتراوح بين التفعيلة وقصائد النثر ..

رمزي بن رحومة : وظيفة القصيدة أن تنكأ الجراح .

«خلل في الهواء» هو عنوان الإصدار الشعري الجديد -للشاعر و المترجم و المحرر و مدير النشر في دار تشكيل بالمملكة حاليا - التونسي رمزي بن رحومة، و لقد احتوى ديوانه على ثلاثة فصول؛ الفصل الأول ظلال الذاكرة، وأما الجزء الثاني فهو ذاكرة الظلال،و الجزء الثالث فكان مخصصا للشذرات. و لقد اعتمد شاعرنا في أسلوبه على التنويع في الكتابة الشعرية، ليكون الفصل الأول شعرا موزونا قائما على قصائد التفعيلة،أما الجزء الثاني و هو ذاكرة ظلال فقد كانت كل قصائده نثرا و كأنه بذلك يقيم تقابلا بين عالمين عالم قائم على وحدة الإيقاع ليقابله عالم آخرينحو إلى شعرية التفاصيل، و تكثيف المعنى و تمثل الحواس كمنافذ للتعبير ونسج المجاز ،مثال ذلك قوله في قصيدة الأسماك ص 58 : “لطالما تأملت الأسماك وهي تتخبط وتتلوى في شباك الصيادين متسائلا: لم لا يبكي السمك؟ ولم أفهم إلا متأخرا أنه كان يحيا في دموعه المالحة.” وبين الموزون بايقاعيته والنثر بتكثيفه واختزاله تحضر ذات الشاعر لتبوح بمواقف من الوجود والعدم، ومن الفراغ والامتلاء، من الأنا والآخر، من الذاكرة والظلال، ومن الشعر والكتابة، ومن عوالم الخلل .... ليختم كل هذا بجزء الشذرات وكأنها رذاذ من المطر يختزل فيها كل هذه المعاني وكينونتها فيلخص كل هذا بما أتاه في فاتحة ديوانه فيقول: “مُتعب من الضوء الواقف على عينيّ أكتُب لأرى”. عن كل هذه المعاني من تكثيف واختزال وسرد وحضور للأنا والآخر كان لليمامة هذا اللقاء مع الشاعر التونسي رمزي بن رحومة عن ديوانه خلل في الهواء. لماذا خلل في الهواء ؟ ــ ما عشناه في فترة كورونا قرب إلينا فكرة هي في الأساس طبية قد تتحول إلى فكرة وجودية أو شعرية، و هو أن هذا الهواء الذي يمثل أقرب الأشياء إلى الذات، -فالذات تتنفس لا شعوريا من دون أي قصدية أو من دون تخطيط مسبق للتنفس-، هذه الذات الملتصقة بالهواء، ملتصقة بعملية التنفس أصبحت مهددة بما يحمله ذلك الهواء، ففكرة الهواء يصبح مبعث للخطر و ربما يهدننا بالفناء و نشعر بالخطر في علاقتنا به هي نمت في الذهن في فترة كورونا. لكن بعد ذلك أردت أن أعممها فالهواء ليس فقط ما نتنفسه، الهواء أيضا ما يلحفنا أحيانا حينما يكون الطقس حار، الهواء هو رعشة البرودة هو مشاعر و ذكريات، أنا عممت المسألة و جعلت هذا الهواء بكل دلالاته المباشرة و غير المباشرة، الدلالات المتعلقة بالجسم، أي بما هو غريب عنا، ذلك الذي يوضع على طاولة التشريح لأن الرئتين و قصبة التنفس و ما إلىذلك لا أعرف عنه شيء ، هذا جسمي و ليس جسدي. أما الجسد فهو ذلك الذي يحمل تجربتي الوجودية، أنا أردت أن أجعل الهواء مختلفا سواء في وجهه المتعلق بالجسم أو أيضا في وجهه المتعلق بالجسد. وكلمة خلل في الهواء، الخلل دوما يحيلنا على أمر مناقض للخلل، لأنهأمر طارئ، إذا كلمة خلل هي مقصودة لتحيلنا على أمر جديد أي طارئ و ليس أصليا فهذه الفكرة العامة. التصدير في ديوانك كان كالآتي:”متعب من الضوء الواقف على عيني اكتب لأرى”: هل الكتابة لرمزي بن رحومة هي وليدة حوار مع الزمن يشغل الشاعر؟ ــــ هذه تعتبر من العبارات المغاليق التي تأتي لتغلق أمرا بعينه و ليس لتفتح آفاقا أو ما شابه، فالكتابة التي تفتح الآفاق هي جمل عتبات تحملنا إلى أرجاء عديدة و منفتحة. وهنالك العكس التي هي جمل المغاليق ليست مفتاحية بل هي جملة تأتي لتنهي القول في أمر ما فتكون ذات طابع تقريري وتصريحي وهذه الجملة لها علاقة بسؤال لطالما أقض مضاجع الشعراء وهو سؤال لماذا نكتب شعرا؟ وأنا حاولت أن أجيب عنه حتما داخل الديوان في سطر: قالت لماذا الشعر؟... قلت كي يحيا الورد و تذبل المزهرية أما أنا رمزي بن رحومة فلماذا أكتب الشعر؟ هل هي عملية اختيارية؟ فأنا أجبت بأن كتابة الشعر هي نوع من التنفيس للكم الهائل من الضوء كما نعلم، انعدام الموجود داخل الإنسان الشاعر، و الضوء كما نعلم إذا انعدم لا نرى و إذا كان ساطعا جدا لا نرى، فالشمس لا يمكن أن تفتح أعيننا في مواجهتها لأن الضوء شديد جدا، لأن الضوء يجب أن يكون معدلا موجودا بمقدار وليس متجاوزا للحد الذي تحتمله العين ويحتمله التوازن، فهذا الضوء حين يكون شديدا يجب أن يخفف السبيل الوحيد لتخفيف ذلك الضوء الساطع في الداخل هو الكتابة. فهي إنقاص من ذلك الضوء الداخلي بإخراجه إلى العالم الخارجي، كأنك لديك ضوء محجوز في حجرة و تفتح أنت نافذة فيخرج من ذلك الضوء المحتجز و ينير الخارج و لكنه ينقص من الداخل فهو عملية توازن. فهذه الجملة كانت من أجل بيان موقفي من الشعر، أين يقف رمزي بن رحومة من الشعر؟، يكتب الشعر من أي موضع؟، من أية زاوية؟، لأن كتابة الشعر ليست بأمر اعتباطي، هي موقف من الوجود و الحياة، لكن ليس موقفا ذهنيا صرفا بل هو موقف متلحف بالمشاعر أيضا. لذا كانت هذه الجملة توطئة للديوان كله. في هذا النثر وجدنا الاختزال وتكثيف المعاني والدلالات: الغياب والموت والحنين والوطن .. والذاكرة بظلالها والظلال بذاكرتها وجدنا إيقاعا تصاعديا في رسم هذه الصورالشعرية فهل هذا النسق هو لتقريب الشعور بمعنى خلل في الهواء؟ ــــ ربما، ما أستطيع قوله أن فكرة خلل تقتضي استحضار عالم منشود ليقابله عالم مختل، فالعالم المنشود هو العالم المتوازن وهذا العالم لأحيان يمكن أن أشير إليه مباشرة داخل النص لكني في أغلب الأوقات أشير إليه بالغياب، يعني حين أقول” لا ضفة لنعبر إليها”، إذاً، هناك عالم آخر متخيل هو ذاك الذي فيه ضفة يعبر إليها، أي لا سراب لنمسح به أعيننا الملطخة بالحقيقة أو لن ننظر صوب البحر “ لن ننتظر أيام حرب وافدة في مراكب الدعاء”، أو عندما أقول في قصيدة أخرى :”سنعلم أبنائنا أن لا يرسموا شمسا في ركن الصورة ولا عشبا في أسفلها “، فالعالم السوي يرسم فيه الطفل شمس في ركن الصورة ويرسم عشب في أسفلهالأنه يعيش حياة بريئة ليس فيها قصف يومي ليس فيها أشلاء تحيط بك. في العالم العادي تغرس الأشجار ليأتي منها الخشب و تصنع منها التوابيت،أما في الأوطان المسلوبة فتغرس التوابيت لتتحول في يوما من الأيامإلىالأشجار يعني تدفع الأرواح ضريبة لتعمير، ضريبة لاستمرار الحياة. فالفكرة؛ أن تقريب خلل في الهواء يكون باستحضار نقيضه إما بتشكيل ذلك النقيض قولا مباشرة، أو بتغييبه و ذكره منفيا أي استحضاره بالنفي... لأنني حين أقول:” لا أملك معطفا” معنى هذا أني أعرف المعطف وأني رأيت معطف. لو لم أر معطفا في حياتي لما قلت لا أملك معطفا، فهنا يصبح الاستحضار بالغياب، والغياب ليس هو العدم، فالعدم أن الشيء لم يوجد أصلا أو غيابه فمعناه أنه وجد وفقد والخلل في الهواء معناه أن الهواء كان في يوم من الأيام متوازنا ثم اختل كان صالحا للاستنشاق ثم اختل، وكما قلت سابقا أن هذا الخلل يشمل كل أبعاد الهواء يعني اختلال الحضور اختلال العلاقة الحميمة بين الإنسان والهواء فليس هناك ما هو أقرب إلى الإنسان من الهواء ومع ذلك هي علاقة مختلة في جميع المستويات. وباستحضار المتناقضات أيضا لان العملية عملية مقابلة كما أسلفت بين ما هو متوازن و ما هو مختل إذا سيكون هنالك مقابلة بين الحضور و الغياب بين الحياة والموت.... قسمت ديوانك إلى جزأين ذاكرة ظلال وظلال ذاكرة وفي إحدى أبياتك تقول: لو كنا نعلم معنى الظل لما فاتتنا فلسفة الأشياء؟ ما فلسفة ارتباط الذاكرة بالظلال والظلال بالذاكرة؟ ــــ ظلال الذاكرة و ذاكرة الظلال، لو لاحظتي ظلال الذاكرة كانت شعرا موزونا وكانت قصائد تفعيلة جميعها، وهذا مقصود لأنه حين نريد أن نكتب لذاكرتنا فإننا نلتزم الوزن حبا في ذلك الإيقاع و حبا في ذلك الموروث الشعري الموزون، نحن سنضطر إلى تغيير كلمة أخرى و تعويض لفظ بلفظ كي يستقيم الوزن.إذاً، الكلمة الأولى التي يفترض أن تخرج من ذات الشاعر بكل توهجها يمكن أن نضحي بقليل من ذلك التوهج لفائدة الوزن و الإيقاع و هكذا يصبح ذلك المكتوب ليس الذاكرة كما دلقت على الورق مباشرة بل هي ظلال تلك الذاكرة، هي لها علاقة بها. فعلاقة الظل بالإنسان الظل يتابع الإنسان أينما ذهب لكنه ليس هو. تلك القصائد هي وثيقة الارتباط بالذاكرة لكنها ليست هي بل ظلال الذاكرة و لهذا أردت أن أشير به إلى وعيي بما اكتب، أنا لا أكتب جزافا أوأكتب اعتباطا .. أنا حين أكتب التفعيلة اكتبها بوعي أعلم ما هي حدودها الجمالية و ماذا تضيف التفعيلة للنص، و ماذا تفقده، يعني بما يكون نص التفعيلة غني وما يفتقر إليهأيضا و العكس بالعكس. حين نذهب إلى قصيدة النثر نجد ذاكرة الظلال هي قصائد نثر لأن قصائد النثر تمثل هامش الكتابة الشعرية فلو محصنا بعض النصوص القديمة مثل المتصوفة. كانت شطحات مستهجنة لكن ربما نجد فيها الكثير من الشعر، لكن السلطة للنص الموزون سواء تحدثنا عن الموزون بمنطقة التفعيلة أي الشعر الحر أو الموزون بالمنطق العمودي الكلاسيكي. إذاً، القصيد بالنثر هذا النوع من الكتابة لطالما بقي في الهامش لطالما بقي في الظل كأنه هو ظل الكتابة الشعرية والأصل هو الوزن ..ولكن بمرور الزمن حصلت في هذا النوع من الكتابة نوع من المراكمة واليوم تجارب عديدة جدا في كتابة الشعر بالنثر كتجربة نزيه أبو عفش. مثلا ومحمد ماغوط.. فهذه الكتابة بالنثر أصبح فيها مراكمة وأنا كتبت قصائد النثر كي استدعي ذلك النمط من الكتابة أي ذاكرة الظلال.فهي ظلال الشعر وأنا حاولت أنأحيي ذاكرتها. في خاتمة ديوانك وجدنا شذرات والشذرة كما يقال ضغط بحر في قطرة فهل هي بمثابة التنفيسات أو التأملات خاصة وأن الإيقاع كان تصاعديا بين الأنا والآخر والمكان والزمان ..؟ ــ الشذرات لم أجعلها مستقلة تماما عن ذاكرة الظلال وهي جزء منها، لأن الشذرات لا تكتب وزنا بل تكتب نثرا، لأن نقيض النثر هو الوزن وليس نقيضه الشعر، أنا تعمدت أن تكون خاتمة لأنه حين يختل الهواء ما الذي يحدث: الاختناق، وفي الاختناق يصعب على الإنسان أن يستطرد، يتقطع النفس، فلن يستطيع الشاعر الإسهاب بل ستضغط شاعريته في جمل قصيرة وقصيرة جدا .. يعني مثل الإنسان الذي يلهث كل لهثة شذرة. فالشذرات تعبير عن عدم الاسترسال والإسهاب بسبب ذلك الاختناق لكن في سياق مقاومة ذلك الشعور بالاختناق، يجمع الشاعر شعريته كلها ويضغطها في تلك الجملة المكثفة التي اسميها شذرة. ولذلك كانت مواضيع الشذرات أشياءإشكالية في الشعر فمثلا عندما أقول” قالت ولما الشعر كي يحيا الورد وتذبل المزهرية هنا هذه الشذرة على سؤال جدوى الشعر . أيضا حين أقول متعب من الضوء الواقف على عيني أكتب لأرى وهي أيضا شذرة افتتحت بها الديوان وهي أيضا رد على سؤال جدوى الكتابة. الكتابة في المطلق. فالمواضيع التي تطرقت إليها في الشذرات هي مواضيع حساسة ومتعلقة بالكتابة والوجود والكينونة لذلك حاولت أن اختزلها قدر الإمكان في سطر أو سطرين على الأكثر، لتكثيف تلك الفكرة أو لضنك تلك الدلالة والمضي بها إلى ذروة التكثيف والبلاغة لأن البلاغة أن نقول في الموجز، لذلك لم أجعل الشذرات في مواضيع تتطلب الاسترسال والإسهاب في القول بل جعلت مواضيع تلك الشذرات أشياء تضغط لتعبر عن الرؤية الشعرية. وهي مواضيع متعلقة بالرؤية وليست مواضيع متعلقة بالوصف أو الاسترسال في السرد كانت جمل مكثفة تعبر عن رؤيتي الشعرية وعن رؤيتي للوجود ونفسي والكون والعالم والحياة . ما جدوى الشعر اليوم في عالم عربي تسوده الحروب والدماء والمجاعة؟ ــ هذا السؤال طرح في جميع العصور من ثقافات مختلفة يعني تسود الحروب والدماء و المجاعة فالعالم مر بحرب عالمية أولى و مر بحرب عالمية ثانية واسبانيا مرت بالحرب الأهلية و كانت هناك حرب الكوريتين يعني عشرات الحروب و في كل تلك الفترات كان الإنسان يحتاج إلى شعر و شعراء. بل لعل الشعر لا يبلغ ذروته إلا في مثل تلك الأوضاع وحتى الهنود الحمر الذين غادرهم الرجل الأبيض من مختلف دول أوروبا، الهنود الحمر كتبوا شعر على طريقتهم. فالشعر هو الملاذ في تلك الأوقات العصيبة، ولكن لماذا الشعر بالذات ؟ لماذا ليست فنون أخرى، لأن الشعر في جوهره هو دعوة الى رؤية جديدة ومختلفة للعالم والوجود والكون وكل الحروب سواء كانت ذات طابع ديني، أو ذات طابع توسعي وكل أنواع الحروب، فما الذي يغير الرؤية ما الذي يعيد النظر في معتقد كل إنسان في هذا الكون هو الشعر. فالشعر دعوة إلى رؤية مغايرة ومختلفة لأنفسنا وللآخر ولما حولنا أيضا،فأكثر ما نحتاجه هو الشعر، الشعر يفتح أمامنا مجالات لا يمكن أن نتخيل حتى وجودها، ينبهنا إليها. وهذا كان ديدن الشعر منذ ظهوره أي منذ البدايات الأولى للكتابة الشعرية عن مختلف الثقافات. والشاعر يقوم بهذه الوظيفة، أحيانا تكون وظيفة تحفيز لكنها في أغلب الأوقات تكون وظيفة تنبيه. فالشعر كان أقرب ما يكون إلى الحكيم الذي ينبه الآخرين إلى مغبة هذا الوضع أو ذاك. والشعر ضمير الأمة ولذلك نحن نحتاج باستمرار إلى الشعر . الشعر تعبير عن علاقة الشاعر بالعالم، فأي عالم تنشد؟ ــ قد أفاجئك بالقول أن الشاعر ليس له عالم محدد ينشده، فالشاعر في قلق مستمر وكلما اطمئن إلى عالم انقلب عليه، الشاعر هو نقيض الطمأنينة، لأنه ابن القلق، الشعر يأتي من التفاؤل الدائم من معاودة السؤال عن البديهي . الشعر، ليس فقط نقيض الطمأنينة، بل الشاعر إذا اطمئن مات، لان الكتابة لا تأتي من الركود و الطمـأنينة، إذاً، الشاعر عليه أن يكون متجددا باستمرار يقلق حتى من مجرد مشاهدة فيلم. بمعنى أن الشاعر يشاهد فيلم فيحرك سواكنه في أمر من الداخل، الشاعر ممكن يشغل باله و يشعر بمشاعر إشفاق أو حزن أوآسى لا لأجل نفسه أو مجتمعه بل أحيانا من اجل مظلمة تحدث في الطرف الآخر من المحيط. الشاعر قد يتألم من أجل وردة، قد يتألم من أجل شجرة أحبها وقطعت أمام عينيه، يعني الشاعر هو موكل بهذه الأحاسيس المرهفة وهو أيضا مجبول على دقة الملاحظة يعني سرعة الالتقاط ما لا تلتقطه العين العادية تلتقطه عين الشاعر. كلنا نمر ربما أمام ركن من الأركان في أي مكان ونرى العناكب وهي تقيم حياة هناك لكننا قد لا نتساءل عن هذا، أماأنا فاني أدهش كيف تقوم حياة كاملة لا لشيء إلا لأن جدارين التقيا، أنا أرى في هذا انتصار للحياة . فبهذا المنطق؛ الشاعر ليس له عالم واحد منشود لكن له عوالم متواترة ومتجددة ينشدها كلما وصل إلىأمر ما طاق إلى غيره. ليس هنالك عالم ثابت لكنه ينشد الأفضل باستمرار وهذا العالم قد يكون الذي نعيش فيه وهو عالم المحسوسات وقد يكون أيضا العالم اللغوي عالم اللغة التي يأوي إليها الشاعر، حتىإذا بلغها، ينشد عالما آخر. هل بالإمكان القول أن القصيدة ضمدت جراحنا؟ ـ لا أعتقد أن القصيدة المطلوب منها تضميد الجراح، أحيانا قد يكون المطلوب من القصيدة هو أن تنكأ الجرح كما في قصيدة الحارث بن عباد “ قرّبا مربط النعامة مني” كان الهدف هو أن تنكأ الجرح، في قصيد مديح الظل العالي لمحمود درويش كان الهدف أن تنكأ الجرح. أحيانا يكون الهدف هو تقديم شهادة على أمر ما أيضا؛ مثل قصيدة محمود درويش” خطبة الرجل الهندي الأحمرأمام الرجل الأبيض ما قبل الأخيرة” ، هذه القصيدة كانت كأنها شهادة على ما شاهده عالم الهنود الحمر من إبادة. القصيدة شهادة،أحيانا تكون تنبيه للمسكوت عنه مثل قصيدة “المخبر” لبدر شاكر سياب . فالقصيدة ليس دورها أن تضمد الجراح، وهي ربما في لحظة ما مرثية من المرثيات تطفئ شيئا من نار الشاعر، أو قصيدة عن حبيبة مفقودة تضمد جراحه إلى حين، لكن ليس هذا هو الأساس فالشعر وظائف عديدة لكن ليس منها تضميد الجراح. ما هو نتاجك المستقبلي؟ مازلت بصدد الاحتفال بديوان خلل في الهواء والترويج له. أريده أن يأخذ الحيز الذي أتمناه له، وليس في ذهني مشروع آخر واضح، كل مشاريعي متعلقة في أخرى في التحرير وما إلى ذلك لكن هنالك دوما أفكار وأحلام مستقبلية .