
هذه رواية صدرت عام ٢٠١٩، وقد ألحق بالعنوان جملة تقول: هذه رواية واقعية وليست من خيال المؤلف، وبذلك ضمن مؤلفها الكاتب سعود البلوشي من السعودية قدرا كبيرا من الإثارة. وهي رواية طويلة تداخلت فيها أربع سرديات، السردية الأولى كيف عرف الراوي سر بن غوريون؟ والسردية الثانية عن حياة الجواري والعبيد في مكة قبل العتق، وهناك سردية عن أمير عربي طفل أُخذ ملكُه ثم تم استرقاقه، والسردية الأخيرة هي المحورية وتحكي علاقة المشروع الصهيوني باليهود وبالفلسطينيين والعرب. اكتشف الراوي في بيت صديقة وجود قط اسمه بن غوريون، وهو الثالث من سلالته الذي أطلقت عليه أم صديقه نفس الاسم، استُثير الراوي، وبدأ يجمع المعلومات، تذكر أن صديقه قال مرة إن فلسطين في الأصل أرض اليهود وأن العرب قد احتلوها، وظن عندها أن صديقه قد تشاجر مع أحد الفلسطينيين ولذا فقد اعتنق هذا الرأي، ولكن الصديق قال إن أمه صديقة للفلسطينيين، وأن عائلة فلسطينية قدمت من الكويت وأصرت والدته على استضافتهم، وكانت تجلس مع الرجل العجوز وزوجته تقبل ركبهما، وأنها قد أقامت عند هذه العائلة سنوات عديدة في الأردن. لفت نظره أن والد صديقه قال مرة أنه أراد أن يسمى ابنه الأكبر جمال ولكن الأم رفضت بإصرار، وعلق العم سلطان على عناد زوجته أن اليهود يكرهون عبد الناصر، تساءل الراوي: يهودية؟ قال العم سلطان: نحن نقول للسيدات العنيدات يهوديات. بدأت تتجمع الخيوط عند الراوي، واستطاع بذكاء محقق بوليسي أن يصل إلى السردية التى بين يدينا، قصة الفتاة سارة اليهودية التي أصبحت حصة السعودية. سارة فتاة يهودية إيرانية، كانت تعيش مع والديها وأخيها حسن في إيران، يلفت نظرنا أن اسمها سارة واسم أبيها يوسف، و اسم أخيها حسن، كلها أسماء مسلمين تماهيا مع المجتمع من حولهم، وهو دلالة على رغبتهم في الإندماج في مجتمعهم ، أما اسم الأم ريتا، فلعله مأخوذ من قصيدة محمود درويش الشهيرة ( بين ريتا وعيوني بندقية)، لا تورد الحكاية دليلا على أن اليهود كانوا مضطهدين في إيران، و لكن عام ١٩٤٤ بدأت تجمعات يهودية صغيرة تتحدث عن اضطهاد اليهود في العالم، وأنهم قد ملوا البقاء في مجتمعات تضطهدهم، وتجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، والدا سارة لم يكونا متجاوبين مع ذلك، ولكن الوالد الطبيب الذي تأهل بجهده للارتقاء إلى وظيفة مرموقة خسر الوظيفة لأنه يهودي، وهنا نعرف سبب الداء، إذ أن الذي حرمه الوظيفة كان المدير الإنجليزي الذي قال إن المجتمع الإيراني لا يقبل أن يرى يهوديا في هذه الوظيفة المرموقة، وهو كلام لا دليل عليه، ولكنه للأسف خبث معروف عن الإنجليز أدى إلى استجابة العائلة لضغط المجتمع اليهودي الذي يشجع الهجرة. في جلسة المجمع اليهودي يتضح أن أغنياء اليهود يريدون تهجير يهود الطبقة الوسطى إلى فلسطين لبناء الدولة، بينما سيبقى مليونيرات اليهود للحفاظ على نفوذهم في مجتمعهم، كما أنهم لا يريدون بؤساء اليهود من المعاقين والأشرار ليبقى المجتمع اليهودى متفوقا، وهذا الاتجاه يفند دعوى اليهود بالاضطهاد في إيران. أصبحت العائلة ضمن ثاني قافلة من اليهود الإيرانيين الذين سيهجرون عبر صحراء العراق و الأردن إلى فلسطين، وهذا مخالف للواقع، لأن اليهود الإيرانيين هاجر بعضهم عن طريق علاقة الوكالة اليهودية بشركات النفط العاملة في إيران، وقد ذكر المؤلف أن القافلة الأولى قد فُقدت وأن رئيسها رحمون قد قُتل على أيدي البدو، وقد أصبح الطريق خطرا؛ خاصة وأن هذه الهجرة تتم في سنة ١٩٤٤ ، وهي التي بدأ المجتمع العربي فيها بالانتباه لما يحدث في فلسطين، وهذا ما حدث إذ أن القافلة اليهودية قد تم اكتشافها، ولتنجو فقد ادعى رئيسها أنهم قد ضلوا طريقهم للحج، ولذا فقد أرسل البدو معهم دليلين، حاولت القافلة الإفلات فلم تستطع، وهكذا وصلوا إلى مكة، وأدوا الحج، وكانوا ينتظرون عودة الحجاج لكي يذهبوا إلى فلسطين. وجدوا في مكة رحمون رئيس القافلة الأولى وقد أصبح غنيا وتسمى الحاج صالح وتزوج إمرأة مسلمة، تواصلوا معه، روى لهم قصة غريبة أكدت أنه قد ورث كل ما كان في القافلة الأولى من أموال، وقد بدأ الطرفان يتشكك كلاهما في الآخر، وهذا يصدق ما كان أبو سارة يقوله من أن جزءا من محنة اليهود في العالم سببها اليهود أنفسهم. تهين سارة اليهودي ميكي، يضربها، فيغمى عليها، يبعدها عن أهلها ويبيعها لأحد العاملين في مكة، ثم يفقد أهلها الأمل فيرحلون وتضيع آثار القافلة، يدعي من اشتراها أنها جارية مشتراه ويشهد رحمون بأنه لا يعرفها، وهذا يؤكد أنها من الجواري، تعيش حياة الذل ثم تنتقل من مالك لآخر بمكيدة من إحدى الوصيفات، فقد كان جمالها وثقافتها ومعرفتها بأكثر من لغة يثير الحسد، حاولت الهرب وساعدتها ابنة أحد المالكين، لم تفلح، ولكنها تحررت من الأعمال الشاقة لتصبح رفيقة لأمير صغير طُرد من بلاده وتخفى في أحد القصور، وفشلت مربيته في اصطحابه ليقابل أي مسؤول في الحكومة، وكادت سارة تسافر مع الأمير الصغير إلى لندن، قصة مثيرة أخرى ربما أُقحمت على السياق لتنتهي بعد سنوات بزواج سارة من سلطان الأمير سابقا الذي تم استرقاقه بعد وفاة مربيته. هنا يضطرب السياق قليلا، إذ يتعرض لتأثير هزيمة ١٩٦٧ على مجتمع العبيد والجواري، علما بأن تحرير العبيد قد تم قبل ذلك ببضع سنوات. كما أن السياق يذكر معاناة سارة وهي تعمل في تحضير الفحم والحطب للطبخ في القصر، علما بأن ذلك كان قد انتهى في قصور مكة منذ سنوات. وفي النهاية أًعتقت وتجنست بالجنسية السعودية وتزوجت بسلطان، وكان مقدرا للزواج أن يبقى صوريا حتى يسافر الزوجان إلى لندن وتعود إلى أهلها، ولكن تبين أن كل أملاك سلطان الطائلة قد تم الاستيلاء عليها بواسطة الأفاق مدير القصر، وبالإكراه حدثت بينهما علاقة زوجية لم تتكرر لكنها أثمرت عن حمل. نلاحظ هنا أن الحكايات تتناسل على طريقة ألف ليلة وليلة، ولكن الراوي يفلح في الإبقاء على قدر من الإثارة يحفز القارئ للمتابعة. ولعل المؤلف أراد أن يقول إن المجتمعات العربية تجرح وتداوي، فهنا مثلا نجد أن الوصيفة التي حرمتها من السفر ونقلتها إلى العبودية الثانية كانت تبحث عنها لتعطيها نصف ما ملكته من سيدها عند إعتاقها تكفيرا عن فعلتها السيئة. تسكن سارة مع زوجها في جدة، تعرفت على جيران من فلسطين، ادعت أن أباها السعودي تزوج أمها الفلسطينية في سوريا، ولكن أمها انفصلت عن أبيها وعادت لتعيش مع عائلتها في حيفا ثم انقطعت أخبارها، دبرت لها الجارة أمر ذهابها إلى الأردن لتحل ضيفة على قريب لهم يقيم على الحدود بين فلسطين والأردن، ومن ثم يتم تهريبها إلى فلسطين المحتلة، وعهدت بابنتها إلى صديقتها الحضرمية التي كانت للابنة أماً كاملة. في مدينة السلط نزلت عند عائلة أبو زياد التى أكرمت ضيافتها، وعملت على ترتيب أمر تهريبها عبر الحدود، لكن مسألة التهريب لم تتحقق حتى استغرق بقاؤها سنة كاملة عند مضيفيها، اطلعت عن قرب على معاناة الفلسطينيين الذين أجبروا على الرحيل من بلادهم (أو بلادها)، أحبت أبناءهم، وخاصة وليد وليلى. ذهبت العائلة للتعشيب في واد على الحدود تطل عليه مستعمرة يهودية، كانت سارة تحاول الاقتراب من المستعمرة بدعوى الحصول على أعشاب للطبخ أكثر، هدفها أن تتواصل مع بنى جلدتها، حدث ما كشف أمرَها عند مضيفيها، كادت الأمور تتدهور لكن العائلة تمسكت بكرم الضيافة، ورأت أنها ضحية مثلهم واستمرت في محاولة تهريبها. استطاعت العائلة أن تتواصل مع أحد الفلسطينيين في داخل الأراضى المحتلة، كان مقاولا للبناء يُستدعي للعمل أحيانا في المستعمرة، تواصل مع ضابط صهيوني، سرد له حكاية سارة، أخذ الأمر مدة حتى تحقق الضابط من الرواية، رُتب للفلسطيني الذهاب للحدود والحضور مع سارة من طريقٍ مراقَب مخصوص، وبعد اجتيازها التفتيش الأمني سيكون عليها التواصل مع يهودية إيرانية لمزيد من التأكد، وتم إعطاء الفلسطيني جهاز لاسلكي للتواصل، ولكن ما أن بدأت الرحلة حتى فُتح النار من جانب المقاومة وكان الرد الصهيوني عنيفا ودارت معركة قُتل فيها أبو مهند الفلسطيني، معلومات المقاومين عن عمله في البناء في المستعمرة ثم حمله جهازاً لاسلكياً أكدا الشبهات عليه، وحدثت المعركة، نجت سارة، وجاء ابن العائلة المضيفة لاصطحابها، تسلل الطفلان وليد وليلى مختبئين في حقيبة السيارة فرحين بعودة سارة، لكن دورية صهيونية تقدمت لفحص السيارة ثم أطلقت النار على حقيبة السيارة، قًتل الطفلان، رغم صياح سارة بالعبرية عن وجود الطفلين، لكن لا من يسمع. رُزئت العائلة بطفليها وكادت سارة تُجن، سكنت في المقبرة فوق قبري الطفلين، العائلة بكت ولكنها لم تفرط في مسألة الضيافة، استمرت سارة تبكي على القبرين عاما كاملا، وأخيرا قال لها أبو زياد إنه قد جاء لابنه عقد عمل في الكويت وأنه سيصطحب أبويه، أنذرها أنه إذا لم تعد إلى بلدها السعودية فإنه سيرسل من يفتح القبرين وينقل ما بقي من الطفلين إلى مقبرة لن تعرفها. بقيت سارة تحب أهلها الذين فقدتهم وتحب أهلها الجدد في فلسطين وجدة، عادت لتنجب وتصبح لها أسره، حصة العجوز على عكازها أدارت ظهرها لسارة الصبية، كما عبر مصمم الغلاف في لوحته المدهشة على الغلاف. أجواء ألف ليلة وليلة، هنا أفلحت في إنتاج واقع روائي مواز لما يحدث، لكن يبقى الواقع أسوأ من كل خيال.