قشقري..شاعر الحضور الهادئ.

في المدينة المنوّرة أسماءٌ شعرية، ربما أخذهم الانشغال بالعمل الثقافي عن نشر نصوصهم والتواصل مع منابر الشعر والأمسيات، ولكنها تركت وراءها قصائد جديرة بالاهتمام. ومن بين هؤلاء يبرز اسم الشاعر والصديق محمد أحمد عبد القادر قشقري، المولود عام 1960م في المدينة المنوّرة، والذي عاش حياته موزعًا بين مسؤولياته التربوية ومحبّته للشعر والثقافة والمسرح. بين التعليم والثقافة لم يكن قشقري مجرّد شاعرٍ يكتب قصيدته في عزلة، بل عاش متصلًا بالفعل الثقافي اليومي. بعد أن أنهى دراسته الثانوية في مدرسة أحد، واصل تعليمه في جامعة الملك عبد العزيز حيث حصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية. ومن مقاعد الجامعة إلى قاعات التدريس، أمضى سنواته معلّمًا للغة الإنجليزية في مدرسة طيبة الثانوية، قبل أن ينتقل إلى موقع آخر من التأثير الثقافي، مشرفًا على قسم النشاط الثقافي في إدارة التعليم بمنطقة المدينة المنوّرة. هناك كان وجهًا مألوفًا لكل شاعرٍ وقاص ومثقف، إذ حرص على أن تبقى الفعاليات الأدبية والثقافية حيّة عبر مسرح التعليم، تتسع لكل من يحمل شغفًا بالحرف. عزف القصيدة رغم انشغاله بالعمل، لم يُغادر الشعر قلب محمد قشقري. كان يجد في القصيدة فسحةً يبوح فيها بوجدانه. ومن نصّه “أريج” نقرأ: عطرها مرٌّ واستدار وغاما أرهق القلب لفتة واحتداما وغفا في الحنين ثغر عبير حين ألقى عن الشفاه اللثاما عطرها جال واستغاثت جفوني من جنون الهيام إثر ترامى عانق الحبّ أذرعا تتالى تجذب الصدر برهة ولماما بشذاها تقلّب الخفق جمراً تذهل النار حرقة وضراما خطوها سار والأريج توانى ويح عطر على الوداعات حاما! طريق المفاوز في نص آخر بعنوان “مفاوز”، يأخذنا قشقري في دروب الحنين: أحنّ إلى ركب تباعد واختفى وسار مسار النأيّ واستعذب الجفا ولم يلتفت للشوق يعدو وراءه بدمع تلقته المحاجر إذ هفا تساءلت ما جدوى الهيام موثّقاً إذا لاح في يوم الوداع على شفا وهل أبقت الأطلال وهي تبتّل سوى أذرع التذكار تحمل ما عفا! ورغم كل ذلك الانغماس في الفعل الثقافي، الذي شغل قشقري عن تقديم تجربته، فقد قدّم إرثًا أدبيًا مطبوعًا يتمثل في ثلاثة دواوين هي: “قمر أخير”، “جنائن اللوعة”، و”ورد طليق”