
الفيلم الكوري ( الرابعة مساءاُ) مبني على رواية فرنسية تحمل نفس الاسم للمؤلفة الأكثر مبيعا « أميلي نوتونفي » مواليد عام 1967 في بلجيكا، وإخراج الكوري الجنوبي « جاي سونغ». هناك أشخاص وقحون لا يهتمون بالإساءة إلى الآخرين ، وعلى العكس من ذلك ، غالبا ما نرى أشخاصا محرومين ولا يمكنهم حتى الاحتجاج بخجل . هذه الفكرة يأخذها المخرج إلى أقصى الحدود في فيلم إثارة مع جو من التوتر والسرد غير المريح . يبدأ الفيلم بالتعليق الصوتي الذي يجسد الحكاية :” قال فيلسوف ذات مرة أعرف نفسك ، ربما لم يكن يعرف كم نحن سعداء بنعيم جهل ذواتنا ، لذا لاتسأل من انت ولا تحاول اكتشاف ذاتك ، بمجرد تفعل ذالك عار لايطاق ، وبؤس سيخنقك “ . إفتتاحية الفيلم من محاضرة البروفيسور جيونغ إن “ أوه دال سو” في الجامعة وقد جاءت زوجته هيون سوك “جانغ يونغ نام “ لحضور محاضرته الجامعية الأخيرة قبل أجازة التفرغ ، أستاذ علم النفس “جيونغ إن “ يقرر أخذ استراحة من التدريس وينتقل إلى منزله الريفي الجديد مع زوجته . يسعد الاثنان بشراء كوخ محاط بغابة جميلة مع إطلالة بانورامية على ضفاف النهر . متحمسان للهروب من صخب المدينة واستنشاق الهواء النقي وعيش حياة منعشة مع الطبيعة. الزوجان متفاهمان متماسكان للغاية ، يتشاركان الاهتمامات والهوايات مثل التأمل والمشي لمسافات طويلة وسط الطبيعة وتناول الطعام في الخارج . في اليوم الأول في منزلهم الريفي الجديد ، ومن أجل التعارف وتسهيل علاقات حسن الجوار ذهبا للتعرف على جارهم . وحين لم يرد أحد عليهما تركا رسالة لطيفة لجارهم الوحيد ، وهو طبيب يعيش في المنزل القريب عليهم ، ويدعوانه لزيارتهم لتناول الشاي وتبادل الاحاديث معه . في الساعة 4 مساء من اليوم الأول في منزلهما الريفي ، يطرق شخص ما بابهما بقوة ، يقدم نفسه بأنه جارههما الطبيب يوك نام (كيم هونغ با) ، يدخل المنزل دون أن يتحدث، ويجلس على الأريكة في صمت ويشرع في الإجابة على جميع أسئلة الاستاذ الجامعي جيونغ بكلل رود وبشكل مقتضب وأحياناً يتجاهلها تماما . تستمر هذه الزيارة المحرجة حتى الساعة 6 مساء عندما يستيقظ الطبيب االصامت الممل أخيرا ويفتح الباب ويغادر . في الساعة 4 مساء في اليوم التالي ، يعود الطبيب الجار “يوك نام “ ويجبرهما على قضاء ساعتين من الصمت والملل . حالة الصمت معه محرجة للغاية. الطبيب الذي يجلس مكتوف الأيدي يشرب الشاي ، ثم يعود إلى منزله في الساعة 6 صباحا دون أن يقول وداعا. وفي الساعة 4 مساء في اليوم التالي ، جاء إلى منزل الزوجين جيونغ ، مما أدى إلى كسر هدوء حياتهما اليومية. يتكرر هذا الحدث كل يوم ، ومعه تزداد معاناة الزوجان ، و يصبح موعد زيارة الجار الممل جنون وقلق يبدأ الساعة الرابعة مساءاً وينتهي عند مغادرته بعد ساعتين . ليس لديهم أي فكرة عما يجب عليهم فعله حيال ذلك ، وتبدأ الأسئلة وراء سلوك جارهم الغامض في إبقائهم مستيقظين في الليل . في البداية يرفض “ جيونغ” أن يكون وقحا . لكنه يحاول أن يخبره أنه لا يريده أن يأتي إلى منزله مرة أخرى. ومع ذلك ، فإن هذه الكلمة البسيطة لا تخرج بسهولة من فمه. يُعرف جيونغ نفسه بأنه “ مثقف” يتميز باللطف والاهتمام بالآخرين . لكن الطبيب والجار يأتي كل يوم وفي نفس التوقيت ويدمر أوقات السلم للزوجين . مع مرور الوقت يشعر الزوجان بالضغط ويدفعهما سلوك الجار الغريب إلى الجنون . كيف يمكنك التعامل مع هذا الدخيل المزعج للغاية دون أن تكون وقحا؟ . هذا السؤال يقضم الأستاذ الجامعي “ جيونغ آن” . يقدم سيناريو” كيم هاي كون” عناصر جديدة لا يمكن التنبؤ بها وأحيانا تعسفية تغير بشكل جذري العلاقة بين الشخصيات وحالة الاستاذ الجامعي وزوجته النفسية والضغط الذي ولد من زيارة الجار الثقيل ، على الرغم من محاولات الزوجين التفاعل معه او جره الى الحديث . وعندما يغادر يشعر الزوجان بالارتياح، لأن هاتين الساعتين الطويلتين اللذين قضاهما مع هذا الرجل المتقشف كانتا أكثر من مجرد كابوس. كل يوم سيطرق الباب وفي نفس التوقيت ، في تمام الساعة 4:00 مساء، يدق الجار جرس الباب، ويستقر على كرسيه، ويشرب كوبا من الشاي بينما يظل صامتا تقريبا ويغادر في الساعة 6:00 مساء . إلى حد جعل الزوجين مجنونين تماما . تصبح الزيارات اليومية لهذا الجار المزعج هاجسا حقيقيا لكلا الزوجين . كيف تتحدث مع هذا الشخص البارد والصامت؟ . تفشل محاولات الاستاذ وزوجته لجعل ضيفهما يتحدث ، أو يغلقا الباب بوجه . الطبيب ليس منفتحا للغاية وبدلا من ذلك يعود كل يوم في نفس الوقت للجلوس ويشرب بعض الشاي والمغادرة في الساعة 6 مساء. بل ويبدأ هذا في التدخل في حياة الزوجين ، اللذين يحاولان في البداية التخلص منه ، ولكن لا شيء ينجح معه . يفخر “ جيونغ آن” بمزاجه الهادئ وأدبه الجمً . على عكس زوجته ، لم يكن يرغب في إظهار غضبه حتى لاينظر إليه على أنه وقح أو قاسي . ولكنه زوجته “ هيون سوك” لاتنتظر أن تنزلق الأمور بشكل خطير ، ولتدارك الآثار الكارثية التي يمكن أن تحدثها الظروف تحاول إيجاد بدائل لتجنبها تماما وابعاد هذا الضيف الثقيل . ولكن، لايزال تصميم الطبيب الذي لا ينضب على زرع نفسه في حياتهم ينتهك بشدة جميع خطط الزوجين الموضوعة بعناية. إنهم يبتكرون طرقا متنوعة لمنع توغله الملح في حياتهما . في مرحلة ما ، قرر الزوجان تجاهل طرقات الطبيب” يوك نام “ العنيفة على الباب. ولكنه يصاب بالجنون الشديد لدرجة حاول أن يكسر الباب . رفض إعتذار الاستاذ جيونغ في استقباله بسبب مرض زوجته ، لكنه بدلا أن يعتذر يأمره بأن يوقظها وتكون معهم في صالة الضيوف . وفي محاولة من الزوجان” جيونغ إن” و”هيون سوك” التخلص من الجار المزعج، يقررا الخروج في الساعة 3 مساء والعودة متأخرين . رغم الأمطار الغزيرة يصر الزوجان على التمسك بخطتهما . ويعودان متأخران ويدركان بأن الطبيب جلس خارج منزلهم تحت المطر . في اليوم التالي ، ظهر مرة أخرى وأدانهم بجعله ينتظر في الخارج كما لو كانوا مدينين له بشيء. إنه لا يفهم أي حدود اجتماعية أو الذوق أو مراعاة طروف الجار . كيف يتخلص الأستاذ وزوجته من جارهما المزعج ؟ يظهر الطبيب الجار” يوك نام” دائما في الساعة 4 مساء في منزل الأستاذ ويصبح مصدر إزعاج له ولزوجته . يحاولان بطرق أخرى ، يوجهان دعوة الى الطبيب لتناول عشاء في الساعة 7 مساء مع زوجته . يأتي في الموعد المحدد مع زوجته . لا يتحدث أي منهما ، و يبدو أن علاقتهما متوترة. الطبيب لا يحترم زوجته ويمنع “ هيون سوك” من تقديم المزيد من الطعام أو النبيذ لها . يشعر الزوجان بالتعاطف مع المرأة المسكينة ويقررا إيقاف الطبيب . بعد مغادرته ، يتلقى الأستاذ مكالمة من سو يونغ ، الطالبة التي يعاملونها مثل ابنتهما . وتبلغهما بزيارتها لهما في اليوم التالي . لذلك ، يقف الأستاذ في الخارج لإيقاف الطبيب في حالة ظهوره كالمعتاد . ومع ذلك ، لاتنجح الخطة في ابعاد الجار المزعج . يقرع الطبيب الباب على أي حال ويدعو نفسه للدخول . كما هو الحال دائما ، لا ينطق الطبيب بكلمة واحدة . تشعر الطالبة “ سو جونغ” بالإهانة بسبب صمت الجميع ، وتغادر على الفور . تصبح القشة الأخيرة التي تقصم ظهر الاستاذ الجامعي “ جيونغ إن “ ويصر أن يفعل شيئا حيال ذالك . في اليوم التالي ، عندما يظهر الطبيب يطرده ( جيونغ إن) ويضربه بعنف . تراقب زوجة الأستاذ الجامعي من نافذة الغرفة و تعترض على إستخدام العنف والضرب في حل المشكلة. انفجار جيونغ إن “ الذي يحلم بالسعادة، ويتطلع إلى حياة ريفية هادئة بعد التقاعد، ولكن الزيارة غير المتوقعة لجاره الطبيب يوكنام تسبب صدعا في قلبه . ويخترق حياة وخصوصية الزوجين باستمرار . وجوده يعني تهديدا خارجيا يحفر في الحياة السلمية لجيونغ وهيون سوك . يوضح الفيلم بالتفصيل كيف يتطور الانزعاج الصغير للحياة اليومية إلى خوف نفسي . من خلاله يتم تذكير الجمهور بالخوف اليومي والعزلة العاطفية التي قد يتعرضون لها. هذا الانتقال النفسي هو موضوع مهم للفيلم ويثير إعجاب يمكن تفسير ذلك على أنه وسيلة للتعبير عن العنف والغضب الكامنين داخل الإنسان . قرب نهاية الفيلم ، يشعر الأستاذ بالارتياح لأنه لن يضطر إلى التعامل مع الطبيب بعد الآن . يعتقد أن الطبيب يظهر في منزلهم لأنه وحيد . بعد كل شيء ، الطبيب رجل في منتصف العمر ليس لديه أطفال وزوجة مريضة بشكل واضح يحتاج إلى الاعتناء بها . ربما يكون قد سئم جدا من التعامل معها والروتين من بؤسه يجعله يجد بعض السلام . ربما هذا هو السبب في عدم التفاعل مع الاخرين على الإطلاق . بالنسبة الى الجار يعد أن يضربه الأستاذ ، يحبس نفسه في مرآب السيارة ويحاول الانتحار . يهرع اليه الأستاذ وينقذه . لبضع لحظات يستمتع بفكرة ترك الطبيب يموت ، لكنه في النهاية يتصل بألاسعاف لإنقاذ حياته . في وقت لاحق ، ينقل الأستاذ “ جيونغ آن” الطبيب من المستشفى إلى المنزل . حتى ذلك الحين ، لا يشعر الطبيب بذرة من الندم . بدلا من ذلك ، فهو غاضب لأن الأستاذ لم يحترم رغباته ، سواء في الحياة أو الموت . لذلك ، يفكر في خطة لقتل الأستاذ ، ينقض على مقود السيارة ويدخل في صراع مع الاستاذ ، مما يجعل الأستاذ يفقد التوازن في سياقة سيارته ويتسبب في حادث للسيارة . ماذا يحدث للأستاذ في النهاية ؟ بعد حادث السيارة ، يضحك الطبيب على الأستاذ ويسخر من فلسفته حول الحياة والموت. يدرك الأستاذ أن الطبيب سيجعلهم بائسين . ونتيجة لذالك، يذهب في الليل الى منزل الطبيب ويخنقه حتى الموت، تراقبه زوجة الطبيب من داخل المنزل من دون أن يشعر . في وقت لاحق ، تصل زوجة الطبيب إلى منزله ، وبينما كان مشغولا بقراءة كتاب ، يفترض أنها تخنقه حتى الموت. تظهر هذه النهاية الشريرة أن الأستاذ يصل إلى نفس مصير الطبيب . إنه يرتبط بالتعليق الصوتي الذي يظهر في بداية الفيلم . على الرغم من كونه جزءا من المجتمع البشري ومن الصفوة ، إلا أنه قادر على فعل الشر مثل أي إنسان آخر . كل ما يحتاجه هو القليل من الدوافع لإنسياقة إلى هذا السلوك البشري والوعي الذاتي . خلاف ذلك ، يعيش في جهل بقدراته الخاصة . ربما أراد المخرج سونغ إجراء دراسة شخصية حول كيف يمكن للبشر ، حتى الأكثر استقرارا ومستوى ثقافي وعلمي ، أن يلجأوا إلى العنف أو الأفعال المتطرفة إذا شعروا بأنهم يشعرون بالتهديد . يستكشف المخرج المشاعر المظلمة داخل البشر، ويطرح أسئلة حول الطبيعة البشرية ويكشف بوضوح عن الصراع العاطفي من خلال التمثيل الدقيق للممثلين الرائدين . ويثير إعجاب الجمهور بسرد متوتر ونهاية مفتوحة ،الفيلم عمل يعبر رمزيا عن قلق الناس المعاصرين من خلال تفصيل عملية الانزعاج الصغير للحياة اليومية التي تتطور إلى خوف نفسي ، يوفر نظرة ثاقبة للطبيعة البشرية. يستكشف الفيلم الظلام الداخلي السكن في روح الأستاذ الجامعي” جونغ أن” . في تصريح للمخرج “ سونغ جونغ وو” ذكر فيه :”آمل أن يكون لدى الجمهور الوقت للتفكير في أنفسهم والتعرف على أنفسهم من خلال هذا الفيلم ، تماما كما قال سقراط ،” اعرف نفسك “. فاز الفيلم في مهرجان بيند السينمائي في الولايات المتحدة بجائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الروائي الطويل . الخلاصة ، الفيلم يكشف رمزيا عن الطبيعة المظلمة للسلوك البشري . ويوضح كيف يمتد القلق الذي يحدث في الحياة اليومية إلى الخوف النفسي * كاتب عراقي