اطـرَح ... تَربَـح !

يُعتَبَر برنامج التخصيص مِن أحد أهم أهداف رؤية 2030، وذلك بتخصيص الأنشطة الحكومية التي ستكون في وضع إداري وإنتاجي أفضل إذا ما نُقِلَت إلى القطاع الخاص. وأكبر مثال على صحة هذا الهَدف هوَ تخصيص قطاع الاتصالات. وخلال السنوات القليلة الماضية تَمَّ طَرح عشرات الشركات للإكتتاب العام في سوق الأسهم الرئيسي والسوق الثانوي. وللأسف، غالبية أسعار أسهُم تلك الشركات اليوم أقل بكثير مِن سعر طَرحها، مما يُثير العديد من التساؤلات حول إجراءات طَرح الشركات للإكتتاب، وكذلك كثرة الشركات المطروحة. المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق بدءاً من 17 ذو القعدة 1444هـ وحتى 29 ربيع الأول 1446هـ تَمَّ طَرح أربع شركات مطاحن للإكتتاب العام في سوق الأسهم السعودي، حيث خَرَجَت هذه الشركات الأربع مِن رَحِم المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق التي قَرَّرَت الدولة تخصيص نشاط المطاحن فيها، وذلك بنقل ملكيتها إلى صندوق الاستثمارات العامة، بادئ ذي بدء. ويُمكِن إيجاز تاريخ المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق، وما آلت إليه وما تَمَخَّضَ عنها مِن كيانات عديدة، في المراحـل التاليــة (جدول 1): (1) أُنشِـئَت المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق عام 1392ه. (2) في عام 1437هـ تَغَـيَّر إسمها إلى المؤسسة العامة للحبوب، ثُمَّ تَغَـيَّر اسمُها مرةً أُخرى عام 1444هـ إلى الهيئة العامة للأمن الغذائي. (3) تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء رقم (35) وتاريخ 27/1/1437هـ، انتقلت الأصول والحقوق والالتزامات ذات العلاقة بنشاط مطاحن الدقيق في الهيئة العامة للأمن الغذائي إلى صندوق الاستثمارات العامة الذي أنشأ أربع شركات لَغَرَض تخصيص نشاط المطاحن. (4) بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 631 وتاريخ 17/1/1441هـ، قام صندوق الاستثمارات العامة بنقل كامل أسهُمه في شركات المطاحن الأربعة بقيمة اسمية مدفوعة بالكامل قدرها (10) ريالات للسهم إلى المركز الوطني للتخصيص، تمهيداً لعَرضِها على المُستثمرين المُتَوَقَّعين لشرائها. هذه الشركات هي: شركة المطاحن الأولى، شركة المطاحن الثانية (العربية)، شركة المطاحن الثالثة (الحديثة)، وشركة المطاحن الرابعة. (5) قام المركز الوطني للتخصيص بنقل كامل أسهُمِه في كُلّ شركة من هذه الشركات الأربع إلى المستثمرين الذين فازوا بعَرض شراء كُلّ شركة، وذلك بقيمة إسمية مدفوعة بالكامل قدرها (10) ريالات للسهم الواحد مِن أسهُم كُلّ شركة. (6) قام هؤلاء المستثمرون بطَرح 30% مِن إجمالي أسهُم كُلّ شركة للاكتتاب العام في سوق الأسهم السعودي (تداول) بسعرٍ يتراوح بين 5.3 و 66 ريال للسهم خلال الفترة 1444 ـــ 1446هـ. (حالياً قيمة السهم لجميع هذه الشركات أقـل مِن سعر الإكتتاب !!). (7) أنشأ صندوق الاستثمارات العامة الشركة الوطنية لإمدادات الحبوب (سابل)، وجَعْل الإشراف عليها مسؤولية وزارة البيئة والمياه والزراعة؛ لِتَتَولى هذه الشركة تشغيل 14 فرعاً للصوامع لتخزين القمح في مُختَلَف مناطق المملكة، وبيعه لشركات المطاحن الأربع. باختصــار شـــديد، كانت المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق مؤسسة حكومية واحـدة تقوم بجميـــــع الوظـائف التي تقوم بها الآن سـتة كَيـانات (الهيئة العامة للأمن الغذائي + الشركة الوطنية لإمدادات الحبوب + أربع شركات مُساهِمِة). وكان الجميع داخل وخارج المؤسـسة «مبسـوطين»، وخدمة المؤسسة رائعـة مُنذُ إنشائها عام 1392هـ/1972م، حيث لم تُوَاجِه المملكة أثناء وجود المؤسـسـة لأكثر من خمسين سنة أي نقص في القمح والدقيق ومُنتَجـاته، ولَـم تَحـدُث أيَّة اختناقات في إمدادات القمح، سواءً بالاستيراد أو بالإنتاج. واليوم، يتواجد في الهيئة العامة للأمن الغذائي والشركة الوطنية لإمدادات الحبوب (سابل) وشركات المطاحن الأربع جيش مِن الرؤساء التنفيذيين ونوابهم يقومون بمهام كان يقوم بها شخص واحد بمُسَـمَّى مدير عام المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق على المرتبة الممتازة براتبٍ شهري (35.000 ريال) لا يتجاوز 20% مما يستَلِمه الآن أحد الرؤساء التنفيذيين لهذه الكيانات السِّـتة، وبقية الموظفين في المؤسسة على سِلَّم الخدمة المدنية، والفنيين العاملين في المطاحن على عقود عَمَل برواتب تزيد قليلاً عن رواتب الخدمة المدنية. والســؤال هُنــا: لـمـــــاذا تَـمَّ خَـصخَـصَـة المؤسـسـة العـامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق بهذه الطريقة !؟ وهـل هُناك رَصد لإجمـالي مصروفات الهيئة العامة للأمن الغذائي وشركات المطاحن الأربع وشركة سابل التي انبَثَقَت نتيجـة تخصيص المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق، لمُقـارنتها بمصروفات المؤسسة قبل التخصيص، وذلك لمعرفة ما إذا سَـاعَدَ التخصيص في خفض تكاليف التشغيل وزيادة الكفاءة الإنتاجية أم لا !؟ خاصةً وأنَّه، حتى بعد تَوَلّي شركات المطاحن الأربعة بيع طحين القمح ومنتجاته في أسواق المملكة، لا تزال الحكومة تَدعَم بيع الدقيق للسُكّان بسعر مُنخَفض عَبرَ هذه الشركات الأربع، وهي كذلك التي تبيع القمح إلى شركات المطاحن الأربعة من خلال الشركة الوطنية لإمدادات الحبوب (سابل) التي تقوم بشراء وتخزين القمح في الصوامع التي تديرها في 14 فرع في مناطق المملكة. مكاسـب سريعة Quick Wins ولكن الشيء الغريب عندما تَمَّ طَرح شركات المطاحن الأربع للإكتتاب العام، وذلك في ظِلّ أنَّها خَرَجَت مِن رَحِـم المؤسـسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق، أنَّ القيمة الاسمية للسهم في نشرات الإصدار كانت مُتفاوته؛ حيث بَلَغَت عشرة ريالات لسهم شركة المطاحن الأولى وشركة المطاحن العربية، في حين كانت ريالاً واحداً لشركة المطاحن الحديثة وشركة المطاحن الرابعة، على الرغم مِن أنَّ هؤلاء المستثمرين اشتروا هذه الشركات الأربع من المركز الوطني للتخصيص بقيمَةٍ إسمية للسهم قدرها (10) ريالات (جدول 2). والسؤال المُهِمّ هُنا هوَ: لـمــاذا هذا الاختلاف الكبير جداً في القيمة الإسمية لسهم أربع شركات مُتشابهَة التقنية والأجهزة والعمل والإنتاج وانبَثَقَت مِن تخصيص جهاز حكومي واحـد؟ وقد كان الإقبال كبيراً على شراء أسهُم شركات المطاحن الأربعة التي طُرِحَت للإكتتاب، حيث تَمَّ تغطية اكتتاب الأسهم المطروحة، وكَسَـبَ مُلاك الشركات (المستثمرون) مِن طَرح فقط 30% مِن ملكيتهم في تلك الشركات للاكتتاب أرباحاً خُرافية تراوحت بين 131 – 198 % مِن قيمة شراء كامل الشركة مِن المركز الوطني للتخصيص. بل إنَّ قيمة 30% فقط من أسهم كُلّ شركة من شركات المطاحن الأربع التي طُرحَت للاكتتاب غَطَّت كامل قيمة شرائها من المركز الوطني للتخصيص مع فائض مالي للمستثمرين بعد خصم قيمة شراء الشركة مِن المركز !! حيث تراوح هذا الفائض المالي بين 279 مليون ريال لشركة المطاحن الحديثة ومبلغ 503 ملايين ريال لشركة المطاحن العربية (أنظر جدول 2). تخصيص نشاط مُربِـح هذه الأرباح الضخمة خلال أقل من ثلاث سنوات من شراء شركات المطاحن الأربع من المركز الوطني للتخصيص وطرحها للاكتتاب، تؤكِّد أنَّ نشاط المطاحن في الهيئة العامة للأمن الغذائي كان نشاطاً مُربحَاً جداً، وإلاّ لما تسابقَ مستثمرون سعوديون وغير سعوديين على شراء الشركات، ولا أقرَضَت البنوك السعودية والخليجية هؤلاء المستثمرين مئات الملايين من الريالات لشرائها. وبالتالي يكون السـؤال الآن: لـمـاذا تَمَّ تخصيص جهاز حكومي يُحَقِّق أرباحاً للدولة !؟ قد يقول قائل أنَّ الدولة حَصَلَت على 2.43 مليار ريال جَرَّاء بيع الهيئة العامة للتخصيص لنشاط المطاحن مِن موجودات الهيئة العامة للأمن الغذائي، وبالتالي تَخَلَّصت الدولة من عبء تكاليف تشغيل هذه المطاحن. والإجابة على هذا القَول تتَمَثَّل في حقيقةٍ مؤلِمَة مَفادُها أنَّ الدولة بالفعل حَصَلَت على 2.43 مليار ريالاً بسرعة، ولَكِنَّ المستثمرين الذين اشتروا أربع شركات مطاحن من المركز الوطني للتخصيص، حقَّقوا 13.5 مليار ريال مِن شراء هذه الشركات وطرحها للإكتتاب في سوق الأسهم (بناءً على سعر الطرح)، بل إنَّ المستثمرين حقَّقوا أربعَة مليارات ريال عَدَّاً ونَقداً فقط من بيع 30% مِن ملكيَتِهم في الشركات التي اشتروها. بمعنى آخر، الدولة حَصَلَت على 2.43 مليار ريال من بيع أربع شركات مطاحن إلى مستثمرين، في حين حَصَلَ المستثمرون على أربع مليارات ريال من بيع 30% فقط من مِلكيتهم في هذه الشركات. والألطف من ذلك، طبعاً للمستثمرين، أنَّ الأموال التي دفعوها للمركز الوطني للتخصيص لشراء شركات المطاحن كانت قروضاً بنكية قصيرة الأجل بتكاليف تمويلية زهيدة حَقَّقوا منها أرباحاً خُرافية فقط من بيع 30% من ملكيتهم في هذه الشركات. حيث حقَّقت شركة المطاحن الثانية مكسب 503 ملايين ريال مِن قَرض بنكي كلَّفها تمويله خمسين مليون ريال فقط، في حين حقَّقت شركة المطاحن الحديثة مكسب 270 مليون ريال مِن قَرض بنكي كلَّفها تمويله 76 مليون ريال (جدول 2). وبالتالي، فإنَّ السؤال الذي يبحث عن أجابة هوَ: لماذا لم يَقُم المركز الوطني للتخصيص ببيع شركة مطاحن واحدة فقط لمعرفة مدى ربحية عملية التخصيص، ليتم بعد ذلك تقرير الاستمرار ببيع الشركات الثلاث الأخرى، أو أن يتم إنشاء شركات وطنية يملكها صندوق الاستثمارات العامة لتُطرَح للإكتتاب وتحقيق الأرباح الخرافية التي فاز بها المستثمرون الذين اشتروا شركات المطاحن !؟ خُلاصَة القَول تتَمَثَّل في أنَّ المَنطق الاقتصادي لا يؤيد تخصيص نشاط في القطاع العام يُحَقِّق أرباحاً للدولة، خاصةً وأنَّ عملية التخصيص هذه لن تعود على الدولة بمبالغ مالية كبيرة، كما هي الحال في تخصيص شركة أرامكو وسابك. شركات الاسـتشـارات الأجنبيـة ولكن المؤلم في عملية تخصيص نشاط المطاحن في الهيئة العامة للأمن الغذائي عَبر إنشاء أربع شركات مطاحن وبيعها لمُستثمرين قاموا بطرحها للإكتتاب العام في سوق الأسهم السعودي مُحققين أرباحاً خيالية، هوَ أنَّ المراحل المهمة جداً في عملية الطرح والمُتَمثِّلة في وظائف «مستشار العناية المهنية اللازمة المالي ومستشار دراسة السوق ومُراجع الحسابات» جميعها قامت بها شركات استشارية أجنبية، بل إنَّ نفس هذه الشركات الأجنبية تَكَرَّر وجودها في جميع نشرات الإصدار لشركات المطاحن الأربعة (جدول 2). وهنا يَبرُز السؤال التالي: هل كان تخصيص نشاط الطحن مُعَقَّداً جداً وأشبَه ما يكون بصناعة قنبلة نووية بحيث لا توجد شركات أو مكاتب استشارية سعودية تستطيع القيام بهذه المُهِمَّة !؟ أو على أضعف الإيمان، لماذا لم تشترط الجهة الحكومية الرقابية على هذا الموضوع ضرورة إشراك الجامعات السعودية أو المكاتب والشركات الاستشارية السعودية مع الشركات الأجنبية في هذه المهام !؟ لقد مضى على تأسيس السوق المالية السعودية أربعين عام، حيث تأسَّـسَ عام 1985م، فكيف يُمكِن تفسير عدم احتضان السوق المالية شركات استشارية مالية واقتصادية سعودية قائمة على موظفين سعوديين يقومون بإعداد نشرات إصدار الشركات المُمَهِدة لعمليات الاكتتابات؟ علاوات إصدار فوق السـحاب المعروف في قطاع المال والأعمال والشركات أنَّ تخفيض رأس مال الشركة يكون لأسباب مصاعب مالية تواجهها الشركة بعد عَمَلها لسنواتٍ عديدة، كما حَدَثَ مع شركات المملكة وموبايلي وزين؛ ولكن ليس بعد إنشاء الشركة بأشهُرٍ قليلة !! وفي ظِلّ حقيقة أنَّ نفس شركات الاستشارات الأجنبية (برايس ووتر هاوس كوبر PWC، يورومونيتور، إي واي EY) أشرفت على إعداد نشرات الإصدار لهذه الشركات الأربع، نتساءل: (1) لماذا خَفَّضَت شركة المطاحن الحديثة رأس مالها من 818 مليون ريال إلى 81.8 مليون ريال بعد أقل مِن سنتين من شرائها من المركز الوطني للتخصيص وقبل طرحها للاكتتاب بـ 18 شهراً؟ (2) وهل أدى تخفيض رأسمال الشركة إلى استحواذ المستثمرين على كامل قيمة الاكتتاب البالغة 1178 مليون ريال؟ (3) هل قام المستثمرون بإضافة أُصولٍ جديدة لشركات المطاحن التي اشتروها مِن المركز الوطني للتخصيص؟ الأمر الذي قد يُبَرِّر سعر طرح أسهم الاكتتاب لكل شركة بسعرٍ أعلى مِن القيمة الاسمية للسهم في رأس مال الشركة التي تم شراؤها من المركز الوطني للتخصيص. (4) كيف يتم تغيير القيمة الاسمية للسهم قُبَيلَ طَرح الشركة للاكتتاب بخمسَة أشهُر مِن عشرة ريالات إلى ريالٍ واحد؟! (5) هل يُعقَل أنْ يكون سعر الاكتتاب للسهم أكبر من القيمة الاسمية للسهم بـ 48 ضِعف لِشَركةٍ حديثَة الإنشاء؟ (6) وآخراً وليس أخيراً، في ربيع الثاني 1438هـ أوكَلت المؤسسة العامة للحبوب إلى HSBC وظيفة المستشار المالي لخصخصة الشركات الأربع لمطاحن الدقيق، باديء ذي بد؛ فكيف يُسمَح لـ HSBC بأن يكون مستشاراً مالياً في مراحل طرح أسهم شركتين من هذه الشركات للاكتتاب (شركة المطاحن العربية، شركة المطاحن الحديثة)؟ أليسَ هذا تعارُض مصالح؟ صوامع «الأغلال» ! الملاحظة الأخيرة في عملية تخصيص نشاط المطاحن في الهيئة العامة للأمن الغذائي مِن خلال بيع أربع شركات مطاحن لمستثمرين، تتعلَّق بما جاء تحت عُنوان «أنشِـطَة الشركة» في نشرة إصدار شركة المطاحن الحديثة (صفحة ن) وكذلك شركة المطاحن الرابعة، حيث لم تترك الشركتان الموقرتان شاردةً أو واردةً مِن أنشطة الزراعة والتصنيع والتجارة والبيع والنقل والتخزين والخدمات اللوجستية إلا وذَكَرتهما في أنشطتهما (جدول 3). وبالتالي، لماذا لم تُضِف هاتان الشركتان نشاط «أسنان، ليزر، تجميل، جلدية» إلى أنشطتهما العديدة جداً التي جاءت في نشرة الإصدار؛ خاصةً وأنهما امتداد لشركة مطاحن قمح، وليس شركات عالمية مُتعددة الأنشطة Multinational Conglomerate !! ولكن الغريب في نشرات الإصدار لشركات المطاحن الأربعة، والتي قامت بإعدادها شركات مختلفة، ضخامة هذه النشرات (451 ـــ 541 صفحة)، والتشابه الكبير جداً في طريقة كتابة وتبويب أجزاء هذه النشرات، حتى يكاد القارئ يَظُنّ أنَّ شخصاً واحداً كَتَبَ هذه النشرات للشركات الأربع، وغَيَّرَ فقط اسم الشركة !! وللتدليل، نستعرض مع القارئ الكريم العنوان المتطابق في أربع نشرات الإصدار، وهو: «مُلخص عوامل المخاطرة». فقد جاء تحت هذا العنوان ثلاثة عناوين ثانوية مُتطابقة حرفياً في العنوان، وتكاد تكون متطابقة في النقاط تحت كل عنوان نَصَّاً وعدداً في النشرات الأربع، هذه العناوين الثانوية الثلاث هي: (أ) المخاطر المتعلقة بعمليات الشركة، (ب) المخاطر المتعلقة بالسوق والقطاع والبيئة التنظيمية، (ج) المخاطر المتعلقة بأسهم الطرح. ولكن الأمر الغريب في موضوع إنشاء أربعة شركات للمطاحن، وذلك بعد انتقال الأصول والحقوق والالتزامات ذات العلاقة بنشاط مطاحن الدقيق في الهيئة العامة للأمن الغذائي إلى صندوق الاستثمارات العامة الذي أنشأ أربع شركات لَغَرَض تخصيص نشاط المطاحن؛ هو الطريقة التي تَمَّ بها تحديد مواقع المطاحن لكل شركة من هذه الشركات الأربع (جدول 3). فلماذا لم يتم اختيار مواقع المطاحن المتقاربة لكل شركة، وذلك لتسهيل عملية إدارة الشركة !؟ فما هو العامل المشترك في مواقع شركة المطاحن الأولى: جَدَّه، الأحساء، القصيم، تبوك؛ أو مواقع شركة المطاحن العربية: الرياض، جازان، حائل؛ أو مواقع شركة المطاحن الحديثة: خميس مشيط، الجوف، الجموم؛ أو مواقع شركة المطاحن الرابعة: الدمام، الخرج، المدينة المنورة !؟ إلا أنَّ الأمر الظريف في كَـثرَة أنشطة شركة المطاحن الرابعة، جاءَ في صفحة (ط) من نشرة الإصدار، في النشاط رقم (11) تحت عنوان «كما تتمثَّل أنشطة الشركة وفقاً لسجلها التجاري بمزاولة وتنفيذ الأغراض التالية»: «التخزين في مستودعات صوامع الأغلال والدقيق والمنتجات الزراعية». نعم، هكذا: «الأغلال». لا تعليق !! سوق أسهُم في المؤَخِّـرَة ! مِن المؤلِم جداً أنْ يكون أداء سوق الأسهم السعودي خلال العام الحالي 2025م أسوأ أداء في أسواق الأسهم العالمية المحترمة، في حين أنَّ الاقتصاد السعودي يتمتَّع بمُعَدّل نمو من أعلى مُعدلات النمو وبمُعَدَّل تضَخُّم من أدنى المعدلات في مجموعة دول العشرين. والأكثر ألَمَـاً، ما تناقَلته وسائل الإعلام مؤخَّراَ بأنَّ تداولات السعوديين في الأسهم الأمريكية عبر المؤسسات المالية في المملكة بنهاية الربع الأول من عام 2025م بَلَغَت 164.3 مليار ريال، وهي الأعلى على الإطلاق؛ حيث لا يتضمن هذا الرقم الكبير أموال المتداولين السعوديين مباشرة عن طريق وسطاء خارجيين. هذا المبلغ الضخم جداً لا محالة خَرَجَ مِن السوق المالية السعودي، بدلالة استمرار انخفاض مؤشر تاسي ونمو، وكذلك انخفاض أحجام مبالغ التداول اليومية خلال العام 2025م. هذه الهجرة المالية كانت لا محالة بسَبب سوء أداء سوق الأسهم السعودي منذُ نهاية عام 2024م وخلال عام 2025م، وبَحث المُستثمرين عن سوق يُحَقِّق لهم عوائد أفضل من سوق الأسهم السعودي. فقد يكون أحد أسباب سوء أداء سوق الأسهم السعودي هوَ كَثرَة الشركات التي طُرِحَت للاكتتاب خلال السنوات القليلة الماضية، إضافةً إلى توَاضُع مزايا كثيراً من تلك الشركات المطروحة، إذا ماقارنّاها مع الشركات التي طُرِحَت قبل أكثر من عشر سنوات. فباستثناء عدد قليل جداً جداً مِن الشركات التي طُرِحَت للاكتتاب خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، فإنَّ السعر الحالي لأسهُم تلك الشركات أقل بكثير مِن سعر طرحها للاكتتاب. خُلاصَـة القَول أنَّه يجب دراسة أسباب سـوء أداء سوق الأسهم السعودي وعلاجها حتى لا يُصبِح السوق غير جاذبٍ للمستثمرين، سواءً من داخل المملكة أو من خارجها، حيث لا يخفى على لبيب خُطورَة ذلك على التنمية الاقتصادية في المملكة. كذلك ينبغي استقصاء أسباب تخارج الصندوق السيادي النرويجي من الأسهم السعودية عام 2021م، حيث كانت ذُروة استثمار الصندوق النرويجي في سوق الأسهم السعودي حوالي أربعة مليارات ريال عام 2018م. فقد ذكرت وزارة المالية النرويجية في توصيتها السنوية المُقَدَّمَة إلى البرلمان النرويجي أنَّ الأسهم السعودية يجب ألاَّ تُضَمّ للصندوق السيادي النرويجي بسبب مخاطر متعلقة بحوكَمَة الشركات (RT، 9/4/2021م).