« أسطورة سيزيف لألبير كامو، بين ترجمتين»

هل اقتبست يارا شعاع ترجمة أنيس زكي ؟

اطلعتُ مُسبقاً على كتاب «أسطورة سيزيف» للفرنسي ألبير كامو، وفكرة الكتاب عميقةٌ بديعة، تعكس مدى الوعي الفلسفي الذي امتاز به ألبير كامو في مؤلفاته الإبداعية والفكرية، والمدارُ الرئيسي المحرضُ على تأليف الكتاب هو الحديث عن جدوى ولا جدوى الوجود، وكيف يمكن التعايش مع أشكال التناقضات الحياتية والفكرية المختلفة. قرأتُ الكتاب بترجمة الأستاذة يارا سميح شعاع، الصادرة عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع بدمشق في طبعتها الأولى لعام ٢٠٢١ – ١٤٤٢، على جهاز القراءة الإلكتروني كيندل، والكتاب بطبيعة الحال فيه الكثير من الأفكار الغامضة المستعصية والتي ربما تحتاج من القارئ إلى تركيزٍ مضاعَف لفهمها، وكنتُ قد وجدتُ أثناء البحثِ عن الكتاب نسخةً إلكترونيةً قديمةً بنفس العنوان «أسطورة سيزيف» قام بترجمتها الأستاذ أنيس زكي حسن، وقد أطلق على عملية الترجمة مصطلح «النقل إلى العربية»، طُبعت ترجمته عام ١٩٨٣ عن منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت؛ وكنتُ في بدءِ الأمر أمرُّ على ترجمته كلما شككتُ في عدمِ فهمي للنص المترجَم من لدن الأستاذة يارا، ولكنَّ ما لفت نظري بعد مروري التام على الترجمتين، أنَّ إحداهما بلا شكٍّ تُغني عن الأخرى تماماً، وأقصد بذلك ترجمة الأستاذ أنيس زكي كونها الأقدم بين يدي، ولأنني لم أجد في ترجمة الأستاذة يارا أية إضافة يمكن اعتبارُها ميزةً للعمل الجديد، وأظنُّ أنَّ وجودَ إضافةٍ جديدةٍ تميّز ترجمةً حديثةً عن أخرى سابقةٍ لها هو شرطٌ أساسي لاعتبار العمل المتَرجَم ذا قيمةٍ حقيقيةً لا مجرد صدى لصوتٍ قديم. كان بالإمكان غضُ الطرفِ عن كونِ الترجمة الثانية لم تُضف شيئاً ذا بال مقارنةً بالأولى، ولكنَّ ما استوقفني فيها يحتِّم علي أن أطرح ملاحظاتٍ بخصوص الترجمتين، فقد جاءت ترجمةُ الأستاذة يارا أقرب ما تكون نسْخاً ولصْقاً من ترجمة الأستاذ أنيس زكي، وكنتُ أنتظرُ أن أجد أسلوباً مختلفاً ولو قليلاً عن أسلوب الأستاذ أنيس زكي، ولكنَّ الترجمة في مجملها تكادُ تكون نقلاً أو اقتباساً -إن صح الوصف- من ترجمةِ الأستاذ أنيس زكي، عدا لمحاتٍ بسيطة ظهرت في تغيير طفيف في العناوين الرئيسة لفصول الكتاب، إذ كانت على هذا الترتيب عند الأستاذ أنيس زكي: (المقدمة / التعليل اللا مجدي / الإنسان اللا مجدي / الخَلق اللا مجدي / أسطورة سيزيف / ملحق)، وهي عند الأستاذة يارا على هذا الترتيب: (المقدمة / التعليل غير المجدي / الإنسان غير المجدي/ الخلق غير المجدي / أسطورة سيزيف / ملحق)؛ العمل الوحيد الذي تم هنا هو فقط استغناء الأستاذة يارا عن «اللا» واستبدالها بـ «غير». وبقراءة العملين والغوص في التفاصيل لن يجد القارئ أيّ فرقٍ ملموس بين الترجمتين عدا بعض الكلمات التي تم استبدالها بكلماتٍ أخرى في بعض المواضع في ترجمةِ الأستاذة يارا، وهذا يفترض سؤالاً أخلاقياً عن مدى الاستفادة التي أفادتها المترجِمةُ اللاحقةُ من المترجِم السابِق، وهل يمكن اعتبار هذه الترجمة ترجمةً أمينةً كما يُفترض؟، مع أنَّه من الطبيعي أن يطلع المترجمُ على ترجماتِ سابقيه حين يهم بترجمة عمل ما قد سُبق إلى ترجمته، ولكن ما وقفتُ عليه أظنه يتجاوز الاطلاع والاستفادة المعقولة من ترجمة أستاذ أنيس زكي، إلى ما يمكن اعتباره انتحالاً لها، وسأكتفي بضرب أمثلةٍ بسيطة للتوضيح. من عناصر الأسلوب لدى الكاتب والتي يمكن الاعتماد عليها لترسيخ بصمته الخاصة قاموسُه اللغويُ والمعجمي، يتبدى ذلك بشكل واضح في الفروقات القاموسية بين كُتّابِ العربية في المشرقِ والمغربِ العربي، وقد اتسم الأستاذ أنيس زكي بأسلوبه وقاموسه الخاص، واعتمد في حديثه عن الماورائيات مصطلحَ «ميتافيزيكي» بشكل عام في ترجمته هذه، وهو ذاتُ المصطلح الذي اعتمدَت ترجمةُ الأستاذة يارا عليه، مع أنه كان من الممكن أن تستخدم المصطلح الأكثر رواجاً وهو مصطلح «ميتافيزيقي». من الأمثلة كذلك على الإشكالات في ترجمة الأستاذة يارا، وقوعها في فخِّ نقل النصِّ دون التثبُّتِ من حقيقة معناه وهذا ما سيُفضي بها إلى تكرار خطأين ربما وقعا سهواً أو بسبق قلم في ترجمة الأستاذ أنيس زكي، هكذا جاء النص في كلتا الترجمتين» إذا كان الهبوطُ يتم أحياناً بأسمى، فإنه يمكن أن يتم بغبطةٍ أيضاً. وهذه الكلمة لا تضم أكثر مما ينبغي. وإنني لا تصور سيزيف ثانية وهو يعود نحو الصخرة، والأسى كان في البداية...»، ص ١٤١، يبدو أن كلمة «بأسمى» سبقُ قلمٍ من المترجم، والأصح «بأسى» لأنها ملائمة للسياق إذ يقابل الأسى هنا الغبطة، بينما جملة «لا تصور» ربما المقصود بها «لأتصَوَّر»، وهذا ما يناسب سياق النص، ولكنَّ الأستاذة يارا نقلت الفقرة كما هي دون الانتباه إلى الخطأ في المعنى. ينطبق الأمرُ ذاتُه على المثال التالي: «يلوح أن مغامرات مثيرة مقلقة تدفع بشخصيات مزلزلة ملاحَقة نحو متابعة مشاكل لا تضعها هي. ففي(المحاكمة)، نجد جوزيف ك. متهَما، ولكنه لا يعرف بماذا. وهو بلا شك متلهف للدفاع عن نفسه، ولكنه لا يعرف لماذا..»، ص ١٤٥، تتكرر الإشكالية السابقة لعلاقتها بالمعنى إذ يبدو الفعل «تضعها» سبقَ قلمٍ من المترجِم أو الناسخ، والفعل الأقرب إلى سياقِ النص هو «تصنعها» لأنه يتوافق مع المشكلات، ولكن يبدو أنَّ ذاتَ النسخ واللصق السابق من الأستاذة يارا هو ما حدث هنا دون تفكٌّرٍ في المعنى والسياق. ولا يكاد أسلوب أي كاتبٍ أن يخلو من بعض الركاكة، فقد ابتدأ الأستاذ أنيس زكي إحدى الفقرات بـ « وعلى أي حال فمن الغريب الأعمال التي تتصف بعلاقة مترابطة في موحياتها، كأعمال كافكا وكيركغارد وجيستوف... «، والأسلوب هنا يبدو ركيكاً ولو أضاف «أنَّ» بعد كلمة «الغريب» لكان أجمل، وكان بودي لو قامت المترجمة يارا بالتدخل هنا بأسلوبها الخاص عِوضاً عن نقلِ الفقرة بتمام هذه الركاكة. والسؤال الذي أراه جديراً بالطرحِ أيضاً هو هل وقفتِ الأستاذة يارا على كتاب «أسطورة سيزيف» بلغة الكاتب الأصلية، قبل أن تشرع في ترجمة هذا العمل؟.