
كان المارَّة في التسعينات من القرن الماضي يطيلون التوقُّف أمام الواجهة الزجاجيَّة لمحلٍّ تجاريٍّ راقٍ على شارع الثميري، حين كان ذلك الشارع مقصد النخبة المجتمعيَّة بما يعرضه من أرقى العلامات التجاريَّة في مجالاتٍ شتَّى أبرزها الأزياء والأحذية الرَّاقية. ربَّما لم يلتفت الكثير من أولئك إلى اسم المحل وإن التفتوا إلى محتوياته، ولكنَّ ما كان يثير التساؤل أنَّ في عاصمة دولةٍ عريقةٍ كالمملكة هنالك محلُّ يحمل هذا الاسم دون أن يكون في البلاد متحفٌ وطنيٌّ فعلي. وأذكر أن سمو أمير منطقة الرياض آنذاك، الملك سلمان بن عبد العزيز ذكر على هامش أحد اجتماعات الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، أنَّ عددًا من الدبلوماسيِّين أخبروه عن ذلك المحل، الذي ظنُّوا أنه المتحف الوطني. لم تكن أهمية وجود متحفٍ وطنيٍّ غائبة عن ذهن سلمان بن عبد العزيز الذي بذل لسنواتٍ جهودًا مع وزارة المعارف لإنشاء المتحف الوطني باعتبار الوزارة وقتها المسئولة عن الآثار والمتاحف. ولكنَّ عدم اعتبار ذلك الجانب من مهامِّ الوزارة الأوليَّةً ظلَّت فكرة المتحف الوطني طيَّ التأجيل لسنوات، إلى أن اتُّخذ قرارٌ بإنشاء المتحف في مبنى مستأجرٍ كانت تشغل جزءًا منه وكالة وزارة المعارف للآثار والمتاحف بحي الشميسي على شارع الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود. وافتتح المتحف في 21 محرم 1398 (1977م) بما مثَّل بدايةً متأخِّرةً ولكنها جيدة. واعتبر ذلك المتحف مؤقَّتًا واستمرت الجهود حثيثةً من سلمان بن عبد العزيز لإنشاء متحفٍ وطنيٍّ يليق بمكانة المملكة وتاريخها واختير موقعٌ بجوار قصر المربع لذلك وتم إعداد مخطَّطاتٍ أوليَّة له أذكر أن مجموعة البيئة الاستشاريَّة قامت على إعدادها. جاءت الفرصة بعد عشرين عامًا على إنشاء المتحف المؤقَّت، إذ رأى سلمان بن عبد العزيز رئيس لجنة الاحتفاء بمرو مائة عام على تأسيس المملكة، في مناسبة احتفاء المملكة بمرور مائة عامٍ على تأسيسها الفرصة لإنشاء المتحف، مستغلاًّ الفرصة لتحويل الاحتفال إلى احتفاءٍ أكثر استدامة. وكان تطوير مركز الملك عبد العزيز التاريخي محيطًا بأيقونته قصر المربع، هو العلامة العمرانيَّة الأبرز للاحتفاء. وقامت الهيئة العليا على تطوير المشروع مركزًا ثقافيًّا بمستوى عالميٍّ يتضمن كعنصرٍ أساسيٍّ المتحف الوطني السعودي. ووُضع حجر أساس المركز في 14 محرم 1418، وتم افتتاحه على يد خادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله، وبحضور من كان وراء المشروع الأمير (الملك) سلمان بن عبد العزيز في الخامس من شوال المصادف لذكرى اليوم الوطني، عام 1419 (1999م). يعدُّ المتحف الوطني علامةً عمرانيًّة متميَّزة صمَّمها المكتب المعماري العالمي الكندي مورياما تاشيما. والمتحف هو النقطة الأبرز ضمن المعالم الثقافيَّة بمدينة الرياض، ويشدُّ بتصميمه ومقتنياته الزوَّار من داخل المملكة وخارجها. ومع تميُّزه وفي ظلِّ المرحلة التي تعيشها الثَّقافة في المملكة ضمن رؤية المملكة 2030 التي يرعاها سمو وليِّ العهد الأمير محمد بن سلمان، يحظى المتحف بعنايةٍ من سمو وزير الثَّقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان. وتمَّ تشكيل مجلس أمناءٍ للمتحف برئاسة سموِّه وعضوية عددٍ من الخبراء والمتخصِّصين والدَّاعمين للمتاحف. ويؤمَّل أن يرتقي المتحف بهذا الدَّعم ليكون ضمن سلسلة المتاحف الأهم في العالم. زرت المتحف بعد غيابٍ طال، قبل فترةٍ قريبة، وذلك لحضور اجتماعٍ للجنةٍ معنيَّةٍ بأحد المشروعات التطويريَّة. وانتبهت لبعض الملاحظات التي ربما تدوركت فيما بعد، ومنها سقوط اسم مكة المكرمة من خريطة المملكة الموجودة في صدر بهو المتحف، وواضحُ أنَّها كانت موجودة من قبل. كما لاحظت عدم تحديث الصورة عند منصة الاستقبال، لتشمل جميع ملوك المملكة، وقد يكون من المناسب أن يكون فيها سموُّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله. أجد أنَّه بغضِّ النّظر عن مناسبة وجود المركز الطبيِّ ضمن مبنى المتحف، من غير المناسب وقوف سيارة المركز الطبيِّ بهذا الشكل أمام المدخل الرئيسي للمتحف، ويمكن وقوفها في الجانب الآخر. كما أجد أنَّه مع لطف معظم المواد المعروضة في محل الهدايا، إلا أنَّها لا تمثَّل ما يفترض من محلٍّ متعلِّقٍ بالمتحف الوطني. ومن الملاحظات أنَّ بعض اللوحات والعلامات الإرشاديَّة لا تتناسب ومستوى المتحف، وأنَّ وجود العدد الأكبر من دورات المياه، من النمط العربي قد لا يتناسب مع طبيعة المتحف وزوَّاره. الملاحظة الأخيرة، أنَّ العلامة الرمزيَّة المكررَّة على جميع لوحات مسار البعثة النبوية الشريفة، والتي تحمل كلمتي “الحمد لله”، معكوسة. ولا تقلَّل هذه الملاحظات ممَا يبذل من جهودٍ وتأتي ضمن جذب انتباه المعنيِّين تفاديًا لـ “نقص القادرين على التمام”.