تلويحة للنخل

حيثما يوجد شجر.. أجد وطني، ربما لأن النخل يسكنني، منذ ولدت، وأسكنه، وحتى لو ابتعدت عنه، لو أغرتني الطرقات بالمسير والجهات باكتشاف السر المخبأ خلفها، أظل أحنّ إليه مع كل خطوة، وألتفت. هنا شجر عال لا أكاد أرى قمّته شجر ليس لي لا يعرفني ولا أعرفه، لكنني أعشقه أحسه يعانقني إذا ما جئت إليه عابرا وأعانقه سلام أيها الشجر الظليل يجلس تحت ظلك الغرباء والمشردون والمهاجرون تجلس عجوز مع كلبها الصغير لا تلتفت إلى أحد ولا تهتمّ بشيء سواه، وإذا ما نظر اليها أحد تبتسمُ. وأجلس، يمتد على أطراف صمتي شجر خلفه شجر فأتبعه حتى أول الأشجار.. أول الحدائق.. أول الثمار المحرمّة وأول الأسئلة. مازلنا نبحث عن جنتنا الأولى.. مازلنا نحلم بالعودة اليها ومازلنا نرتكب الأخطاء. يقول باحث ما معناه أن سرّ اهتمام الإنسان بالحدائق منذ العصور القديمة وعبر الحضارات المتعددة، منذ حدائق بابل وما قبلها حتى حدائق الأندلس وما بعدها، هو محاولة استعادة الجنة التي فقدها أو خرج منها، محاولة إعادة بنائها او تشكيلها والتفنن في تنسيقها وإضافة الكثير من الرموز الجمالية لها بما يقربها من الجنة المتخيلة او المفقودة. لابد للحديقة من ماء وجداول وقناطر ونوافير وأقواس لابد من قصر لتكتمل الجنة ولابد للقصر من أسوار عالية ليتعزز الشعور بالامتلاك، لكن في المقابل هناك حدائق عامة مفتوحة للجميع وهناك حدائق طبيعية من ابداع الخالق لا يمكن مقارنتها جماليا بحدائق البشر، وحتى الفقراء لهم حدائقهم الجميلة، لهم جناتهم التي لا تتدلى ثمارها إلا بعد جهد وعناء ولي جنتي لي صحرائي القاحلة وشجري القليل أمد يدي فأكاد ألامس أعذاق النخيل تكاد شوكة تدمي أصابعي، فداك يا نخل، طالما جرحتني وعذرتك، لابد دون شهدك من شوك، ومن عاداته أن يجرح الحبيبُ الجميل. سلام أيها النخل الطويل أيها النخل النبيل نعطيك القليل من جهدنا وتكافئنا بالجزيل.