
يُثري الساحة الفنية السعودية بإبداعاته المميزة، مُتنقلًا ببراعة بين عالم التصميم الجرافيكي وعالم الفن التشكيلي، تاركًا بصمته الخاصة في كل لوحة وكل تصميم، في هذا الحوار نغوص معه في رحلة إبداعية لنكتشف مسيرته الفنية المُلهمة، ونُسلط الضوء على تجاربه وإنجازاته، ونتعرف على رؤيته للفن التشكيلي؛ إنه التشكيلي السعودي «إبراهيم المنصور»، مؤسس ونائب رئيس جمعية عنيزة للفنون البصرية، مؤسس نادي يوفا الفنون البصرية بعنيزة، وعضو نادي رسامين الخليج، الذي أسعدنا حضوره معنا هذا العدد على صفحات مرسم اليمامة. * لو بدأنا حوارنا ببداية عملك على اللوحة؛ ما هو الشعور الذي يغمرك عندما تمسك بالفرشاة وتبدأ في الرسم؟، وكم من الزمن تحتاج عادةً لإتمام لوحة وإخراجها إلى النور؟ ** بحمد الله؛ فإنني لا أبدأ في العمل على أي لوحة إلا وهناك سبب وراء ذلك، أو لدي حسّ معين وأريد أن أوصله للجمهور الذي لديه حسّ فني وفهم للفن التشكيلي، وحين أضع الفرشاة على اللوحة تكون لدي حرية كاملة ومطلقة للتعبير عن كل أحاسيسي؛ سواء عاطفية أو إعجاب بشيء ما أو حالة نفسية أمرّ بها أو لحظات أتمنى أن أعيشها. ويختلف الوقت الذي أنجز فيه لوحاتي، ففي بعض الأحيان بمجرد أن أمسك بالفرشاة ينهمر الإبداع، قد أستغرق أسبوعًا أو أكثر، اعتمادًا على المواد التي أستخدمها في العمل، واعتمادًا على المشاعر والأفكار التي تراودني، لدي لوحات ظللت أعمل عليها لمدة 5 سنوات، وهناك لوحة استمرت معي 12 عامًا إلى أن انتهت، حيث كنت أعمل عليها لبعض الوقت ثم أتركها لفترة، إلى أن انتهيت منها بعد أعوام، هذا التوقف ثم الاستمرار مجددًا قد يطوّل مدة العمل على اللوحة، هذا فيما يخص الأعمال الخاصة بالفنان، وهو خلاف الأعمال التجارية. * المُلاحظ في كثيرٍ من أعمالك الفنية؛ تركيزك على بعض ملامح التراث السعودي والحياة في المملكة بتفاصيلها الأصيلة، فما الذي يدفعك للاهتمام بهذا الجانب في إبداعك الفني؟ ** لا يخفى على أحد أنني ممن عاشوا حياة البيوت الطينية والأحياء الصغيرة المتجاورة، حيث نشأت في حي قديم بمحافظة عنيزة في القصيم، ولا شك أن لهذه النشأة تأثيرًا كبيرًا على أعمالي وحبي للتراث وأصالته، فتلك البيئة الغنية بالتفاصيل الحياتية القديمة تغذت بها روحي وأثرت في رؤيتي الفنية، لذلك تجد في بعض أعمالي إشارات واضحة إلى حبي للطفولة وذكرياتها، بينما تُبرِز أعمال أخرى أهمية التراث وثباتنا على قيمنا وأصالتنا، ويُضَاف إلى ذلك؛ شغفي بالرحلات البرية، أو ما يُعرف بالمكشات أو رحلات القنص والصيد، فلهذا الشغف تأثير كبير على أعمالي الفنية وإبداعي، مما يجعل الفن وسيلة لربط الماضي بالحاضر، وحفاظًا على الهوية الثقافية السعودية للأجيال القادمة، ففي كل لوحة وتصميم أسعى لأن أعكس جمال تراثنا وأصالته، وأن أشارك العالم بلمحات من تاريخنا العريق وقيمنا الراسخة. * تعشق ألوان الزيت، فما السر وراء كثرة استعمالها مقارنة بوسائط ومواد الرسم الأخرى؟، وبشكل عام هل هناك أساليب أو أدوات معينة تعتقد أنها تضيف قيمة جمالية خاصة لأعمال الفنان التشكيلي دون غيرها؟ ** نعم، أنا ممن يعشقون ألوان الزيت والرسم الواقعي، وهذا العشق لم يأت عبثًا أو بين يوم وليلة، لقد رسمت بجميع الألوان وجربت كافة الخامات، بل حصلت على المركز الأول في إحدى المسابقات على مستوى مدارس محافظة عنيزة عام 1417هـ عن عمل رسمته بالقلم الرصاص فقط. ورغم أنني لم أعد أرسم بالرصاص كثيرًا الآن، إلا أن التجربة والتعلم أتاحا لي اكتشاف ألوان وخامات أخرى، ومن خلال ممارستي الطويلة الممتدة على مدار 25 سنة، وجدت في ألوان الزيت وسيطًا يعبر عن رؤيتي الفنية بأفضل صورة، أحببت المدرسة الكلاسيكية الواقعية وكذلك المدرسة السوريالية التي تربط الخيال بالواقع. أما بالنسبة للأدوات والأساليب، فأنا أؤمن أن كل فنان يجب أن يستكشف ويجرب ما يناسبه، ألوان الزيت تمنحني المرونة والإمكانية للتعبير عن التفاصيل الدقيقة والعمق، فهي تضيف قيمة جمالية خاصة لأعمالي قد لا أجدها في الألوان المائية أو الأكريليك، لذا أنصح كل فنان بالاستكشاف والتجربة المستمرة ليكتشف ما يتناسب مع رؤيته الفنية. * تنقلك بين التصميم الجرافيكي والرسم بالفرشاة سمة مميزة في مسيرتك، لكن كيف توازن بين هذين العالمين، وما هي التحديات التي تواجهك في الدمج بينهما؟ ** أنا أرى أن التصميم الجرافيكي داعم قوي للفن التشكيلي، وقد نجحت بفضل الله في التوفيق بينهما لوجود أعمال تتطلب مني هذا وأعمال أخرى تتطلب مني ذاك، لقد استفدت كثيرًا من التصميم الجرافيكي في تأسيس أعمالي الفنية، فقبل أن أبدأ في اللوحة، أخطط لها في مخيلتي وأرسم لها اسكتش للتأكد من البناء الصحيح للوحة ومدى قدرتها على إيصال رسالتها، وبفضل التصميم الجرافيكي أصبحت أخطط وأرسم هذا الاسكتش بصورة رقمية وأقوم بإجراء التعديلات اللازمة، وبعدها أبدأ في العمل بالفرشاة والزيت على اللوحة، والتحدي الأكبر في الدمج بينهما يكمن في الحفاظ على التوازن بين الدقة التقنية والإبداع الحر، ولكن مع مرور الوقت، تعلمت كيف أدمج بين التقنيتين بحيث يمكن لكل منهما أن يعزز الأخرى، وأنا أرى أن هذا التنقل بين التصميم الجرافيكي والرسم بالفرشاة يضيف بُعدًا جديدًا لأعمالي. * في ظل التقدم التكنولوجي والرقمي الحادث يوميًا، هل تعتقد أن أحدهما ـ أقصد التصميم الجرافيكي والرسم بالفرشاة ـ سيطغى على الآخر في المستقبل؟ ** أنا أرى أن كلاهما مكمل للآخر، فلا يكتمل التصميم الجرافيكي إلا بالرسم بالفرشاة، والعكس صحيح، والفنان المبدع والذكي هو من يسعى لمواكبة الموجة والتطور، الأصول ثابتة، والتقنية حديثة، لذلك يستغل الفنان الحداثة من أجل إثراء الثوابت، لا أعتقد أن أحدهما سيطغى على الآخر، لأن الجهد اليدوي له قيمته الخاصة التي لا يمكن للتقنية أن تستبدلها بالكامل. * أنت من مؤسسي نادي الفنون البصرية بعنيزة (يوفا)، والآن في منصب نائب رئيس النادي، فكيف جاءت فكرة تأسيس نادي يوفا للفنون البصرية؟، وما هي الرؤية التي تقف خلفه؟ ** الفكرة بدأت من واقع تجربتنا في البدايات، حيث كنا نفتقر إلى المعلومة والخبرة، وكانت هناك تحديات كبيرة أمامنا، فلم يكن هناك من يقوم بتوجيه الناشئين الموهوبين إلا قلة قليلة، ولم يكن هناك الدعم الكافي، ولكن بحبنا الكبير للفن التشكيلي ورغبتنا في تطوير هذا المجال، شعرنا بأن لدينا رسالة لنقدم المساعدة للموهوبين ومحبي الفن، من هنا جاءت فكرة تأسيس نادي يوفا للفنون البصرية. بدأنا بشكل بسيط مع فريق صغير من الفنانين الذين يتشاركون نفس الشغف والرؤية، ثم كبرت الفكرة وانضم المزيد من الفنانين، وأصبح النادي منصة تجمع بين الناشئين والمحترفين لتبادل الخبرات، أما الرؤية التي تقف خلف نادي يوفا فهي دعم الفن التشكيلي والفنون البصرية بشكل عام، وقريبًا سيتحول النادي إلى جمعية بإذن الله. * بصفتك مؤسسًا ونائب رئيس جمعية عنيزة للفنون البصرية؛ كيف ترى دور الجمعيات الفنية في دعم الفنانين الناشئين وتعزيز الحركة الفنية في المجتمع؟ ** دور الجمعيات الفنية مهم للغاية، خاصة أن هناك العديد من الموهوبين الذين لا يعرفون أنهم يمتلكون موهبة الرسم، ويكبرون دون اكتشاف هذه المَلَكَة، الجمعيات الفنية تعمل كجسر يربط هؤلاء الموهوبين بالفرص والتوجيه المناسبين، كما أنها توفر بيئة داعمة تشجع على اكتشاف وتنمية المواهب الفنية منذ الصغر، يُضاف إلى ذلك فرص التعلم والتفاعل والتوجيه وإقامة الورش والدورات وبالتالي تطوير المهارات الفنية، ومن ثمَّ تسهم الجمعيات في تعزيز الحركة الفنية في المجتمع. * الفن التشكيلي له مكونين أساسيين، أحدهما يقدم والآخر يتلقى، فهل تجد المعارض الفنية الإقبال المنشود من الجمهور أم أن الفن التشكيلي مازال ينادي جمهوره ويفتقد محبيه؟ ** الفن التشكيلي لم يكن له اهتمام كبير في الماضي، ولكن بفضل الله تعالى ثم توجه حكومتنا الرشيدة، الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وتشجيعهما على دعم الهوية الفنية البصرية بالمملكة، بدأت الأمور تسير على المسار الصحيح، هناك توجه كبير من المملكة لإثراء الفنون حيث أصبحت جزءًا مهمًا من رؤية المملكة 2030، فبات هناك جمهور عريض يتابع الفنون التشكيلية ويقبل على المعارض، ليس فقط لمشاهدة الأعمال بل أيضًا لاقتناء اللوحات، وهذا التوجه يعزز من دور الفن في المجتمع ويمنحه المكانة التي يستحقها. * اللوحات هي أبناء التشكيلي؛ لكن هل هناك لوحة معينة تعتز بها بشكل خاص، وتعتبرها تمثل قمة أعمالك الفنية؟ ** كل فنان يعتبر لوحاته أفكاره وأبناءه، وهناك لوحات يعرضها الفنان للجمهور، وأخرى يحتفظ بها لنفسه ولا يعرضها ولا يبيعها مهما عُرِضَ عليه من أموال، لأنها تحمل عاطفة أو ترتبط بذكريات خاصة. بالنسبة لي، هناك بعض اللوحات التي أضعها في بيتي، في مجلسي تحديدًا، وأشعر بترابط قوي معها يجعلني أعجز عن بيعها أو التخلي عنها، تلك اللوحات ليست مجرد أعمال فنية، بل هي تجسيد لمشاعر وأفكار وتجارب مررت بها، وتلك هي تمثل قمة أعمالي الفنية. * ختامًا؛ ما هي أكبر درس تعلمته خلال مسيرتك الفنية؟، وما النصائح التي يمكن أن تقدمها للفنانين الشباب؟ ** الدرس الذي تعلمته هو أهمية تقديم يد العون والمساعدة للآخرين في المجال الفني، وأهمية إيصال الرسالة الفنية بالأسلوب المناسب للجمهور، ونصيحتي للفنانين الشباب هي ضرورة تجربة كل الأدوات والأساليب الفنية المتاحة، والتعبير بكل شجاعة عن كافة المشاعر والأفكار.