
منذ اللحظة الأولى، يفتح فيلم فخر السويدي أبوابه حاملاً وعدًا واضحًا بالمتعة والضحك، غير معنيّ بتقديم مواعظ مباشرة، ولا ينغمس في مشهدية سينمائية فارهة. هو فيلم يصافحك بروحه الشعبية، بشخصياته الشبابية، وبحسّه الكوميدي الذي يعرف طريقه إلى الجمهور الباحث عن التسلية الخفيفة، دون حاجة إلى تعقيد أو تمويه. تدور أحداثه داخل أسوار مدرسة ثانوية أهلية للبنين في حي السويدي، في العاصمة الرياض، حيث يحاول مدير المدرسة “شاهين” والذي يقوم بدوره الممثل “فهد المطيري” البحث عن طريقة يثبت من خلالها تميز مدرسته، فيتوصل إلى فكرة مبتكرة لكنه يواجه تحديات من الطلاب وأولياء الأمور ومالك المدرسة. يبدو واضحًا أن صنّاع العمل أرادوا منذ البداية أن يكون الفيلم عملًا خفيفًا يعتمد على المواجهات اللفظية السريعة، والمناكفات اليومية التي تنشأ بين الشخصيات في مكان محدود. هذا النوع من الكوميديا يعتمد كثيرًا على ردود الفعل اللحظية وعلى “الإفيهات” التي قد لا تعيش طويلًا في ذاكرة السينما، لكنها قادرة على إضحاك الجمهور في الصالة، وهذا ما نجح الفيلم في تقديمه، وإن شابه شيء من التكرار في بعض المقاطع. ما يلفت الانتباه أن الفيلم لا يتردد في استخدام ألفاظ حادة وأحيانًا بذيئة، تدخل في قلب الحوار وكأنها جزء أصيل من الشخصية الشعبية. هذا الخيار، وإن كان يُقحم بعض الواقعية أو يعكس بيئة محددة، إلا أنه أخرج الفيلم من دائرة الترفيه العائلي، فصارت الفئة المستهدفة +18، من فئة الشباب تحديدًا، محرومة جزئيًا من مشاهدته مع ذويهم، ما يقلّص من الأثر الجماهيري الممكن لفيلم كهذا. كثير من العبارات الطائشة التي تبادلتها الشخصيات كان من الممكن إعادة صياغتها، أو على الأقل إحاطتها بتوازن يجعلها تضحك دون أن تجرح، وتعبّر دون أن تخدش الذائقة العامة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن التمثيل في فخر السويدي كان أحد أبرز عناصر النجاح. أظهر طاقم العمل انسجامًا لافتًا في حضور الممثلين الشباب؛ فيصل الأحمري، وسعيد القحطاني، ويزيد الموسى ومهند الصالح وياسين غزاوي وعبدالعزيز المبدل والآخرين، بدا وكأنهم يعرفون تمامًا مزاج هذا النوع من الأفلام. كانت ردود الأفعال، النظرات، وحتى الصمت في بعض اللحظات، كلها مدروسة وانسيابية، وتخدم نغمة الفيلم العامة. الأداء لم يكن مشكلة في أي لحظة، إنما العثرة الأهم تكمن في بعض الألفاظ ذاتها، وهذا المسار مقصود حيث يحابي فئة الشباب ومناكفاتهم. البناء الدرامي عانى من ضعف بسيط في إيقاع الصعود والهبوط، وهذا ما كان أن يحرص عليه “يزيد الموسى”. حيث لم نرَ منحنيات حقيقية في الشخصية الرئيسية أو خصومه، ولم نشهد تحولات درامية تُبنى على صراع جوهري أو تغيّر داخلي. كل شيء يتحرك كما لو أنه مشهد طويل مقسوم إلى وحدات كوميدية، دون روابط متينة. ومع هذا، فإن الفيلم لا يدّعي العمق، ولا يعد بمفاجآت درامية مدهشة، بل يقدّم نفسه كما هو؛ وجبة خفيفة من الترفيه الحي، الذي يملأ المساحة بين ضغوط الحياة اليومية وبين الحاجة إلى الضحك. على صعيد اللغة السينمائية، لم يعتمد المخرجين الثلاثة كثيرًا على الإخراج البصري أو على التكوينات الفنية في المشهد، فكل شيء بدا بسيطًا ومباشرًا، كما لو أنهم أرادوا أن يضعوا الكاميرا في منتصف الفوضى ويترك الشخصيات تتناطح كما تشاء. هذه الطريقة تخدم طبيعة الفيلم، لكنها تحرمه من البُعد السينمائي الحقيقي الذي يرتقي بالصورة إلى لغة موازية للكلمة. لم يكن ثمة استثمار كافٍ في الضوء أو الزوايا أو التقطيع الإيقاعي، فبقي الفيلم عند حدود المسرح المصوّر أكثر من كونه فيلماً مكتمل النَفَس السينمائي. يمكن مقارنة هذا النوع من الأعمال بأفلام خفيفة مثل Daddy’s Home أو بعض أعمال آدم ساندلر الكوميدية، حيث تدور الحكاية في مساحة ضيقة، والصراع الأساسي ليس سوى ذريعة لخلق لحظات فكاهية، ولكن الفارق هو أن تلك الأعمال كثيرًا ما تحتوي على طبقات متعددة من الترفيه، وتحرص في الوقت ذاته على أن تبقى ضمن إطار المشاهدة الواسعة، ما يجعلها أكثر استدامة وانتشارًا. أما في حالة فخر السويدي، فالكوميديا قد تُضحك البعض وتُنفر البعض الآخر، وهنا تقع المسؤولية على السيناريو في المقام الأول. هناك من يعتقد أن الواقعية تبرر كل شيء، وأن تصوير الناس كما يتكلمون هو أصدق أنواع الفن، لكننا ننسى أن السينما ليست مرآة بل عدسة، وأن العدسة تُقرّب وتُبعد وتُصفّي وتُعيد تشكيل ما تراه. لذلك، كانت بعض العبارات السوقية التي تقاذفتها الشخصيات بحاجة إلى مراجعة، لا من باب الرقابة الأخلاقية، ولكن من منطلق فني وجمالي، لأن الكلمات جزء من الإيقاع العام، وإن شذّت أكثر من اللازم، أحدثت نشازًا يُفقد العمل توازنه، وأنت بهذا تستهدف فئة ثم تلغي وجودها. قد نختصر ملاحظاتنا بقول: “إذا أردت أن تُضحك الناس، فلا تبالغ في السخرية”. وهذه إحدى المعضلات، حين تحوّلت بعض الشخصيات إلى مادة للسخرية لا للضحك، وارتُكبت مبالغات على حساب التماسك الإنساني. ومع ذلك، يظل الفيلم تجربة مسليّة، لا يخلو من خفة دم شعبية. أخيرًا يمكن القول أن فخر السويدي ليس فيلمًا للنقاد بقدر ما هو فيلم للجمهور، وقد أنجز مهمته في جرعة الترفيه، لكننا نأمل في تجارب قادمة أن يُعاد النظر في الخط اللفظي، وفي البناء الدرامي، حتى لا يضيع الإبداع التمثيلي وسط ضجيج الكلام الزائد. السينما متعة، نعم، ولكنها أيضًا ذوق ومسؤولية، وكلما ازداد التوازن بين هذه العناصر، ازداد فخرنا بأعمالنا الفنية.