“المُؤنْسِن” و”المُؤنْسَن” معجب الزهراني.

أعترف ابتداء أنّ الفضل لمعرفتي بالدكتور معجب الزهراني يعود للصحافة الثقافية التي كانت تنشر العديد من الكتابات والأخبار والتغطيات عن الفعاليات التي يشارك فيها الزهراني، كنت واحدًا من المهتمين بهذه الصفحات والملاحق الثقافية. هذه المعرفة تطوّرت مع الوقت لأقرأ كتبه، وشدّتني المقدمة التي كتبها في الجزء الرابع من موسوعة الأدب السعودي الحديث عن القصة القصيرة في السعودية. قرأت المقدمة وكانت باهرة بالنسبة لي، يكفي أنها كانت السبب الرئيس في أن يكون اسم معجب الزهراني واحدًا من الأسماء الثقافية التي بدأت أتتبع ما تكتب باهتمام بالغ، قرأت فيما بعد كتابه (مقاربات حوارية) الذي صدر في 2012 م وفاز هذا الكتاب بجائزة كتاب العام من نادي الرياض الأدبي، ولكون هذا الفوز توافق مع افتتاحنا لمجلس ألمع الثقافي في محافظة رجال ألمع فقد كان الكتاب واحدًا من الكتب التي ناقشناها في المجلس في السنة الأولى من افتتاحه واستضفنا وقتها الدكتور معجب الزهراني في اتصال هاتفي. امتد هذا الرباط الثقافي، فقرأت الزهراني روائيًا في (رقص) وقرأته كاتب سيرة في كتابه (سيرة الوقت ... حياة فرد ... حكاية جيل) وقرأته في كتاب (مكتب على السين) وفي كلا الكتابين تتقاطع روح الزهراني ما بين باريس الملهمة في الكتابة، والسعودية التي تشعل الذاكرة، وتعضدها بكلّ هذه المواقف والأحداث. لم يكن الفضل في معرفة معجب الزهراني (الإنسان والأكاديمي) للكتاب وحده، بل كان لشبكات التواصل الاجتماعي فيما بعد دور في هذه المعرفة، فقد كان الزهراني واحدًا من الناشطين في هذه الشبكات، بالتوجيه تارة والمؤازرة أخرى، وكان لنقداته وتعليقاته دور كبير في تبسيط العديد من المشكلات والهموم وحتى الطموحات قبل أن يَتأنسن ويُؤنْسَن بالطبيعة والجمال، فلا تقرؤه إلا زارعًا أو حاصدًا، ولا تلحظه إلاّ معمّرًا للأرض، وداعيًا إلى العيش بسلام تحت ظلال الأشجار في مسقط رأسه في مدينة الباحة! وبعيدًا عن الكتب التي قرأتها للزهراني، والصور التي شاهدتها له، فقد سعدت بمعرفته عن قرب، وتجوّلت معه في مدينة أبها في العام 1437هـ إذ كان الزهراني واحدًا من المثقفين الذين حلّوا ضيوفًا على مجلس ألمع الثقافي في ليلة تأبين الكاتب الراحل محمد بن علي البريدي. كان من حظي أن رافقته في جولة في مدينة أبها، عرفت فيها ومن خلالها معجب الزهراني الإنسان بعد أن عرفت الأكاديمي والمثقف قبل ذلك بسنوات، فكبر في عينيّ. ذهبنا معًا إلى سوق الثلاثاء في وسط مدينة أبها، ومشينا على أقدامنا في أحياء أبها القديمة، كان لطيفًا مع الكبير والصغير، سائلاً ومتسائلاً، وعاشقًا، كان لديه حنين طاغ للأماكن، فلا ينسى أين سكن ومع من مشى في هذه المدينة، وإلى من جلس، وكثيرًا ما كان يستوقفني في زقاق حيّ قديم أو شارع ليسأل عن فندق صغير أو شقة سكن فيها ذات زمن مع صديق أو جلس فيها مع أديب! اليوم وبعد سنوات أكتب بأنني كنت ومازلت سعيدًا بهذا الإنسان قبل المثقف، وأنا أتعرّف على الجانب الآخر في حياة معجب الزهراني، حياة يعيشها بوجه واحد مضيء، وطبيعة إنسانية يعيشها ولا يتصنعها.