هل ضعف الشعر؟

هل تراجع الشعر العربي فعلاً مقارنة بعصور ازدهاره؟ وهل التراجع مسّ اللغة والبناء الفني؟ أم أن المشكلة في غياب النقد الجاد الذي يواكب التجربة ويدفعها إلى الأمام؟ أم أن الأزمة أعمق من ذلك، وتتعلّق بسياقات اجتماعية وثقافية لا تسمح بقياس الشعر اليوم بمقاييس الماضي، في ظل انشغالات الإنسان المعاصر وتبدل ذائقته ووسائل تعبيره؟ هذه الأسئلة تُطرح كثيرًا، وتحتاج إلى دراسات معمّقة للإجابة عليها. وقد عثرت على عدد منها تُرجِع هذا التراجع إلى أسباب، منها: انفصال الشاعر عن التراث، وضعف الإلمام بالأساليب البلاغية، وهيمنة وسائل التواصل التي رسّخت نمطًا لحظيًا وساهمت في تسطيح اللغة. ويُضاف إلى ذلك ضعف النقد الأكاديمي، واستسهال النشر، ما أدى إلى انتشار كمّ هائل من النصوص المتواضعة. لكن ذلك لا يعني انعدام الشعر الجيد، بل خفوت ظهوره وسط الزحام، وتراجع حضوره النوعي. وفي نقاش مع بعض الأصدقاء الأدباء، رأى بعضهم ــ بتشدّد ــ أن «القصيدة إما أن تهزك أو لا تُكتب»، مستحضرين تجارب المتنبي والجواهري وشوقي، وكأن كل قصيدة يجب أن تُقاس على ذلك المعيار الصارم. لكن الرأي المنصف هو ألا نحاكم الشعر الجديد بظلّ المتنبي، وإن ظلّ الكبار ميزانًا جماليًا وأخلاقيًا يذكّرنا بالسقف الأعلى. ليس مطلوبًا من كل شاعر أن يكون كالجواهري، بل أن يكون صادقًا مع لغته، مخلصًا لفنه، ويترك لنصوصه فرصة أن تنمو وتنضج في وعي القارئ. تبقى القصيدة ابنة زمانها، تتشكّل بتأثير الواقع والوعي والتقنيات، لكن ما لا يتغيّر هو حاجتنا إلى الشعر الصادق، العابر للسطح، الملتحم بالإنسان في قلقه وأحلامه. والأهم: كيف نقول كلّ ذلك... شعرًا.