
في تقرير نشرته منظمة الإسكوا الدولية، هناك أكثر من مليار شخص في 113 دولة، منهم 3 مليون في دول الخليج، تحت خط الفقر، ويعيشون في وضع معيشي غير لائق ولا يتلاءم ومتطلبات الحياة الكريمة. في هذا المنحى يتجلى الفنان احمد فلمبان، في معرضه الخامس والعشرون، المقام حاليا في غاليري أرم بمركز الموسى التجاري بحي العليا في الرياض، بلوحات عميقة بعنوان «لا غنى يدوم ولا فقر يبقى»، في سردية تعكس تقلبات الحياة، وتؤكد على زوال الأحوال، فلا غنى يدوم ولا فقر يبقى، في رؤية فنية تأسر الروح وتحاكي الوجود، بفرشاته من مداد قلبه، بلونه نبع إبداعه، رسم فلمبان للعيان لوحات تنبض بالحركة والصخب اللوني، وتتجاوز الطرح المباشر نحو لغة رمزية، وخطوط عفوية متموجة، على خطى التجريد الافتراضي الإيطالي، مؤطره بالرحمة والإحساس بالآخر، هامسة بقضية إنسانية لازالت تتربص بالملايين من البشر، إنه الفقر الذي كما يراه فناننا الكبير احمد فلمبان :- يعد الفقر من أشد المشاكل التي تواجه المجتمعات الإنسانية، ويتنامى بشكل مخيف وخطير، ويعد إحدى المصائب القاسية التي تواجه الإنسان في الحياة، وهناك أكثر من مليار شخص في 113 دولة منهم 3 مليون في دول الخليج، تحت خط الفقر، ويعيشون في وضع إنساني قوامه الحرمان من الموارد المعاشية، وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات، بشكل يتلاءم ومتطلبات الحياة الكريمة، والاحتياجات الأساسية والضرورية، المتمثلة، بالمأوى والماء، والغذاء والكهرباء، والرعاية الصحية، والتعليم، بالإضافة الى عدم القدرة على توفير مصادر احتياطية أو ضمانات مادية لمكافحة الأزمات الطارئة مثل (المرض، أو الإعاقة، أو البطالة، أو الكوارث) وفي تقرير نشرته منظمة الإسكوا الدولية، عن مسببات الفقر وتفاقمها سنويا، بنسبة 11% تعود إلى (الحروب، والصراعات، والضغوطات والتهديدات والابتزاز، والتمييز العنصري، والتهجير، والكوارث الطبيعية، وشح الأمطار، وموجات الجفاف) فالفقر ليس قدرا محتوما لفئة من الناس، وليس مجرد حالة اجتماعية مُنْبَتَّة، أو مجرد الافتقار إلى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق، بل جاء نتيجة لأخطاء في رسم وتطبيق خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، المرتكزة على عدالة توزيع الدخل ومنع استغلال الأقوياء للضعفاء، فهناك هوة عميقة، بين الأغنياء والفقراء، حيث يشكّل الوضع تحدياً أخلاقياً قد يصعب تجاوزه، فكيف بحال البشر أن يستقيم في ظل هذا الوضع المتناقض؟ ناس تتباهى بالترف والبذخ والإسراف في الأكل والولائم، وشعوبها تبحث طعامها في النفايات، إن وجود الثراء الفاحش بجانب الفقر المدقع، وضع غير عادل، قمة الجور والظلم، وحدوث كارثة اجتماعية، وظهور سلوكيات منحرفة، كالسرقة والعنف والتشرد والتسوّل، لأن الفقير يرى الكثير، ولا يملك شيئا، حيث يرى نفسه جائعا عاريا، يبحث عن طعامه وملابسه في النفايات، وناس ترميها في حاويات الزبالة!! فهذه الظاهرة الكارثية، التي تُرجمت عبر أعمال فنية نابضة بالحركة والصخب اللوني، لمعاناة مليار انسان على نحو رمزي، كرد فعل لمواجعهم لتعزف همهمات الظلم والألم، بإيحاءات رمزية، لتترجم الصور الخيالية إلى حضور عاطفي، بطريقة توحي للمُشاهد - انه يرى الجمال والرخاء - ولا يرى البؤس والشقاء، رغم أنها مرسومة، حيث تجتمع الوقائع المؤلمة، في بؤرة الوهج، بعقد الرابط بين المرئي واللامرئي، مع إسقاط الاهتمام بالناحية الموضوعية، فتصبح كُلّا، وأن البعد في اللوحة يأخذ امتداداً واحداً، بشكل عفويَ مبسط، بطروحات مشغولة بكثير من الانكسارات الضاجة بالحركة وصخب الألوان، والخطوط البارزة، والالتفاتات الحادة، التي تحقق – ملامح الترقب والشرود - وسلطتها الرمزية على طاقتها الواقعية في عمق دلالاتها المؤلمة، المشبعة على تخوم العسر، بمفردات مكبوتة، بفعل انحرافات بعض الخطوط، على متناقضات الحزن والفرح، واليأس والأمل، وطرحها بأسلوب رمزي للصور المخفية، بتلاعب الألوان - الغير مخلوطة -على شاكلة الوحشية الممنهجة، مع إهمال القيم اللونية وتفسيراتها الغامضة، والتبسيط في المفردات دون استخدام الظل والنور، أشبه بالرسم البدائي، لتكشف جوانبها الأكثر قسوة، من خلال بعض المفردات التي تأخذ دور البطولة المطلقة، لأنها جوهر الموضوع لا يمكن التعبير عنه إلا بالرمز، لأن هناك علاقة وثيقة بين الرمز والمضمون، ولا تستطيع المفردات العادية التعبير عنها كما يستطيع الرمز، فهما ينبعان من تربة مشتركة - ونتيجة لذلك - تظهر الصور الرمزية، التي تختبئ خلفها خصوصيتها المغلقة والشرسة بذاتها، لعمق المعاناة وقسوتها، وتسهم جميعاً في التوافق الكلي على الأشكال، مع النزوع إلى التناسق بتلقائية مطلقة، لينطلقوا جميعا في أجواء خالية من القيود ومن تعقيدات الوضوح التي تخنق الإبداع وتكبح تيار الانفعال، لأن كثرة الإيضاح تفسد الفن، ويعد ذلك أحد صور التمثيل غير المباشر الذي لا يسمى الشيء باسمه، وقد يُستخدم كوسيلة من وسائل التعبير لمعاني العمل الذي يضمه ويحتويه، لأن له فحوى، وليس جزءاً من فحوى، لأن فحواه مجازي للشيء الذي ليس له وجود قائم بذاته، وقد يستخدم كوسيلة من وسائل التعبير، للوصول للمعنى الجمالي، لا يلاحظها، إلا من يفهم معانيها ويستنبط دلالاتها ويدرك مآلها، ليعطي الموضوع طابعاً ًدراماتيكيا، الذي ينطوي بصورة كاملة عن القلق والامتعاض، بمعالجات اللمسة القاسية، للتعبير عن تلك المفردات الساكنة، بتعرجات الخطوط المتلكئة، في صور لــوقائع غير واقعية، ولكنها تقتفي أثر واقعها الذي كانت عليه، يمثله ليحل محله، لتمنحها الإشراقة الملموسة، بتفاعل بعض الألوان الحادة، لتخلق المتعة البصرية بتداخل - مونوكروم الألوان - عبر شتاتها التي تتناثر في الأفق، لتختلط في وضع حواري، على خطى التجريد الافتراضي الإيطالي، الذي يوحي بالحالة ولا يصرّح بها ولكنها تحاذر التمادي في طمس كل آثار الواقعية، التي من خلالها يمكن أن يراها المتلقي بأكثر من فحوى، وأكثر من شكل، وتحرضه على قراءة بصرية واعية، بطابع المدلول الرمزي، في مناخات التجانس الشكلي مع الألوان، لتتحاور فيما بينها، بين الرفض والقبول، لكنها تحاول التأقلم، لتتناغم معها، لإثارة وجدان المتلقي للتفاعل والغوص في أعماق المشكلة، برؤية تتميز باللغة الأستطيقية، بأسلوب مجازي، لترجمة الأحاسيس الداخلية، التي قد تتحول إلى لغز يغري بالخوض في فك طلاسم تلك التشكيلات المختبئة خلف الصور، لترجمة الدلالات الموحية للقيم الروحية، لتصل إلى أناساً يتنفسون ويحسون ويحبون ويتألمون، لأن فكرتها تعتمــــــــــد على التـــــأثيرات النفسية وترجمة السرّ الخفيّ في النفس الإنسانية، لتغوص عن طريق إثارة الأحاسيس الكامنة، لإحداث ما يشبه السيّالة المغناطيسية الذي يقوم على اللمح والومض، ونقل هذه المعطيات الحسيّة في رؤية «شمولية شديدة الحيوية (الصفحة غير موجودة)»شمولية شديدة الحيوية والحركة، عن قضايا المجتمع وآلامه وأوجاعه ومعاناته الحياتية، لتكون نافذة للمتلقي يشاهد منها كل هذه المظاهر المؤلمة، لتشعره بالتماثل مع أقسى المصائب التي تواجه الإنسان في الحياة، ويكون شريكا مع الفنان لعملية الخلق الفني، كي يتفاعل الجميع لأجلهم، وهذه من وظائف الفن لخدمة المجتمع ونفع البشرية . وفي سياق متصل، يشهد المعرض تقديم كتابه الجديد بعنوان «الفن التشكيلي السعودي في ذكرى التسعين»، الذي يُعدّ استكمالاً لجهوده البحثية السابقة بعد كتابه «فن في نصف قرن» حيث يوثّق الكتاب مسيرة الفن التشكيلي السعودي خلال الـ90 عاماً الماضية، ويرصد تطور الحركة التشكيلية محلياً وعالمياً، متضمناً سيراً ذاتية لـ671 فناناً، و66 فناناً راحلاً، إلى جانب فهرس لأكثر من 18600 فنان ضمن قاعدة بيانات موسعة . ويصحح الكتاب بعض السرديات الساقطة والمنسية التي تناولت البدايات التشكيلية في المملكة، مؤكداً أن الفن التشكيلي كان حاضراً منذ العام 1354هـ، مع الاعتراف برواد التأسيس، الذين مهدوا الطريق للأجيال اللاحقة، وسيتم في المعرض اهداء نسخة واحدة لكل فنان اسمه في الكتاب . والجدير بالذكر ان الكتاب بدعم الدكتور عبدالله دحلان، رئيس مجلس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا بجدة والذي يعتبر من أبرز المهتمين والداعمين للحراك الثقافي والإبداع الفكري السعودي. والفنان أحمد فلمبان، كاتب وباحث في الفن التشكيلي السعودي، ومن أنشط المؤلفين للكتب التشكيلية السعودية بتنوع المواضيع وعمق البحث والتوثيق، حيث أصدر سبعة كتب منشورة عن الفن التشكيلي السعودي.