هل تجرؤ.

هل تجرؤ على قراءة الآية الكريمة (والليل وما وسق) دون أن تصاب بدوار البحر من تدفق المعنى؟ القَسَم بالليل ورد في القرآن الكريم خمس مرات ــ حسب أحد المواقع الدينية ــ لكن هذه هي المرة الوحيدة التي يرد القسم فيها ب (ما وسق) ومعنى وسق لغويا (جَمَعَ) فما هو هذا الذي جمعه الليل؟ لو طرحت هذا السؤال على فئات متفرقة في المجتمع، فماذا سيكون الجواب؟ أول الأجوبة سيأتيك من فئة اللصوص، ولسان حالهم يقول: ما أحلاك أيها الليل. إنك درعنا الواقية، إنك العمى الجميل في عيون الحراس. أما الفئة الثانية فهم الذين خلعوا عذارهم، وغرقوا في الليالي الملاح، وراحوا يتحسرون: لماذا أنت قصير أيها الليل؟ الفئة الثالثة هم الفلاسفة، والعلماء الذين يقضون السنين الطويلة في معاملهم؛ ليقدموا للبشرية ما هي في حاجة إليه لجعل الحياة أفضل مما هي. ولا نستطيع نحن إلا تقديم الشكر والامتنان لهم على ما قدموه. أما الرابعة فهم الساهرون؛ لتبييض وجه الكذب، واستيراد الأصباغ من شتى الجهات، وكأنهم في مباراة يفوز فيها من يستورد أصباغا أشد إخفاء للحقيقة من غيره، وأعني بهم الشعراء الذين يقول قائلهم: ( يا ليل طل يا شوق دم / إني على الحالين صابر) كما أعني النقاد (المستوردين) الذين يكسرون الزجاجة، ثم يحاولن إعادتها، وهي جثة هامدة. وقد حذر منهم الجاحظ قبل قرون. أما الفئة التي توسع الليل سبا وشتما وركلا وعضا فهم المتسولون؛ لأن الليل يقطع أرزاقهم، فالشوارع خالية من الواهبين. ولكن لا تنس أن المتسولين مراتب ومقامات، فبعضهم يدر عليه الليل والنهار معا، وهم فئة المنافقين الذين لا فرق بينهم وبين المتسولين إلا في شيء واحد هو أن المتسول النهاري لا يملك قناعا، بخلاف المتسول المنافق، فهو يملك لكل حالة قناعا على وزن لكل مقام مقال. ذكرني. هل نسيت فئة من الفئات تحب الليل أو تكرهه؟ نعم نسيت فئتين: الزهاد والمرضى، فالزهاد يرحبون بالليل؛ لأنهم ــ بحسب اعتقادهم ــ يعرجون فيه إلى عوالم من الملكوت لا تنال إلا تحت جناحيه. أما المرضى فيعانون من وحشة الوحدة، واستفراد الأوجاع بهم. ويبقى أن الآية الكريمة تعني شيئا أعمق، لا يصل إليه إلا الراسخون في العلم.