
تتميز السينما الهندية أنها فضاء واسع لمناقشة القضايا الاجتماعية والثقافية، لكنها عندما تقترب من الشأن الديني، يصبح الأمر أكثر حساسية وتعقيدًا. فيلم “مواجهة الكاهن الأكبر” (Maharaj) يأتي ضمن هذا السياق، حيث يسلط الضوء على قضية تاريخية تمس علاقة السلطة الدينية بالمجتمع، وكيف يمكن أن تتحول هذه السلطة إلى وسيلة للنفوذ والاستغلال. الفيلم، المستوحى من أحداث حقيقية وقعت في الهند خلال القرن التاسع عشر، يقدم قصة الصحفي كارسنداس مولجي، الذي يقرر التصدي لكاهن نافذ متهم باستغلال موقعه الديني لأغراض شخصية. هذه المواجهة لم تكن مجرد معركة بين شخصين، بل صراع بين الصحافة كسلطة ناشئة، وبين النفوذ الديني الذي كان يحظى بحصانة مطلقة في ذلك الوقت. شكلت العلاقة بين الدين والمجتمع موضوعًا معقدًا ليس في الهند فقط، بل في جميع أنحاء العالم. الفيلم يعكس إشكالية تغييب العقل بوضوح، والاتباع الرموز دون تمحيص، حيث يُظهر كيف يمكن أن يستخدم الإيمان الشعبي كأداة لتبرير تصرفات غير مسؤولة، بل وحتى غير أخلاقية، من قبل بعض رجال الدين. الجرأة في الفيلم لا تكمن فقط في موضوعه، بل في الطريقة التي يقدمه بها. فهو لا يعتمد على الرمزية أو التلميح، بل يواجه الفكرة مباشرة، ويضع المشاهد أمام تساؤلٍ حقيقي: إلى أي مدى يمكن للسلطة الدينية أن تمضي في نفوذها دون مساءلة؟ الفيلم لا يعادي الدين أو القيم الروحية، لكنه ينتقد بشدة استغلال هذه القيم لتحقيق مكاسب شخصية. يظهر الفيلم كيف كانت الصحافة في ذلك الوقت تحاول أن تجد لنفسها مكانًا كسلطة رابعة، تسعى لكشف الحقيقة ومساءلة أصحاب النفوذ. شخصية كارسنداس مولجي تمثل هذا التوجه، حيث نراه يواجه ضغوطًا كبيرةً، ليس فقط من رجال الدين، ولكن أيضًا من المجتمع الذي كان ينظر بعين الريبة لأي محاولة للتشكيك في الرموز الدينية. يقدم الفيلم صورة دقيقة لكيفية استغلال الدين كأداة للسيطرة، فالكاهن جادوناتجي براجراتانجي مهراج ليس مجرد شخصية سلبية تقليدية، بل هو نموذج لرجل يعرف كيف يستغل سلطته، مستفيدًا من إيمان أتباعه العميق به، ومن خوف المجتمع من طرح الأسئلة الصعبة. الفيلم اعتمد على بناء درامي متدرج، حيث أخذ وقته في استعراض الأجواء الاجتماعية والسياسية لتلك الفترة، كما لعب الإخراج دوره في تعزيز الشعور بالرهبة التي تحيط بالكاهن، إذ اعتمد على الإضاءة الخافتة والزوايا الضيقة في المشاهد التي تدور داخل المعابد، بينما تظهر مشاهد الصحفي بألوان أكثر وضوحًا. وفي الحقيقة تميز جاي ديب أهلاوات في أداء دور الكاهن، وقدم شخصية قوية واستطاع أن يوصل مراد الشخصية بجدارة وقدرة على الإقناع. في المقابل، جونايد خان تمكن من دوره الصحفي والتحديات التي واجهها من قبل عائلته المنحازة للكاهنوت، ونجح في إيصال الصراع النفسي لشخص تم استغلال خطيبته محضية للكاهن، وادراكه أنه يواجه قوة أكبر منه، واستمر دون تراجع. قد يبدو الفيلم وكأنه يتناول قضية تاريخية، لكنه، بطريقة أو بأخرى، يعكس ظاهرة لا تزال قائمة في العديد من المجتمعات، حيث تتحول السلطة أحيانًا إلى قوة لا تخضع للمساءلة، كما أنه يعيد تسليط الضوء على دور الاعلام النبيل في كشف الحقائق، حتى في الأوقات التي يكون فيها الثمن مكلفًا. “مواجهة الكاهن الأكبر” ليس مجرد فيلم عن الماضي، بل هو تذكير بأن القضايا الكبرى تظل قائمة، وأن السينما يمكن أن تكون أداة فعالة لمناقشتها. إنه عمل يفتح باب النقاش حول التوازن بين الإيمان والنقد، وبين الاحترام والمساءلة، وبين الحقيقة والخرافة.